اللاجئين وشكر النعمة
أحمد بن ناصر آل عبدالله
اللاجئين وشكر النعمة
الحمد لله القوي العزيز، العليم الحكيم؛ بقوته وعزته قهر خلقه، وقامت السموات والأرض بأمره، وبعلمه وحكمته انتظم سير الكون، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ حليم على الظالمين، فإذا أخذهم لم يفلتهم ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا منَ الإسلامِ بالعروة الوثقى،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ) واعلَموا أنَّ الدّنيا ممرٌّ وأنّ الآخرةَ هي المستقرّ، فاستبِقوا الخيرات قبل فواتها، وحاسبوا أنفسَكم على زلاّتها وهفواتها.
عباد الله : البرد الشديد نَفَسٌ من أنفاس جهنم كما جاء في الحديث، ويعذب به أهل النار، ومن نعيم أهل الجنة أنهم ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴾
و بلادنا تعيش شدة البرد هذه الأيام مع ما نحن فيه من نعمة الأمن والأمان و الغناء والطعام ووجود جميع وسائل التدفئة بيننا ، فإنه يجب وبقلوب مبتغية الجنة كما في الحديث القدسي عند مسلم “َأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: وذكر منهم : رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ )،أن لا ننسى إخواننا المسلمين المستضعفين في مخيمات اللاجئين في سوريا واخواننا في العراق وفي الأفغان وفي سائر بلاد المسلمين وما يعيشونه من خوف وهلع وفقر ورعب وفرقة واقتتال وقلة الحيلة وشدة البرد ، فلا سقف يكن من المطر، ولا فراش يقي من صقيع الأرض، ولا جدران يحتمي بها من هواء بارد لاسع . فأين موردوهم المهالك ؟اين دعاة الثورات ، اين المرخصين لدماء المسلمين ؟ ألم يصيحوا الجهاد الجهاد ؟ وأي جهاد فلا عدة ولا عتاد ولاقدرة لهؤلاء العزل ، ثم يصيح الآخر : فلتضح سوريا بمليون شهيد !! وهم على أرائكهم نائمون ، وبين أولادهم يمرحون ،لكن ، هكذا تكون الحال إذا تصدر القصاص والجهال ، وتزيا بالعلم من ليس من أهله ، وهل يخاف على الإسلام وأهله الا من هؤلاء ؟
الا بعدا لهم ، فها هي حال اخواننا باتوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ثلوج وشتاء، بلا سكن أو غطاء ولا طعام أو غذاء، أو حتى لا لباس أو دواء، هربوا من جحيم مدافع وقنابل طائرات فكانوا في زمهرير الثلج والبرد والمستنقعات ، في صور مأساوية يندى لها الجبين .
أتدري كيف جارك يا ابن أمي يهــدده مـن الفقـر العنـاء
وكيـف يـداه ترتجفان بردا وتصدمـه المذلـة والشـقـاء
والله ثم والله إن المتأمل في حالهم وما كانوا فيه من نعمة قبل سنوات ليحمد الله على ما نعيشه من أمن وسعادة وتحكيم للشريعة وظهور للتوحيد وعزة لأهل السنة ، وريادة وقيادة للدول الإسلامية في المحافل والحشود ، وغزو وجهاد لأكبر معاقل الفساد في المنطقة فقد قطعت حبال اهلها في اليمن والبحرين ، وسيق زمام مدها السني في الدول الأفريقية ضد الزحف الباطني المأفون .
عباد الله : إن تعاطفنا مع إخواننا المستضعفين في سائر بلاد المسلمين ، لا يعني تهييج الناس أو الخروج الى معامع القتال باسم الجهاد ، فإن هذا من صلاحية الإمام والحاكم قال الإمام أحمد في أصول السنة : والغزو ماض مع الأمراء الى يوم القيامة . وقال الشيخ ابن عثيمين : والمخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمر ، وليس أفراد الناٍس )، إن تعاطفنا معهم يستلزم منا الدعاء لهم ، والمصاب بمصابهم ، ومد يد العون والمساعدة بالقنوات الرسمية .
استشعارنا بصابهم يذكرنا بما روى الترمذي في سننه من حديث عبيدالله بن محصن الخطمي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا“.
لابد أن نستشعر اننا مع ما ينزل بنا من بلاء وغلاء في الأسعار : أن هذه الابتلاءات والمصائب ما نزلت إلا بسبب ما كسبته أيدينا، إن الزمان لا يفسد إلا بفساد أهله، ولا يصلح إلا بصلاح الناس، إن صلح الناس كان الزمان صالحاً، وإن فسد الناس كان الزمان فاسداً، فرحم الله الإمام الشافعي إذ قال:
نعيب زماننا والعيب فينـا وما لزماننا عيب سـوانا
قال العلامة عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله :
فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة“ ولا نجحد فضل الله علينا ( إن الإنسان لربه لكنود ) فلا نزال نعيش في نعم عظيمة تحتاج لشكر ، وفي مقدمتها نعمة إقامة التوحيد والسنة في هذه البلاد ، إضافة إلى نعم كثيرة لا نحصيها ويحسدنا عليها الكثيرون ، ولا نغفل عن قوله تعالى :( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ).
ثم لننظر الى حالنا مع نعمة الله بذخا واسرافا ورميا للنعم وامتهانا لها وتباهيا بذلك والعياذ بالله والله يقول ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ويقول سبحانه” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
ألم يكن الصوماليون يوما من دهرهم كان يذبح الأباطرة الخراف ليأكلوا كبدته فقط ويرمون بباقيه في الزبائل والمهملات وكيف هم الآن ؟!!
ألم يكن أهل العراق يقولون ﻻ فقر في حضور النفط والتمر وما مصير العراق من سنيين والى الآن .
ألم تكن لبنان جنة الدنيا وشرف نعيمها حتى كانوا يركلون الساندويش والخبز المحشي كالكرة تحت الأقدام ثم هم الآن في فقر وغلاء وتهجير
ألم وألم ، وألم وآلام .
إننا نسألك ربنا أن لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء ، وأغننا جميعاً بحلالك عن حرامِك، وبفضلِكَ عمَّن سِواكَ ، وبارك لنا فيما رَزَقْتَنَا, وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبةُ الثانية:
الحمدُ لله أنعَمَ علينا بعظِيمِ آلائِه،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهَ ونشكرهُ على واسعِ فضلِهِ وعطائِهِ،ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أفضلُ رُسُلِهِ وخَاتَمُ أنبيائِهِ ، الَّلهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأوليائه. أمَّا بعد: فأوصيكم عبادَ الله: ونفسي بتقوى اللهِ وكثرةِ حَمْدِهِ وشُكرهِ، فكم خَصَّكم بِنِعمَةٍ؟!وأَزَالَ عنكُم مِنْ نِقْمَةٍ؟! وَتَدَارَكَكُم بِرَحْمَةٍ؟! فالحمدُ للهِ أولاً وآخِراً وظاهراً وباطناً.
ايها المسلمون، إن من المتحتم عقلا أن الإسلام لا يدعو المسلمين إلى المسكنة والافتقار ورسول الله يقول: ( تعوذوا بالله من الفقر والقلة، والذلة ) ، ويقول 🙁 اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ) رواهما أحمد .
الا أن المال في الحقيقة، لا يطلب لذاته في هذه الدنيا، وإنما يطلب عادة، لما يضمنه من مصالح لهذا ينبغي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ينبغي أن يأخذ المال بسخاوة نفس ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج اليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه اذا سعى كاصلاح الخلاء، وفي الحديث المرفوع الذي رواه الترمذي وغيره (من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله وفرّق عليه ضيعته ولم يأته من الدنيا الا ماكتب له، ومن أصبح والأخرة أكبر همه جمع الله عليه شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة ).
عباد الله، إن المال غادٍ ورائح، ومقبلٌ ومدبرٌ، وما هو إلا وسيلة للإنفاق والبذل، كما قال رسول الله : ((أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى)) رواه البخاري ومسلم.
فليس المال بكثرته وإنما هو غِنَى النَّفسِ وقَنَاعَتُهَا ، ! عن أَبي هريرةَ عن النَّبيِّ قَالَ: ( لَيْسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَض،وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ).
وقالَ : (أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ،فَو الله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ،وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ،فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا،فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ ).
هذا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البريّة وأزكى البشرية محمّد بن عبدِ الله صاحبِ الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّهَ بكم أيها المؤمنون، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، وقال : ((من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشرا)).
اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد وَسائر الصَّحَابَةِ, وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا, مُطْمَئِنًا, رَخَاءً, سخَاءً, وسَائِرَ بلَادِ المُسْلِمِينَ ، اللهم من أراد بلادنا بسوء فأفسد عليه أمره ، ورد كيده في نحره ، واجعل تدميره في تدبيره . اللهم أيد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة برحمتك يا ارحم الراحمين .
اللهم كن لإخواننا المرابطين على ثغور بلاد الحرمين
اللهم عجل نصرهم واكبت عدوهم بقوتك يا قوي يا عزيز .
اللهمّ أنت الله لا إله إلاّ أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهمّ أغثنا، اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهمّ أغثنا غيثًا مُغيثًا مريئًا مجلّلاً، عاجلاً غير آجل، نافعًا غير ضار. اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهمَّ اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدَك الميت.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَالَمِينَ) .