الرياء خطورته وعلاجه
عبدالرحمن بن ناصر الفيصل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ أما بعد:
فإن أصـدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
الرياء عباد الله كبيرة من الكبائر العظام،
وذنب من الذنوب الجسام؛ وهو أن يزين المرء
صلاته ليراه الناس أو يتحدث بعمله ليثني الناس ممايدخله في وعيد الله عز وجل قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ»قال العلماء: «معناه من راى بعمله وسمَّعه الناس؛ ليكرموه، ويعظِّموه، ويعتقدوا خيره سمَّع الله به يوم القيامة الناس، وفضحه »كما توعّد الله المرآي بوادٌ في جهنمَ بعيدٌ قعرُه، شديدٌ حرّه،لأن عمل طاعات وقربات لم يبتغي بها وجه الله قال سبحانه (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن)
والرياء عباد الله من الشرك بالله والشرك محبط للعمل قال سبحانه (لئن أشركت ليحبطن عملك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركتُه وشِركه».
وأخبر النبي ﷺ أن أول من تسعر بهم النارثلاثة حافظ للقرآن ومجاهد للأعداء ومنفق ماله في سبيل الله لأنهم فعلوها ياء للخلق وحبا للمدح والشهرف لذامن كان يرجو لقاء الله فعليه ألا يرائي بعمله، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
عباد الله الرياء له دوافع كثيرة منها :
الجهل بالعقوبة المترتبة عليه والطمع بما في أيدي الناس مما يجعله عملا مهينا مذلا لصاحبه
ومنها حب مدح الناس وثنائهم مما يجعله موضع سخرية منهم وتندر
ومن دوافع الوقوع في الرياء الحرص على الشرف والجاه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)، فيزين أعماله لكي يظهر أنه شريف فيثق الناس به ومنها الخوف من المذمة. فيفعل الطاعة ويزينها ويترك المعصية لأنه يخاف من ذم الناس.
وكان الحسن يقول: والله ما أمنه إلامنافق وماخافه
إلا مؤمن.فعلينا أن نخافه، في أفعالنا وأقوالنا وأن تعوذ بالله منه قال صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا ونحن نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه) ولنحذر أن ترك العمل خوف الرياء فإنه من تلبيس الشيطان قال الحسن :
من كان له ورد مشروع من صلاة الضحى
أو قيام ليل أو غير ذلك فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس، فإنه إذا علم الله من قلبه أنه يفعله
سرًا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء قبله
ولهذا قال الفضيل بن عياض:
ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس
شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما)
نسأل الله أن يعيذنا من الشرك قليله وكثيره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن أخوف ما خافه رسولنا صلى الله عليه وسلم على الصحابة هو الرياء فغيرهم من باب أن يخافوه فقد قَالَ صلوات ربي وسلامه عليه: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ»، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عز وجل لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً»
عباد الله
هناك أمور تقي من الوقوع في الرياء:
منها مجاهدة النفس على الإخلاص وتعلم مايضاده من الرياء والشرك لكي لانقع فيه
ومنهاالحرص على كتمان العبادة وإخفائها قال ﷲ تعالى: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ)
قال الفضيل (خير العمل أخفاه لأنه أمنعه من الشيطان وأبعده عن الرياء)
ومن الوقاية من الرياءتعظيم الله باستحضار
مراقبةِالله تعالى للعَبْد﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
ومنها الاستعاذة بالله تعالى على التخلص من الرِّياء كان عليه لصلاة والسلام يقول في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل». رواه مسلم.
ومنها النظر في عاقبة الرياء الأخروية حيث أن الرياء محبط للعمل، وسبب لغضب الله ومقته، وأنه من المهلكات، وأشد خطرًا على المسلم من المسيح الدجال. ومَن هذه حاله فهو جديرٌ بالتشمير عن ساق الجد في إزالته وعلاجه، وقطع عروقه وأصوله
٧- الخوف من أن تكون فترة الرياءخاتمة العمل
والأمر ليس سهلًاأن ترائي فتموت،في الحديث (يبعث كل عبد على ما مات عليه )
٨- مدافعة الرياء كلما خطر على العبد. وهذا من أنفع العلاج، فكلما أحسست به استعذ بالله من الشيطان الرجيم وتذكر حبوط العمل
فاللهم أبعِدْ عنا الرياء والسّمعة، واجعلْ أعمالنا
وأقوالنا ونياتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب
عباد الله
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد،وعلى آله وحبه أجمعين اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمرأعداء الدين واجعل هذا
البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين، اللَّهُمَّ لا تؤاخذنا بذنوبنا وبما فعل السفهاء منا، اللَّهُمَّ أجعل ولايتنا فيما خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ ولي على المسلمين خيارهم في كل مكان واكفهم شر شرارهم، اللهم جنبنا منكرات الأخلاق، والأهواء، والأعمال، والأدواء، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، اللهم حاسبنا حساباً يسيراً، اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبِنا. (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.