المجموعة (986)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: أنا شخص أعاني من وساوس في الوضوء، حتى إني في أغلب الأوقات أُعيده، فما نصيحتك لي؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن الوساوس مرضٌ لابد أن يسعى المسلم إلى رفعه، وسبل رفعه يرجع إلى أمور منها:
الأمر الأول: الدعاء، فإن الدعاء أعظم سبب لرفع كل بلاء ولتحصيل كل خير كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186] فلنفزع إلى الله بالدعاء، فإن الدعاء مفتاح كل خير.
الأمر الثاني: أن نجتهد في فعل الرقية، فإن الرقية شفاء سواءٌ من الأمراض الحسية أو المعنوية، سواء من السحر والعين أو غير ذلك من الأمراض، كما قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82] فالقرآن كله شفاء، فينبغي أن يُجتهد في الرقية فإن فيها خيرًا عظيمًا وهي من رحمة الله بنا إذ جُعل في أمتنا ما يكون شفاءً بأن يُرقى به وهو القرآن.
الأمر الثالث: مجاهدة النفس في ألا تلتفت إلى الوساوس، لابد من مجاهدة النفس في ذلك وأن يعلم العبد أنه معذور ولا يكلفه الله فليتوضأ مرة واحدة وهو معذور لئلا يلتفت إلى الشكوك والوساوس ويكتفي بالوضوء الواحد ولو أوهمه الشيطان أنه على يقين بأنه لم يتوضأ، فإن مثل هذا قد أُصيب بالوسوسة فلا يُعتد بيقينه ولا بتلبيس الشيطان عليه، وإنما يجاهد نفسه بأن يكتفي بوضوء واحد وليتأكد وليعلم أنه معذور، كما بيَّنه ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان).
الأمر الرابع: ليُراجع طبيبًا نفسيًا لعل عنده علاجًا له فينتفع بعلاجه،
أسأل الله أن يشفيه وأن يشفي المسلمين أجمعين إنه أرحم الراحمين.
يقول السائل: هل تدخل جميع الملابس في حكم إسبال الثوب؟ وهل يجوز للرجل أن يكف من بنطاله في الصلاة وخارج الصلاة؟ وهل يجوز للرجل أن يمشي في الشارع وهو مسبل إزاره؟
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن الإسبال شاملٌ لكل ما يُلبس من ثياب وأُزُر وما يسمى اليوم بالبناطيل والسراويل، إلى غير ذلك.
ويدل لذلك ما يلي:
الأمر الأول: أن ما جاء في الأحاديث من ذكر الإزار لم يُرد به تخصيصه بالإزار وإنما ذُكر الإزار من باب الغالب كما ذكر هذا ابن جرير الطبري، والقاعدة الأصولية واللغوية: أن ما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، فما روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار» هذا ليس خاصًا بالإزار وإنما ذُكر الإزار من باب الغالب.
الأمر الثاني: ثبت عند أحمد وأبي داود عن ابن عمر أنه قال: “ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الإزار فهو في القميص” وهذا صريح من ابن عمر أنه ليس خاصًا بالإزار، وهذه فائدة عظيمة، فإذن ليس الإسبال خاصًا بالإزار بل هو عام لكل شيء وهذه الفائدة من ابن عمر -رضي الله عنه- إما أنه أخذها تلقيًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أنه فهمه فهمًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلاهما حجة.
الأمر الثالث: ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» عبَّر في الحديث بلفظ «الثوب» ليكون شاملًا لجميع ما يُلبس، فبهذا يُعلم أنه ليس خاصًا بالإزار.
أما ما روى أبو داود وابن ماجه من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الإسبال في الإزار والقميص والعمامة» فإن هذا الحديث لا يصح، لتفرد أبي رواد عن سالم، وتفرده لا يُعتد به، لذلك لما ذكر هذا الحديث ابن ماجه قال: واستغربه ابن أبي شيبة، والاستغراب عند العلماء الأولين بمعنى التضعيف.
فبهذا يُعلم أن الإسبال ليس خاصًا بالإزار بل يشمل ما يسمى بالبنطال بل كل ما يُلبس، فمن كان بنطاله طويلًا فكفَّه فصلى ومشى في الطرقات وهو مكفوف فهو معذور، المهم أن يكون فوق كعبه، أما أن يمشي الرجل في الشوارع أو في غير ذلك مُسبلًا فإن هذا لا يصح فهو ما بين حالين: أن يكون خيلاء فهذا محرم وشديد الحرمة، أو أن يكون بغير الخيلاء وهذا أيضًا ممنوع شرعًا ولا يصح، فينبغي للمسلم أن يجتهد أن يكون إزاره فوق كعبه.
والشيطان له مداخله العظيمة على ابن آدم، فقد صار يُعاب على الرجل أن يضع ثوبه فوق كعبه وفي المقابل يُمتدح من المرأة، فهذا يدريكم أن للشيطان مداخل على ابن آدم وأنه يُحسِّن القبيح ويُقبِّح الحسن.
أسأل الله أن يهدينا وأن يصلحنا وأن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.