المجموعة (997)
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: بعض الناس يقول: ليس هناك دليل على عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي، وكذا قول: “جمعة مباركة” يوم الجمعة، وادعاء البعض أن السلف لم يفعلوا ليس بدليل لأنه ثبت في الأصول أن الترك لا يدل على الحرمة وعدم الجواز.
الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته لأمر له حالان:
الحال الأولى: ألا يكون تعبديًا، فمثل هذا لا يدل تركه على الترك، فقد ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل الضب وبيَّن السبب وهو أنه لا يجده في أرض قومه، فلا يصح لأحد أن يقول إنه لا أحد يأكل الضب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك ذلك؛ وذلك أن تركه ليس تعبديًا.
الحال الثانية: الترك التعبدي، بمعنى: أنه ترك عبادةً بأن كان في إمكانه أن يفعلها -صلى الله عليه وسلم- أو بإمكان صحابته أن يفعلوا هذه العبادة، فإن هذا الترك يدل على وجوب الترك وأن من خالف ذلك وفعل هذا المتروك فقد وقع في البدعة، كما تكاثرت الأدلة على بيان ذلك.
ولا أريد أن أُطيل في بيان هذه الأدلة فقد فصلتها في ردي على عبد الإله العرفج وهو كتاب (الحق الأبلج في الرد على عبد الإله العرفج) وقد قدمه لي العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- وهو موجود في الموقع الإسلام العتيق لمن أراده.
رابط الكتاب: https://bit.ly/3owvONh
ولكن أشير إلى بعض الأمور:
الأمر الأول: أجمع العلماء على أن الأصل في العبادات الحظر، كما ذكر هذا الإجماع السجزي في رسالته لأهل زبيد، والفاكهاني في رسالته في المولد، وذكر هذا شيخ الإسلام في أكثر من موضع كما في (مجموع الفتاوى)، وقال: أجمع العلماء على عدم الجواز.
فإذا ثبت أنه لا يجوز لأحد أن يتعبد إلا بدليل شرعي فإذن ما تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- تعبديًا لا يصح لأحد أن يُخالف ذلك فالأصل هو الحظر والمنع ولا يُنتقل عن هذا إلا بدليل.
الأمر الثاني: تكاثرت الأدلة في بيان أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، كما روى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، إلى غير ذلك من الأدلة.
الأمر الثالث: ثبت في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه- في قصة النفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أما أنا فلا أنكح النساء. فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- خبرهم أنكر عليهم وبيَّن أنه يقوم الليل وينام، وينكح النساء، ويصوم ويفطر ثم قال: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، تأمل كيف أنكر عليهم ردهم لأمر لم يتركه وكانوا يتعبدون بهذا الترك.
الأمر الرابع: ثبت عند الدارمي وابن وضاح أن ابن مسعود -رضي الله عنه- دخل المسجد فرأى أناسًا حلقًا ويسبحون الله ب الحصى ويقول أحدهم: كبروا الله مائة فيُكبرون الله مائة …إلخ، فأنكر عليهم عبد الله بن مسعود واعتمد على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته تركوا، قال: هذه آنية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم تكسر، وثيابه لم تبلَ، وأصحابه متوافرون، أأنتم سابقون إلى خير لم يسبقوا إليه أم أنكم مفتتحوا باب ضلالة؟ … إلى آخر الأثر.
فإذن في هذه الأدلة كلها ما يدل على أن ما تُرك على وجه التعبُّد لا يُقال لا يدل على الترك، وينبغي أن يُفرَّق بين هذين الأمرين، بين الترك على وجه التعبد وبين الترك على وجه الإباحة، ومن فقه هذا الأمر وعرفه عرف مراد الأصوليين لما قالوا: إن الترك لا يدل على الترك.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، إنه أرحم الراحمين.
فبهذا يُعلم أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة وأن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على الترك، وأن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته لقول: “جمعة مباركة” يدل على الترك، وأن من خالف ذلك وقع في البدعة، وكذلك أن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته لقولهم بعد الفريضة: “حرمًا” ويقول الآخر: “جمعًا” أو: “تقبل الله”، أو الدعاء الجماعي بعد الفرائض … كل هذا يدل على وجوب الترك وأن من خالف ذلك وقع في البدعة.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.