العنف الأسري مظاهره وأسبابه
د. محمد بن أحمد الفيفي
العنف الأسري مظاهره وأسبابه
إن انعدام الرفق من حياة الناس وخاصة الاسرة لهو أمر يقبح ويشين بها كما قال عليه الصلاة والسلام (ياعائشة ماكان الرفق في شيء الا زانه ولا نزع من شيء الا شانه )وقال (ان الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف )وان جهل الكثير من الاسر بحقوق احدهم تجاه الاخر كان سببا رئيسا في تفشي ظاهرة العنف الاسري
فاذا كان الزوج لايعرف حقوق زوجته ولا الزوجة تعرف حقوق زوجها ولا الأب يعرف حقوق أبناءه وبناته ولا الأولاد يعرفون حقوق والديهم هنا فلا تسأل عن حجم المأساة وعظم الكارثة التي ستتولد نتيجة الجهل بحقوق الآخرين
والمتأمل لسيرته عليه الصلاة والسلام يجد هذا الأمر واضحا جليا لمن أراد أن يتأسى به عليه الصلاة والسلام فمن ذلكم رعاكم الله
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رواه مسلم.
وعن عبد الله بن زمعة قال قال رسول الله بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا رواه البخاري .وقَالَ لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ.
وقال اللهم إني أحرج حق الضعيفين : اليتيم والمرأة . رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في الكبرى .حسن ، الصحيحة ( 1015 )
ولما اذن الله بالضرب للمرأة الناشز بين رسول الله هذا الضرب بأن يكون غير مبرِّح ،وفسره العلماء فقال عطاء : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المُبَرِّح ؟ قال : بالسواك ونحوه . وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه وصححه الالباني.
ولذا لما نـهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء وقال (لا تضربوا إماء الله)جاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ذئرن ـ أي اجترأن ـ النساء على أزواجهن ، فرخّص في ضربهن ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم . رواه أبو داود وغيره .وصححه الالباني.
وبهذا يتبين لك أخي المسلم أن الرجل الضارب ليس من خيار المسلمين كما قال عليه الصلاة والسلام ، وكذلك فإن الضارب لا يُشار بِهِ في النّكاح كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس وقال لها أما أبو جهم فضراب للنساء.قالت : فكرهته.
وأما بالنسبة للأولاد فقد جاءت السنة بما يجوز من الضرب حيث قال الرسول (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع)ابي داوود.
ومع ذلك فقد بين العلماء كيف يكون الضرب قال العلامة ابن باز رحمه الله (وتضربهم عليها لعشر ، ضربا خفيفا يعينهم على طاعة الله ، ويعودهم أداء الصلاة في وقتها ، حتى يستقيموا على دين الله ويعرفوا الحق ، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” انتهى ملخصا .”مجموع فتاوى ابن باز” (6/46))
وقال العلامة العثيمين رحمه الله (يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً ؛ لأنه أحياناً تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب ، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد ، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح ، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر ” انتهى .”لقاء الباب المفتوح” (95/18))
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله ) فأين هذه الخيرية فى بيوت كثير من الناس ، فكم نحن بحاجة لها ، وكم من امرأة تفقد هذه الخيرية ، وكم أبناً وبنتاً أصبحوا ضحية للإنحراف لما فُقدت هذه الخيرية ، قصص مبكية ومدمية لآباء وأمهات أهملوا وفرطوا وتعدوا وتجاوزا فخرج لنا جيل لا يعرف القيم والحياء ، فهو بهذا إثم ولا شك ، وهو شريك فى الجريمة .
– حتى إننا سمعنا من يكوى ابنته بالنار فى عدة أماكن من جسدها بلا رحمة ولا هوادة ، ولم تأخذه شفقه الأبوة . – وقرأنا من ضرب واستخدام السلاسل والايذاء الجسدى والتحطيم المعنوى مع من يعولهم سواء من أولاده أو زوجته أو غيرهم .
– وكثيراً ما سمعنا عن متورطين فى الإدمان أو مصابين بأمراض نفسية ما رسوا ذلك العنف الأُسْرى والتى انتهت بشتات لتلك الأسرة .
وحينما نقول هذا فإننا لا نعترض على عقاب الوالد أو الزوج لمن تحت يده إنما نطالب أن يكون العقاب المناسب ، لا يخرج عن الطريقة الشرعية ، لأن الأهواء والغضب يفتك بالمرء ويجعله يقدم ولا يبالى ، وفى الآخر يندم ويتحسر..
لقد تعالت صيحات الإخصائيين من الشرعيين والنفسيين والاجتماعيين للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة خصوصا ونحن نرى أرقاما عبر وسائل الاعلام بدأت تزداد في حجم هذه المشكلة .
ان وجود الكثير من المنكرات والمعاصي في البيوت وقلة الطاعات والبعد عن الله من أهم أسباب التوتر والعنف وتقلب المزاج لذا يقول الله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ويقول عليه الصلاة والسلام (البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان ثلاثة ليال)
ان ضغوط الحياة وربما تكاليف وشظف العيش عند بعض الناس قد تؤدي الى هذه السلبيات ولكن هذا يمكن علاجه بالصبر والاحتساب والحلم وعدم التعجل كما قال عليه الصلاة والسلام (ما رزق عبد خيرا له ولا أوسع من الصبر)واستشارة أهل الخبرة والاختصاص
ولا ننسى أن من أهم الاسباب غياب الحوار الاسري بين أفراد الأسرة سبب كبير من أسباب وجود العنف بين أفرادها .
محمد بن أحمد الفيفي
عضو هيئة التدريس جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية