تعقيب على أخينا فضيلة الشيخ عثمان الخميس -حفظه الله وبارك فيه- في مسألة دفن القبر في المسجد
د. فيحان بن سرور الجرمان
تعقيب على أخينا فضيلة الشيخ عثمان الخميس -حفظه الله وبارك فيه- في مسألة دفن القبر في المسجد .
……..
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
عفى الله عن الشيخ عثمان الخميس في تفصيله لهذه المسألة، وقد أبعد النُّجْعَة، والذي دفعني للتعليق أمران:
الأمر الأول: أنه قد كُتب على المقطع (رد ممتاز من عثمان الخميس)، وقد انتشر المقطع، وهو ليس كذلك.
والأمر الثاني: أنه يخدش باب التوحيد.
وقد أرسلتُ للشيخ المقال قبل سنة وكلمتُه لكي يحذف المقطع من الموقع، وواعدني، ولكن لم يحذف المقطع، ولا زال ينتشر بين الأنام، فوجب التنبيه عليه:
https://youtu.be/UiO0Zd4lcQQ
سمعتُ المقطع الذي أرسله أحد الإخوة في القروب والتفصيل الذي ذكره الشيخ عثمان الخميس -حفظه الله وبارك الله فيه وفي علمه-، فقد ذكر قاعدة تدور حول إذا وجد المسلم قبراً في مسجد، ثم ذكر ثلاثة أحوال، وذكر الحالة الثالثة، فقال:
أن يكون المسجد قائماً وحده، وهناك بيت من ناحية من جهة الشرق، ثم ضرب مثلاً فقال: مثل هذا المسجد، وأشار إلى المسجد الذي يلقي فيه درساً، ودفن الميت في بيته، ثم صار توسعة للمسجد ودخل القبر في المسجد، فهنا ليس بالضرورة أن يهدم المسجد وليس بالضرورة أن يخرج الميت، لماذا؟ فنقول: لأن المسجد لم يبن على قبر، ولم يُدفن الميت في المسجد، وهذا مثل حال قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالنبي دفن في بيته، والمسجد قائم، فلا المسجد بني على قبر النبي، ولا دفن النبي في مسجده، بل المسجد قائم، والقبر قائم، ومنفصلان، ولكن لما وسع المسجد النبوي دخل القبر في السجد، ودخل البيت، ففي هذه الحالة يبقى القبر في المسجد، ومثله قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قلتُ:
هذه الحالة الثالثة التي ذكرها الشيخ عثمان -حفظه الله ووفقه لكل خير- غلط، وفيها نظر، والذي أعتقده أنه قد زل لسانه.
والصحيح أن المسجد إذا وسع، وتناول في توسعته بيتا، والبيت فيه قبر؛ فإن القبر يُنبش، ويُدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز أن يبقى القبر في المسجد، هذا إذا كان لا بد من توسعة المسجد.
ولا يقاس على مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا على فعل الوليد بن عبد الملك، وهو إدخال حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وهو غلط واجتهاد منه كما نص على ذلك بعض أهل العلم.
ملحوظة:
دفن الميت في بيته لا يجوز وهو حرام، وذلك لأمور خمسة:
الأمر الأول: نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً». أخرجه أبو داود.
وهو يتناول معنين:
المعنى الأول: لا تدفنوا فيها موتاكم، وهذا ظاهر اللفظ.
المعنى الثاني: لا تجعلوا البيوت مثل المقابر لا تصلون فيها؛ لأنه من المتقرر عند الصحابة أن المقابر لا يصلى فيها.
الأمر الثاني: خلاف سنة المسلمين، فإن المسلم إذا مات؛ فإنه يدفن مع المسلمين، وفي مقابر المسلمين.
الأمر الثالث: فيه ضرر على الورثة، فإن البيت إذا عرض للبيع، وفيه قبر لا يكاد أحد من الناس أن يتقدم لشراء البيت، هذا من وجه.
والوجه الثاني: إذا بيع البيت فلن يصل إلى المبلغ المطلوب بسبب تواجد الميت فيه أو القبر، وهذا ينقص من سعر البيت فيتضرر الورثة.
الأمر الرابع: وجود الميت أو القبر في البيت يؤدي إلى الوحشة والوجل والحزن على أهل البيت والأبناء.
الأمر الخامس: رفع الصوت والصراخ واللعب منافياً لآداب القبر أو الميت.
وأما ما يتعلق في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو خاص به لا يتعدى إلى غيره، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: حماية جناب التوحيد، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهمَّ لا تجعل قبري وَثَنًا يُعبدُ، اشتدَّ غضَبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ».
فاستجاب الله دعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فكان قبره في بيته، وبينه وبين الناس ثلاثة جدران، فلا يقربه أحد ولا يراه أحد، ولذلك قالت عائشة عند ذلك: «ولولا ذلك لأبرز قبرُه، ولكن كره أن يُتخذَ مسجداً».
الأمر الثاني: أنه خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه يُدفن في المكان الذي مات فيه.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لما قُبِضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر – رضي الله عنه- : سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، قال: ما قبض الله نبيًًا إلا في الموضع الذي يحبُّ أن يدفن فيه، ادفنوه في موضع فراشه». صححه الالباني في صحيح الترمذي.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو محمد/ فيحان بن سرور الجرمان.