المجموعة (953)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: هل تنعقد يمين وقسم الكرم والإكرام، فمن لم يُوف بها بأن حنث، هل تجب عليه كفارة يمين؟
الجواب:
ينبغي أن تُعلم صورة يمين الكرم أو الإكرام وقسم الكرم أو الإكرام، وصورة هذه المسألة: أن يُقسم وأن يحلف رجل على رجل أن يفعل أمرًا من باب الإكرام له، كأن يُقسم عليه أن يأكل طعامًا أو أن يدخل قبله، إلى غير ذلك، فهذه تسمى يمين إكرام وقسم إكرام.
وقد ذهب بعض أهل العلم من المتأخرين إلى أن مثل هذه لا يجب فيها كفارة إذا حنث، بمعنى: إذا لم يستجب الرجل الذي أُقسم عليه فإنها لا تجب على القاسم كفارة، وقالوا: وذلك لأن المراد الإكرام، والإكرام قد حصل بمجرد القسم واليمين.
والذي رأيته للعلماء الأولين أنهم على خلاف ذلك، وأنهم يرون في ذلك كفارة، وهذا هو الصواب لما يلي:
– الأمر الأول: قال تعالى: ﴿ لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ ﴾ [المائدة: 89] فالأصل في اليمين أنها مما عُقّدت، وأن العبد مؤاخذ عليها ففيها كفارة، ولا يُخرج عن هذا الأصل إلا بدليل واضح ولا دليل واضح في ذلك.
– الأمر الثاني: أن العلماء الأولين على هذا الفهم، وينبغي لنا ألا نترك فهم العلماء الأولين إلى من بعدهم.
فإن قيل: ماذا يُقال في قصة أبي بكر -رضي الله عنه- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- في قصة أبيه لما أضاف أقوامًا من أهل الصفة، فإنه أقسم عليهم أن يأكلوا، وقال: والله لا أطعمه أبدًا. ثم إنهم أبوا ذلك فطعم -رضي الله عنه-؟
ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر أبا بكر أن يُكفر يمينه، فإن في تمام القصة أن أبا بكر أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
والجواب على هذا أن يُقال: إن هذا الدليل دليل محتمل، فلا يُترك الدليل الصريح مع فهم أهل العلم لهذا الدليل المحتمل، فيحتمل أنه كفّر -رضي الله عنه- ويحتمل أنه قبل آية كفارة اليمين وقبل كفارة حنث اليمين، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي ذكرها النووي في شرح مسلم، وابن حجر.
فالمقصود أنه لا يُترك الدليل الصحيح الصريح إلى مثل هذا، وقد بيَّن ابن القيم في كتابه (أعلام الموقعين) تسعة وتسعين مثالًا على أنه لا يُترك الدليل الصحيح الصريح للأدلة المحتملة، فينبغي لمن وقع في مثل هذا أن يُكفر عن يمينه، فإذا حنث فإنه يُكفر عن يمينه وألا يتساهل في ذلك.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.