الشرك بالرب المعبود
العلامة سعد بن عبدالرحمن الحصين
– الشرك الأكبر المخرج من الملة لا يغفره الله ولا يقبل معه عملاً صالحاً كما أوحى الله تعالى لكلّ نبيّ من أنبيائه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] وإن شاء تعالى غفر أيّ معصية دون الشرك؛ فلا عذر للمشرك بالشهوات والغرائز الجِبِلِّية ولا بالمشقة ولا بالحاجة، ولا سبيل للإكراه على القلب محلّ الاعتقاد ومنبع الإخلاص والتّوحيد، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وهذا الشرك الشنيع والظلم العظيم من المخلوق لنفسه يشمل أمرين:
1) الشرك بالله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله، وهو قليل الحدوث في أوائل المشركين؛ فقد قال الله تعالى عن أولئك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]؛ فهم معترفون لله بالرّبوبية في الخلق وفي صفتي العزّة والعلم، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31]؛ فهم معترفون لله بالرّبوبية في الرزق والملك والإحياء والإماتة والتدبير؛ فلم ينفعهم هذا الاعتراف لله بربوبيّته لخلقه ولم يدخلهم في الإسلام ولم يخرجهم من الكفر. بل إن منهم من يعترف لله بأخصّ أسمائه: (الله) كما في حديث صلح الحديبية المتفق على صحته، ومنهم من يعترف بما سمّاه المتأخرون: (الحاكمية) إذا وافق الحكم أهواءهم، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}[النور: 49]، فلم يُغْنِ عنهم ذلك من الله شيئاً إذا لم يفرودا الله بالعبادة وحده لا شريك له.
2) الشرك بالله في عبادتنا له بدعاء غيره معه، أو الاستعانة أو الاستغاثة بغيره معه فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو بطلب المدد إلا منه، وغير ذلك من العبادات الخاصّة به سبحانه وتعالى عن الشّريك والنّدّ والظهير. قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص: 87-88]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] أي: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك ، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]، وأكبر مظاهره تعظيم المقامات والأضرحة والمزارات. وهذا الأمر من الشرك الأكبر هو الذي جحده المشركون في كلّ عصر وأرسل الله جميع رسله لنفيه والتّحذير منه ومحوه والتّركيز على ذلك قبل وفوق جميع أحكام الشريعة باتّفاق جميع فقهاء الأمة، خلافاً لما ظنّه وسطّره الكاتب سيّد قطب تجاوز الله عنا وعنه في مؤلّفه (في ظلال القرآن ص 1846 وص 1852 وص 2110 ط. دار الشروق).
ولم يقبل الله اعتذار المشركين بالتّقرب بأوليائهم والاستشفاع بهم إليه، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه بقتالهم، وأحبط أعمالهم الصّالحة من عمارة للمسجد الحرام، وسقاية للحاجّ، وطواف وسعي واستغفار، وإخلاص الدّين لله عند الشدة؛ بسبب تلبّسهم بهذا الشرك الأكبر باتفاق فقهاء الأمّة خلافاً لما ظنّه وسطّره سيّد في المؤلَّف نفسه ص 1492 ط. دار الشروق.
ب- الشرك الأصغر، وهو معصية كبيرة وظلم عظيم من العبد لنفسه ولكنه غير مخرج من الملّة، ومن مظاهره: الرّياء والحلف بالشرف والأمانة والذّمّة والحياة وبالنّبيّ والكعبة وبأيّ أحد غير الله سبحانه وبحمده. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتّبعي سنته.