انتشرت في الآونة الأخيرة في كثير من الدُّور وحِلقِ الذِّكْر دورات تسمى دورات تدبر القرآن ، فما حكمها ؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
هل هناك فرق بين إطعام الكافر نهار رمضان وفتح المطاعم والمقاهي، وبين من كانت له عائلة كافرة، أو عُمَّال كُفَّار؟ لأن في فرنسا الكثير من المسلمين يبيعون الأكل والوجبات نهار رمضان.
يقال الجواب على هذا السؤال: الأظهر – والله أعلم- أنه يجوز للمسلم أن يبيع للكفار في نهار رمضان، كأن يفتح مطعمًا، فيبيعهم طعامًا أو المواد الغذائية في نهار رمضان وإن كانوا كُفَّارًا.
هذا الأظهر – والله أعلم- وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- ذكره في كتابه ” اقتضاء الصراط المستقيم”، وذكره كما في “مجموع الفتاوى”، وغيره ذكره البعلي في”اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية”، وذكر هذه المسألة وقرَّرها الإمام ابن القيم في كتابه “زاد المعاد”.
ومما استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية ما أخرج الشيخان من قصة عمر مع النبي ﷺ أنه لما أعطاه النبي ﷺ حُلَّةً من حرير، فاستنكر عمر أن يُعطَى هذه الحُلَّة، وقد نهى عن لبس الحرير، فقال النبي ﷺ : «إني لم أكْسُكْها لتلبسها»، يعني: ما أعطيتك لتلبسها، فكساها عمر أخًا له مشركًا بمكة، أهدى أخاه المشرِك هذه الحُلَّة التي من حرير.
فاستدل بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز أن يُمكَّن الكافر من فِعل المحرم.
ولما ناقش هذا الحافظ ابن حجر لم يأتِ بجواب مقنع إلا أنه قال: قد يكون فِعل عمر-رضي الله عنه- قبل أن تأتي الشريعة بمخاطبة الكفّار بفروع الشريعة.
وفي هذا الجواب نظر، وقبل أن أذكر الجواب على هذا أنبِّه على ما ذكره شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-، وقد ذكر-رحمه الله تعالى- هذا الدليل على جواز ما تقدم ذكره، ثم ذكر أن المحرمات نوعان:
محرَّم لذاته: كالخمر ولبس الصلبان إلى غير ذلك، فمثل هذا لا يُمكَّن الكفّار.
والأمر الثاني: المحرَّم لغيره لا لذاته، وذكر منه لبس الحرير، فقال: ليس كل الحرير محرَّمًا، بل الأصل جوازه، وأنه حرم الكثير منه على الرجال وغير ذلك.
ومثل ذلك يقال في الأطعمة، التي يأكلها الكفار في نهار رمضان، فإن مثل هذا ليس محرَّمًا لذاته، فلأجل هذا يصح أن يمكَّن الكفار من هذا، وأن يباعوا وأن يتعاون معهم في هذا الأمر، كما قرَّر شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى.
وقد اعترض على هذا الشافعية، واستدلوا بالقاعدة الأصولية، وهو أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، كما قرّر هذه القاعدة الشافعية وغيرهم، وخالفهم الحنفية، وذهبوا إلى أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة.
والأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، كما قال سبحانه: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47)﴾ [المدثر:42- 47].
﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47)﴾ ، فهؤلاء الكفَّار عاقبهم الله عز وجل على مخالفة شرعه، فدل هذا على أنهم مخاطَبون بفروع الشريعة، وإلا لَمَا ذَمَّهم الله عز وجل بمثل هذا، ولَمَا ذكر الوعيد على ترك أمور محرَّمة من الشريعة؛ لأن سبحانه قال: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ [المدثر:42]، ﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47)﴾ [المدثر:42- 47].
فعاقبهم في النار على ترك الصلاة، وعدم إطعام المساكين، وعلى الخوض مع الخائضين، فدل هذا على أنهم مخاطَبون في فروع الشريعة، وهذا صحيح.
لكن ينبغي أن يتنبَّه إلى أمر: إلى أنه لا تلازم بين القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبين تحريم بيع ما ليس محرَّم لذاته كالطعام وغيره لهم في نهار رمضان.
ولذلك أن أثر مسألة: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة هو عقاب في الآخرة لا في الدنيا، لذا ترى هذه الآية جاءت في العقاب في الآخرة لا التعامل في الدنيا، ويدل لذلك فعل عمر أنه أهدى أخاه الكافر هذه الحُلَّة من الحرير، والكافر إذا أُهدِي مثل هذا فلابد أنه يستعمله في كُلِّ ما يريد، سواء في اللباس أو غير ذلك.
فدل هذا على أن مسألة أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ أثرها في أحكام الآخرة ، ولا أثر لها في أحكام الدنيا بأن يُمنَع الكفَّار من فعل كذا أو فعل كذا.
وبهذا يظهر – والله أعلم- صواب قول شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم تلميذه ابن القيم من أن التعامل مع الكفار فيما ليس محرَّمًا لذاته ليس محرَّمًا بل جائز، وقد قرَّر هذا شيخنا العلَّامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله تعالى-.
لكن أنبِّه أنه في بلاد المسلمين لا يمكَّنون من الأكل جهارًا، وعند الناس في الطرقات وغير ذلك، بل يُمنَعون.
هذا شيء، وحكم أصل المسألة شيء أخر، فإن أصل المسألة الجواز، فلذلك إذا كان المسلم في بلاد الكفار فله أن يبيعهم في المطاعم، أن يبعهم الطعام وغير ذلك في نهار رمضان.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.