تعليق مختصر على بيان الشيخ: عبدالله السعد
د. حسام بن عبدالله الحسين
تعليق مختصر على بيان الشيخ: عبدالله السعد
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته أما بعد:
فإن أهل السنة السلفيين بحمد الله ثابتون على مبادئهم المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما كان عليه السلف الصالح.
فينطقون بالحق مع من يحبون ويبغضون، والأحداث شهدت لهم بصدقهم وثباتهم.
أما الحركيون الحربائيون فلهم مع التلون والتناقض عشرة وصداقة، حتى إنك لتكاد تجزم أن غير المتلون لا يكاد يكون حركياً!!
قلت هذا بعد أن اطلعت على ما أفرزته أحداث مصر منذ تنحي مبارك إلى عزل مرسي وما نتج عن ذلك.
فرأيت كما رأى غيري عجائب وغرائب من الحركيين كنا نحتاج إلى جهود مكثفة لإبرازها وتنبيه المغرورين بتلك الفرقة الهالكة ورموزها وأذنابهم، فجاءت بلا تعب ولا عناء!
ولو ذهبت تستقصي مقالات أولئك لاستدعى ذلك منك وقتاً وجهداً، ولم يكن هذا مقصدي بهذه السطور.
وإنما الذي دعاني لها أني رأيت ما يسمى بياناً منسوباً للشيخ: عبدالله السعد وفقه الله لهداه حول أحداث مصر.
وقد صدّر مقاله بعدم جواز تأييد هذا الانقلاب لأمور، أولها: أن هذا الانقلاب جاء لضرب الإسلام!!
وأقول:
ورب السماء لو صدر هذا القول من سذج الحركيين المميعة لما تعجبت، وفعلاً قد ذكره جماعة منهم، لكن أن ينطق به من يقرر التوحيد في كلماته، وينهى عن الشرك في محاضراته، ويستميت في باب الحكم والحاكمية، وينبذ ويلعن الديمقراطية، فهذا والله من العجب العجاب.
ألا تعلم ياشيخ عبدالله أن الإخوان المسلمين لاينوون تطبيق الشريعة؟ ولا أقول لم يطبقوها.
ألا تعلم أن مرسي يقرر الديمقراطية الملعونة التي قلت في آخر بيانك عنها أنها مغايرة للإسلام؟
ألم تسمع كلامه القبيح حول تطبيق الحدود؟
ألم يطرق سمعك يوماً تقريره وربعه لحرية الاعتقاد؟
ألم يبلغك صحبك أنه فتح أبواب مصر للرافضة المجوس؟
ألم تسمع بما فعلوه مع سيناء، وسبقهم إليهم حماس أحبابهم في مسجد ابن تيمية؟
ألم يخبرك منصفون بيعه لقضية سوريا سوى هياط معهود من جماعته وحزبه؟
والشبكة العنكبوتية مليئة بالوثائق، وفي هذا الرابط إشارات
http://longtweetsplitter.com/tweet/124078
أجدني مضطراً أن أقول لك ياشيخ عبدالله:
لم أجد فرقاً جوهرياً ظاهراً في حكم مرسي ومن سبقه، بل الأول كان خيراً لأهل مصر في أمور!!
أما الشعارات فنعم، ولا أظنك ممن يغره بريقها.
ولذا صرح الشيخ عبدالعزيز الراجحي في بيانه الذي قبره الحركيون بقوله:
لا أجد كبير فرق بين انتخاب مرسي وشفيق!!
وصرح أحد أخص أصحابك بكفر نظام مرسي كما تعلم.
ثم لماذا يصر الحركيون على جعل القسمة ثنائية: إما مع الإخوان أو بني علمان!
تلك مصادرة للاختيار مكشوفة..
قد صح الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) متفق عليه.
ثم ذكرت ياشيخ عبدالله أن الانقلابات شر وفتنة في غالبها.
وأقول: صدقت، لكن العجب أن هذا الكلام لايظهر إلا في أحوال نادرة، بل ربما لم نسمعه من كثيرين إلا لما سقط البعبع الإخواني الموبوء.
فهل جماعتهم هي الإسلام وهم المسلمون وحدهم؟
قد كان السلفيون يقررون ويصرخون وينصحون من أول ظهور شرارة الربيع الديمقراطي الغربي محذرين ومنبهين، ولطالما رددوا النصوص الشرعية، وتلوا أقوال الأئمة النقية، ومنهم شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية حين قال:
(ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته).
وقال:
(وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا ثم يزول ملكهم!!)
فنشر السلفيون ذلك، فرماهم الحركيون ومن تعاطف معهم عن قوس واحدة، فأظهر الله الحق وبان عوار الحركيين، ولكن: لايعرف الفضل لأهله إلا ذووه.
فانظر إلى حال تونس وليبيا واليمن وسوريا، وهاهي مصر على دربها تسير، والله المستعان.
ثم قلت إنه حصل اعتداء على كل شخص يظن أنه ينتمي لصف الدعوة والخير!
وهذا كلام باطل، تكفي حكايته عن تكلف نقضه، والواقع خير شاهد.
ثم إن الذين أوقفوا قد بين جمع منهم قبل فساد حكومة مرسي، بل منهم من ألمح إلى تفضيل حكم مبارك، وحث آخرون على الرجوع للبيوت ما دام قد حصل ما حصل، فليته استمع لكلامهم من دافع عنهم.
أما حركة تمرد ومن معها فلا ريب في زيغها، ولكن الذي نفذ هذا فعلاً هم الشعوب، اللهم إلا أن غالط مغالط فقال: كل من خرج فهو من حركة تمرد، فليس لنا معه حديث، والجنون فنون.
فإن قلت: هم الذين وراءها، فنحن سنقول: إن دول الكفر هم الذين حركوا الشعب المصري للإطاحة بمبارك، فإن رفضت هذا فمن حقي أن أرفض ذاك، لأن البينات مفقودة، وهي فيما يخص مبارك أظهر وأبين.
ومن نافلة القول أن أعيد فأقول: وليس هذا تأييداً لهم وتجويزاً لصنيعهم.
أما الاعتداء وانتهاك الأعراض فهو معلوم وإن لم ينقل، وسيوجد في كل تجمع، فما حصل الآن حصل مثله في الخروج على مبارك، والإثباتات موجودة.
ومن هنا نعلم فقه كبار العلماء لما حرموا المظاهرات والاعتصامات، فليت الدعاة وطلبة العلم والعامة يعرفون قدرهم ويلزمون غرزهم.
وكون بعض من يتزعمهم معادٍ للإسلام فهذا يقال بعينه أيام مبارك، فاعدلوا، واعلموا دقة نظر علمائنا لما منعوا ذلك وحرموه، فسبحان من نور بصائرهم.
وأما دعوتك حزب النور للتراجع وأن عدد القتلى ازداد، وهم يظنونه سيقل، فهذا والله من أغرب مارأيته في هذه الأسطر!
أتظن أن حزب النور لو تراجع فسيقل القتلى؟ إن هذا لشيء عجاب.
قد كان ينتظر منك أن تحث المصريين المحتشدين في الشوارع أن يلزموا بيوتهم ويبتعدوا عن الفتن، ولكن إلى الله المشتكى.
ثم دعوت المسلمين للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق والتمسك بالتوحيد، وهذه نصيحة عظيمة وفق الله المسلمين للعمل بها.
ثم نصيحة أخرى لمعارضي الانقلاب بأن لايقللوا من شأن التوحيد أو يقروا الدعوات المخالفة له، ومنها الديمقراطية المغايرة للإسلام.
وهذه أول من يتوجه له الإخوان المسلمون الذين يرفعون شعار الإسلام هو الحل، ثم لانرى له في الواقع تطبيقًا!
ثم دعوت للمسارعة بإطلاق مرسي والشاطر وحازم أبو إسماعيل الذين أخذوا غدراً وظلماً وعدواناً.
وأقول: ما الذي أدراك أنهم أخذوا كذلك؟ فإن كان دافعك حسن الظن فينبغي التأني وترك الجزم، وإن كان لوثائق وبينات فهلا أظهرتها؟
وأنا موافق لك تماماً أنه لا تجوز أذية المسلم ولو بكلمة، لكن الجزم بالظلم ممن لا يعرف الحقيقة بحذافيرها ليس بجيد.
ولايعني ذاك أني مؤيد للقبض عليهم، لكن من لايملك بينة، ولايعرف حقيقة الأمر، فليس له الحق أن يحكم.
وقد كنت أنتظر منك توجيه نداء لجموع المحتشدين أن يتقوا الله ويحذروا الفتن والدماء، لا سيما وقد أشعل نار الفتنة أقوام من بني جلدتنا، لا يهمهم سقوط القتلى وتكدس الجرحى، حتى صرح حازم الذي تطالب بإخراجه بأنه لو فرض سقوط عشرة آلاف، فكان ماذا؟
هل يقول هذا النتن من شم رائحة العلم، وعرف قدر دم المسلم في الشرع؟
ألا تعلم ياشيخ عبدالله أن الشعارات الأساسية المرفوعة في الثورات، ومنها هذا الاحتشاد المعارض للانقلاب: الحرية والعدالة؟ وهي باختصار: الديمقراطية!
وقولك أن أعداء الإسلام فرحوا بالانقلاب ليس على إطلاقه، فمنهم من فرح، ومنهم من عارض وغضب من دول الغرب وإيران وغيرهم.
تماماً كما حصل مع مبارك.
وإنه والله الذي لا إله غيره لم يكن السلفيون إلا ضد الخروج على مرسي، تماماً كغيره من حكام المسلمين، أما وقد حصل عزله وتمكين غيره فلم الإصرار؟
ومعاذ الله أن نقف مع العلمانيين، كما لم نقف مع الإخوانيين، لكن من تولى الأمر من المسلمين فلا بد من اعتقاد بيعته، كما هو مذهب أهل السنة، فإن خرج عليه الخارجون وتغلب على البلد من تغلب، فالحكم ينتقل لمن غلب بإجماع أهل السنة، وإن كان طريق وصوله ليس شرعياً، لكن حقناً للدماء، وتسكيناً للدهماء.
ومثله يقال في بيعة من وصل بالطرق المحرمة كالانتخابات وصناديق الاختيار، فإن منعتم تلك فلغيركم أن يمنع هذه.
ولعلك تعلم أن بعض كذبة الحركيين أشاعوا أن الرئيس المؤقت نصراني، ليحركوا الشعوب بالكذب والافتراء، والشيء من معدنه لايستغرب.
وتعلم أيضاً أنهم جعلوا كل من لم يوافقهم فهو مع العلمانيين والليبرالين، وهذه لغة قبيحة في تزكية النفس، وليتها كانت ممن ينصرون التوحيد وينشرون السنة لهان الأمر، ولكن من قوم عرفوا على مدار تاريخهم الأسود بأن دعوتهم وولاءهم وبراءهم وفق مايمليه حزبهم الضال.
وإني لأدعو نفسي وإخواني وأدعوك ياشيخ عبدالله دعاء صدق أن ننأى بأنفسنا عن الدخول في مثل هذه الفتن، التي مآلها فساد عريض، لو لم يكن منه إلا قتل مسلم واحد لكفى، فهو والله أسلم لنا ولك، وإن ادعى بعض من حولك أنه لا بد من بيانك، فإرضاء الناس رضاهم غاية لا تدرك، والسلامة لايعدلها شيء.
قال أبو عمران الجوني:
قلت لجندب بن عبدالله:
إني بايعت ابن الزبير على أن أقاتل أهل الشام،
قال: فلعلك تريد أن تقول: أفتاني جندب، وأفتاني جندب؟!
قال: قلت: ما أريد ذاك إلا لنفسي.
قال: افتد بمالك.
قلت: إنه لا يقبل مني.
قال جندب: إني قد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلاما حزوَّرا ـ وهو من قارب البلوغ ـ
وإن فلانًا أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
[يجيء المقتول يوم القيامة متعلقًا بالقاتل، فيقول:
يا رب سله فيم قتلني؟
فيقول: في ملك فلان!!]
فاتق، لا تكون ذلك الرجل ..
أخرجه الإمام أحمد في المسند.
وفي كتاب الفتن لنعيم بن حماد، عن عبدالله بن هبيرة:
[من أدرك الفتنة فليكسر رجله، فإن انجبرت فليكسر الأخرى!]..
وفي المسند وغيره مرفوعًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
[إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفّت أماناتهم،
وكانوا هكذا ـ وشبك بين أصابعه ـ]
قال الراوي: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟
قال:[الزم بيتك، و املك عليك لسانك، و خذ ما تعرف، و دع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة]..
أسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمة التوحيد والسنة، ويولي على إخواننا خيارهم ويكفيهم شر شرارهم، ويحقن دماءهم، ويجمع على الحق كلمتهم، وأن يوفقنا والشيخ عبدالله والمسلمين لما يحب ويرضى، ويعيذنا من الفتن ماظهر منها وما بطن ..
[إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب]..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
كتبه:
حسام بن عبدالله الحسين
عصر الاثنين
الموافق ١٤٣٤/٨/٢٩