تحفة الذاكرين


تحفة الذاكرين

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .

إن من فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل هذه الأمة أكثر أهل الجنة . ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة” قلنا: نعم، قال: “أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة” قلنا: نعم، قال: “أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة” قلنا: نعم، قال: “والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة”

نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يدخلنا جنته.

إن من أسباب دخول الجنة الأعمال الصالحة ومن الأعمال الصالحة ذكر الله الذي أمر الله به في كتابه وأمر به نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته وذكر فضائل كثيرة لذكر الله سبحانه .

قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا } وقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} وقال { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” قول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم “

وإن أفضل الذكر وأعظمه كلام الله أي قراءة كتاب الله الذي هو كلامه المنزل غير مخلوق فقد ثبت في سنن سعيد بن منصور عن عبدالله بن مسعود قال:” تعلموا القرآن، فإن بكل حرف منه عشر حسنات، لا أقول: الم ولكن: ألف، ولام، وميم “

فإذا قرأنا صفحة أو صفحتين أو جزءا أو جزئين أو أكثر كم سنأخذ من الحسنات إذا تقبل ربنا سبحانه .

وثبت في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. لا يضرك بأيهن بدأت ” ، والمراد أي بعد كلام الله أي القرآن .

وثبت عن رسول الله كما في البخاري من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة “

وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر “

ومعنى سبحان الله وبحمده يختلف باختلاف معنى (الواو) فإن كانت للمصاحبة فمعناه أنزه الله متلبسا بحمده، وإذا كانت (الواو) للعطف فمعناه: أسبح الله وأتلبس بحمده .ذكر ذلك المناوي رحمه الله .

وثبت في مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا “

وثبت في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أيعجز أحدكم أن يكسب، كل يوم ألف حسنة؟” فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: “يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة “

وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان، يومه ذلك، حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر”

فيا إخوة الإسلام إن فضائل الذكر كثيرة فالله الله بمجاهدة النفس على ذكر الله وبمجاهدة النفس على التسبيح والتهليل والتحميد والاستغفار وقراءة كتاب الله سبحانه .

ولنتذكر أنها أعمال قليلة وأجورها كثيرة، وقد تفضل الله على أمة محمد أنهم أكثر أهل الجنة، أسأل الله أن يجعلنا برحمته من أهل الجنة إنه هو الرحمن الرحيم .

ومن فضل الله علينا أننا إذا فعلنا حسنة واحدة ضاعفها الله لنا إلى عشرة أضعاف، بل إلى سبعمائة ضعف ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل قال: قال: “إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة”

واعلموا أن الرجل لا يمكن أن يكون ذاكراً لله مقبلًا على طاعته إلا أن بمجاهدة نفسه على ذلك {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }

وداوم على أذكار الصباح والمساء ، واجعل لك وردا تجاهد نفسك كل يوم على أن تأتي به.

إنك إذا لم تفعل ذلك غلبتك نفسك الأمارة بالسوء وذهبت عليك الأيام بل الأسابيع بل الشهور بل السنون ولم تكن ذاكرا لله.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا جميعا من الذاكرين له وأن يسكننا جنانه وأن ينجينا من نيرانه إنه هو الرحمن الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

أما بعد:

فكما جعل الله اللسان وسيلة إلى عبادته وإلى زيادة الأجر بطاعته إلا أن اللسان أيضا من أعظم أسباب الوقوع في النار -عافاني الله وإياكم – .

ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق “

لذا كان سلفنا يخافون من آثام اللسان

خرج ابن عساكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه .

وخرج ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود أنه قال: ما شيء أحق بطول سجن من اللسان .

فاللسان إخوة الإيمان كما هو سبيل لطاعة الله فهو من أعظم سبل الزلل في النار، كمن سب الله أو دينه أو رسوله أو لعن عباد الله أو شتمهم أو اغتابهم وغير ذلك .

ثم اعلموا كما إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر أهل الجنة إلا أن كثيرا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون النيران، وقد يدخل المسلم النار بأمر يستهين بها ألم تدخل النار امرأة بأن حبست هرة حتى ماتت كما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر ومسلم من حديث أبي هريرة .

إخوة الإيمان لابد أن نسير إلى الله خائفين وراجين كما هو حال الأنبياء والصالحين {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أسأل الله الرحمن الرحيم أسأل الله ذا المن والفضل أسأل الله الجواد الكريم أن يجعلنا من الذاكرين اللهم اجعلنا من الذاكرين اللهم اجعلنا من الذاكرين

اللهم أدخلنا جنانك اللهم أدخلنا جنانك اللهم أدخلنا جنانك اللهم اجعلنا من الذاكرين

اللهم انجنا من نيرانك اللهم انجنا من نيرانك اللهم انجنا من نيرانك

اللهم اجعلنا ممن يلقاك وأنت راض عنا

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

د. عبد العزيز بن ريس الريس

Dr_alraies@


شارك المحتوى: