تقوية الأخ الثابت بالإجماع المشهور في حرمة المعازف
عبدالقادر بن محمد الجنيد
تقوية الأخ الثابت بالإجماع المشهور في حرمة المعازف
[SIZE=”6″]الحمد لله العلي العظيم، الجليل الكريم، العزيز القدير، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الناصح الأمين، وعلى آله وأصحابه المهتدين، ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.
وبعد، أيها المسلمون:
فإن مما لا ريب فيه أننا نعيش في زمان قد تكاثرت فيه الفتن، وزادت الشرور، وتعددت المنكرات، يقذف بها دعاة البدع والضلالة، ودعاة الفساد والرذيلة، وإن من هذه الفتن والشرور والمنكرات الفظيعة الشنيعة القول:
[ بأن سماع الآلات الموسيقية مباح، أو أن العلماء قد اختلفوا في حكمها، فمنهم من قال: إن سماعها مباح، ومنهم من قال: إن سماعها حرام، أو أنه لا دليل ثابت على حرمتها ].
وهذا الكلام قد طرحه على مسامع الناس وأمام أعينهم بعض من تصدر للتوجيه والإرشاد في بعض “القنوات الفضائية” أو “الصحف والمجلات” أو “المواقع الإلكترونية” أو بعض الكتاب والمؤلفين
ولو راقب هؤلاء القوم ربهم ـ جل وعلا ـ حق المراقبة، وتذكروا يوم حشرهم وعرضهم عليه، وأداموا النظر والتفكر فيه، لعلموا أنهم قد جمعوا على أنفسهم بهذا الكلام شروراً جمة، وقادوها إلى بلايا كبيره، وأوردوها مهالك عدة، ومن جملتها ما يأتي:
أولاً: أنهم قد أوقعوها في تحليل ما حرم الله تعالى.
حيث أباحوا للناس سماع آلات الموسيقى، وسماعها محرم بنص السنة النبوية، وإجماع أهل العلم بالشريعة.
ودونكم بعض ما جاء في السنة النبوية من أدلة:
الدليل الأول:
ما أخرجه البخاري في “صحيحه”(5268) عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(( ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف )).
والمعازف هي: آلات اللهو التي يعزف بها كالعود والمزمار والطبل والطنبور والشبابة والصنوج وغيرها.
بل قال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في كتابه “إغاثة اللهفان”(1/291):
المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك.اهـ
وقد دل هذا الحديث على حرمة سماع الآلات الموسيقية، وحرمة العزف عليها، وأخذ هذا التحريم من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
من قوله صلى الله عليه وسلم: (( يستحلون )) لأن الاستحلال لا يكون إلا لشيء قد حرم.
الوجه الثاني:
أنه صلى الله عليه وسلم قد قرن استحلالها باستحلال الخمر والفروج المحرمة والحرير، وهذه أمور مشتهر تحريمها في الشريعة.
الوجه الثالث:
أن هذا الحديث قد جاء في سياق الذم والقدح لمن وقع منه هذا الاستحلال.
وهذا الحديث قد صححه جمع كثير من أهل العلم، من مختلف العصور والبلدان، ومنهم:
البخاري والإسماعيلي والبرقاني وابن حبان وابن الصلاح وابن جماعة وابن بدران الدشتي الحنفي وابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن كثير وابن الملقن وزين الدين العراقي وابن رجب الحنبلي وبدر الدين العيني وابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيتمي والسخاوي وابن الوزير ومحمد الأمير الصنعاني وأحمد شاكر ومحمد الأمين الشنقيطي والألباني وابن باز والعثيمين والوادعي ومحمد علي آدم.
الدليل الثاني:
ما أخرجه أحمد (1/278و289و350) وأبو داود (3696) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إن الله حرم عليكم الخمر، والميسر، والكوبة )).
وقد صححه جمع من أهل العلم، ومنهم:
ابن حبان وابن الملقن وابن حجر الهيتمي وأحمد شاكر والألباني.
والكوبة هي: الطبل.
ذكر ذلك ابن الأعرابي وابن دريد والجوهري وابن فارس وابن سيده من أهل اللغة.
وكذلك فسره راوي الحديث علي بن جذيمة، وغير واحد من الأئمة.
ووجه الاستلال من الحديث:
أن فيه تحريم أحد آلات المعازف، وهو من أقلها طرباً، فكيف بما هو أشد؟.
الدليل الثالث:
ما أخرجه النسائي (3385) والحاكم (2/184و1183) والطبراني في “المعجم الكبير”(17/247) واللفظ له، والبيهقي (7/289) عن عامر بن سعد البجلي أنه قال:
(( دخلت على أبي مسعود وقرظة بن كعب وثابت بن زيد، وجواري يضربن بدف لهن ويغنين، فقلت: تقرون بذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: إنه قد رخص لنا في العرس، والبكاء على الميت في غير نوح )).
وقال الحاكم عقبه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.اهـ
ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، وحسنه محمد علي آدم الأتيوبي.
وذكره الدارقطني في “الإلزامات”.
ووجه الاستدلال منه:
أن الرخصة في الضرب بالدف بالعرس للنساء، تدل على النهي عنه في غير العرس لعموم الأشخاص.
والدف من أقل آلات المعازف طرباً، فكيف بما هو أشد؟.
وأما الإجماع وعدم الخلاف بين أهل العلم في حرمة سماع الآلات الموسيقية، فقد نقله جمع كثير من أهل العلم من مختلف العصور والمذاهب، ومنهم هؤلاء:
1- الإمام محمد بن الحسين الآجري شيخ الحرم الشريف في زمانه ـ رحمه الله ـ المولود سنة (280هـ وقيل:264) كما في “نزهة الأسماع في مسألة السماع”(ص25) لابن رجب الحنبلي.
2- شيخ الشافعية القاضي أبو الطيب الطبري ـ رحمه الله ـ المولود سنة (348هـ) كما في “نزهة الأسماع في مسألة السماع”(ص62-64) لابن رجب.
3- الشيخ أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الشافعي المقرئ المحدث ـ رحمه الله ـ المولود سنة (360هـ ونيف) كما في “كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع”(ص124) و”الزواجر عن اقتراف الكبائر”(2/347) لابن حجر الهيتمي.
4- الإمام الحسين بن مسعود البغوي الشافعي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (436هـ) كما في كتابه”شرح السنة”(12/383).
5- الشيخ جمال الإسلام ابن البزري الشافعي عالم أهل الجزيرة ـ رحمه الله ـ المولود سنة (471هـ) كما في “كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع”(ص114) و”الزواجر عن اقتراف الكبائر”(2/ 342) لابن حجر الهيتمي.
6- الشيخ القاضي ابن أبي عصرون عبد الله بن محمد التميمي عالم أهل الشام ـ رحمه الله ـ المولود سنة (492هـ) كما في “كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع”(ص115) لابن حجر الهيتمي.
7- الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي الأندلسي المالكي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (520هـ) في كتابه ” تحريم الغناء والسماع”(ص223 فقرة:87).
8- الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (541هـ) كما في كتابه “المغني”(12/457) وكتاب “النهي عن الرقص والسماع”(2/558) لابن بدران الدشتي الحنفي.
9- الحافظ أبو عمرو بن الصلاح الشافعي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (557هـ) كما في كتاب “فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه”(2/500 مسألة رقم:487).
10- الفقيه المحدث أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المالكي المولود سنة (578هـ) كما في كتابه “كشف القناع عن حكم الوجد والسماع”(ص72) وكتابه “المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم”(3/403) وكتاب “الزواجر عن اقتراف الكبائر”(2/337و348) لابن حجر الهيتمي، و”الرهص والوقص لمستحل الرقص” لإبراهيم الحلبي الحنفي”(ص72).
11- الشيخ محمود بن أبي القاسم إسفدنار بن بدران الدشتي الكردي الحنفي ـ رحمه الله ـ المولد سنة (604 أو 605 أو قريب منهما) في كتابه “النهي عن الرقص والسماع”(2/511و546و550و676و729و744و367).
12- الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ـ رحمه الله ـ المولود سنة (631هـ) كما في “مجموع الفتاوى”(28/118و11/576-577و597و603).
13- الشيخ شهاب الدين الأذرعي الشافعي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (708هـ) كما في كتاب “كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع”(ص120) لابن حجر الهيتمي.
14- الشيخ الفقيه أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي ـ رحمه الله ـ المتوفى سنة (772) في شرحه على “مختصر الخرقي”(6/351).
15- الحافظ زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب المشهور بابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (736هـ) كما في كتابه “فتح الباري”(6/83 عند حديث رقم:952) وكتابه “نزهة السماع في مسألة السماع”(60و25).
16- الشيخ محمد البزازي الكردي الحنفي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (827هـ) كما في”البحر الرائق شرح كنز الدقائق”(7/89) لابن نجيم، و”الرهص والوقص لمستحل الرقص” لإبراهيم الحلبي الحنفي”(ص72و85).
17- الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي الهيتمي الشافعي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (909هـ) كما في كتابه “كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع”(ص124) وكتابه “الزواجر عن اقتراف الكبائر”(2/347و348).
18- الشيخ إبراهيم بن محمد الحنفي المشهور بالحلبي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الرهص والوقص لمستحل الرقص”(ص75و92و85-86).
19- الشيخ أبو الليث السمرقندي ـ رحمه الله ـ كما في كتاب “النهي عن الرقص والسماع” لابن بدران الدشتي الحنفي”(2/548) والمولود سنة (604أو605أو قريب منها).
20- الشيخ أبو المحاسن الحراني الحنبلي ـ رحمه الله ـ كما في كتاب “النهي عن الرقص والسماع” لابن بدران الدشتي الحنفي”(2/549) والمولود سنة (604أو605أو قريب منها).
21- العلامة عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي ـ رحمه الله ـ المولود سنة (1312هـ) في كتابه “حاشية الروض المربع”(7/357).
23- العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ المولود سنة (1330هـ) كما في “مجموع فتاويه”(3/393).
24- العلامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ المولود سنة (1914م) في كتابه “تحريم آلات الطرب”(ص105) وكتابه”سلسلة الأحاديث الصحيحة”(5/330).
ثانياً: أنهم قد كذبوا على الناس، حيث زعموا: أن سماع الموسيقى مختلف بين أهل العلم في تحريمه.
وقد تقدم النقل عن أربعة وعشرين عالماً من مختلف المذاهب والعصور على أنه لا خلاف بين العلماء في حرمة سماع الموسيقى.
بل ونقل إجماعهم جمع كثير من أهل العلم دون تعقب أو اعتراض.
وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري”(6/83 عند حديث رقم:952):
وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرم مجمع على تحريمه، ولا يعلم عن أحد منهم الرخصة في شيء من ذلك، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى.اهـ
وقال الشيخ ابن حجر المكي الهيتمي الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه” كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع”(ص124):
الأوتار والمعازف كالطنبور والعود والصنج ـ أي ذي الأوتار ـ والرباب والجنك والكمنجة والسنطير والدريج، وغير ذلك… هذه كلها محرمة بلا خلاف، ومن حكى فيها خلافاً فقد غلظ، أو غلب عليه هواه، حتى أصمه وأعماه، ومنعه هداه، وزل به عن سنن تقواه، وممن حكى الإجماع على تحريم ذلك كله الإمام أبو العباس القرطبي، وهو الثقة العدل.اهـ
ولا شك أن الكذب من أعظم الذنوب وأشنعها وأجرمها عند الله تعالى، وعند المؤمنين، ويزداد في الجرم، ويعظم ويكبر ويشتد إذا كان في مسائل الدين.
ثالثاً: أنهم قد تسببوا في ازدياد فعل ونشر هذا المحرم في صفوف المسلمين.
وقد جاء في شأن من يدعون الناس إلى الضلال والحرام والمعاصي والمنكرات تهديد شديد، ووعيد غليظ، ترجف له الأفئدة، وتقشعر من الجلود، فأخرج الإمام مسلم في “صحيحه”(2674) عن أبى هريرة أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً )).
قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في “جوامع الأخبار”( حديث رقم:10):
هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث فيه: التحذير من الدعاء إلى الضلالة والغي، وعظم جرم الداعي وعقوبته.اهـ
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه في سورة النحل:
{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ }.
رابعاً: أنهم قد يصدوا بهذا الكلام على مر الأيام الكثير من العازفين على هذه الآلات والسامعين لها عن التوبة والإقلاع عن هذه المعصية، وهذا المنكر.
والله تعالى قد أوجب على عباده المؤمنين الإقلاع عن الذنوب والمعاصي جميعها فقال سبحانه في سورة التحريم:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
هذا وأسأل الله تعالى أن يكف شر هذه الفتاوى والكتابات عن عباده المسلمين، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وأن يباعد بينهم وبين الدعاة إليها، وأن يرزق الجميع التوبة النصوح، إنه سميع الدعاء.
وكتبه أخوكم:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.