توافق البيانات الموجهة لخادم الحرمين صدفة عفوية أم خدعة سياسية
حمد بن عبدالعزيز العتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
(توافق البيانات الموجهة لخادم الحرمين صدفة عفوية أم خدعة سياسية)
إلى كل مهتم بشأن المسلمين عموماً وشأن بلاد التوحيد والسنة خصوصاً،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأولاً وقبل كل شيء، أحمد الله الذي لا إله غيره، الذي نصر عباده الموحدين، وأعز جنده السنيين، وهزم أحزاب المجرمين، ورد كيدهم في نحورهم، بحوله وقوته، وبفضله ورحمته.
ثم التهنئة لهذا البلد المبارك حكومة وشعباً، بل التهنئة لكل أهل التوحيد والسنة الذين يهتمون لهذا البلد الذي هو بلدهم ولولم يحملوا جنسيته، ويحبونه ولو لم يروه، ويدافعون عنه ولو لم يأكلوا من خيراته، حملهم على ذلك الحب في الله لبلد التوحيد والسنة وأهلها، أهنئهم جميعاً وأهنئ نفسي بما منّ الله به من دحر الفرقة الغوغائية وأذنابها دحراً مخزياً بفضل الله ثم بأهل التوحيد والسنة في وقوفهم وولائهم لحكامهم وتعاضدهم سوياً.
فلله الحمد أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.
سؤال مشروع.
ها هنا سؤال يطرح نفسه، لماذا اختار أصحاب البيانات الكثيرة الموجهة إلى خادم الحرمين بزعم الإصلاح، وعلى رأسهم:
1-بيان الدكتور سلمان العودة وفرقته التنويرية.
2-بيان أتباع الدكتور ناصر العمر وفرقته الصحوية.
3-بيان تركي الحمد وفرقته التحررية.
لماذا اختار هؤلاء جميعاً ذلك التوقيت الحرج، وأعني به وقت ظهور الثورات العربية وسقوط الزعامات القوية، ووقت النداء إلى ثورة حنين السعودية؟!
سؤال من حقنا أن نسأله ونبحث عن إجابته،
لأن خروج هذه البيانات الثلاثة في وقت واحد مع اختلاف توجهاتها وتباين مشروعاتها، واتفاقها في عدم الدعوة للتظاهر، يثير الدهشة؟!
فأولاً: لماذا اختاروا ذلك التوقيت؟!
ثانياً: لماذا لم يدعوا إلى المظاهرات في بياناتهم، كما فعل الخائب سعد الفقيه؟!
وثالثاً: لماذا تسابقوا في وقت واحد على هذه البيانات؟!
هل حدث ذلك صدفة؟!
أما كان بتواص بينهم؟!
أم ماذا؟!
أسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابة.
ولن أقفز إلى عقولكم لأجيب عنكم.
بل سأطرح عليكم بعض الظروف والتي أحاطت بتلك البيانات.
مما قد يعين على الوصول للحقيقة!!
ولعلنا أن نخرج بعدها بإجابة متقاربة أو متوافقة.
السؤال الأول: لماذا اختار أصحاب البيانات هذا التوقيت بالذات.
هل رأوا ضعف وهشاشة الحكومات التي سقطت، فظنوا أن الضعف سرى لهذه البلد -العزيزة- فأرادوا أن يستغلوا ذلك بالضغط عليها، لتحقيق مآرب لم يستطيعوا البوح بها وقت قوة الدول ومنعتها؟!
أم أنهم رأوا قطار سقوط الزعامات العربية قد انطلق من تونس، ثم مر بمصر، فتوقعوا مروره بالسعودية؟!
فأرادوا أن يركبوا موجة الثورة قبل انفلاتها من أيديهم، كما حصل في مصر وتونس.
فإن الثورة هناك خرجت دون قائد لها من الحركات الإسلامية أو غيرها، ولما خرجت لم يستطع أحد من تلك الحركات أن يجيرها لحسابه، بل اكتفوا بمحاولة اللحاق بها والاستفادة منها كلٌ بحسب مشروعه الخاص.
فهل كانت هذه الخطابات البائسة وتوقيتها محاولة للقفز على سنام الثورة المنتظرة، والوصل عن طريقها إلى حلم الحكم الذي طال انتظاره؟!.
ليقول أصحاب البيانات لشباب الثورة إذا غلبت وانتصرت بلا حياء ولا خجل: (ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من) الظالمين؟!
ثانياً: لماذا لم يدعوا إلى المظاهرات في بياناتهم، كما فعل الخائب سعد الفقيه؟!
هل كانوا مخالفين للمظاهرات في السعودية؟! لذلك لم يدعوا إليها!!
اسمحوا لي أن أقول: أني أشك في عدم تأييدهم للمظاهرات خصوصاً الدكتور سلمان العودة، ومما يزيدني شكاً مواقفه في هذه الفتن التي تدل على تأييده لهذه المظاهرات ، ومنها:
1-تأييده المطلق للثورات التي قامت في البلاد الأخرى، حتى جعل ثورة تونس نموذجاً يحتذى.
2-وصفه للأنظمة الحاكمة بأنها: (حكومات تعيش حالة الشيخوخة والهرم أو التقليدية في أشخاصها وبرامجها) ولم يستثن حكومة من الحكومات لا السعودية، ولا غيرها.
3-لم يصدر منه قط أي نهي عن المظاهرات في السعودية، مع أن العودة معروف عنه أنه يحشر نفسه، ويحاول أن يسجل موقفه في كل حادثة، حتى غير الشرعية كفضيحة (ويكليكس) المشهورة، وذلك حتى يظهر للناس أنه فقيه الشرع والواقع المزعوم، فأين كلامه في النهي عن المظاهرات في السعودية؟!
إذن: هل كانوا غير واثقين من انتصار الثورة؟!
فسكت بعضهم ونهى البعض الآخر كما فعل الدكتور العمر؟!
أم خافوا أن يُزج بهم في السجون كما فُعل بهم من قبل، إن استحكمت قبضة الدولة السعودية على الأوضاع؟!
أو لعلهم أرادوا أن يكون لهم بذلك خط رجعة يفيئون إليه إذا استقرت الأمور لولاة الأمر في المملكة، وخابت الثورة البائسة؟!
ليقولوا لولاتنا -إذا غلبوا الثائرين- دون حياء ولا خجل: (ألم نكن معكم)؟!
فإن كانوا قصدوا ذلك فقد شابهوا المنافقين الذين قال الله عنهم: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة).
قال ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية: (يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملتهم (فإن كان لكم فتح من الله) أي: نصر وتأييد وظفر وغنيمة (قالوا ألم نكن معكم) أي: يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة (وإن كان للكافرين نصيب) أي: نصر على المؤمنين في بعض الأحيان.. (قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين) أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالاً وتخذيلاً حتى انتصرتم عليهم.ا.هـ
ثالثاً: لماذا تسابقوا في وقت واحد على هذه البيانات؟!
هذا التسابق المحموم في وقت واحد لا شك أنه يثير شيئاً من الغرابة والدهشة!
فهل حصل ذلك موافقة من غير قصد؟!
أم كان بتواص وتخطيط منظم؟!
لا أكتمكم سراً أني في حيرة من أمري.
فمرة أقول: هل فكروا مثلاً: في أن الخروج بهذه البيانات في وقت واحد يشتت تركيز الحكومة ويفرقه على كثيرين، بدلاً أن يكون منصباً على واحد منهم فقط، على حد قول القائل: (ليتفرق دمه بين القبائل)، فتواصوا على الخروج في وقت واحد من باب تقاطع المصالح، ولو اختلفت، وقد يرجح هذا الاحتمال التشابه الكبير بين مطالبهم، مع بعض الاختلاف الذي يميز كل فرقة عن الأخرى، كما أن خطاب أتباع الدكتور ناصر العمر في آخر خطابهم قد أثنوا على خطاب الدكتور العودة وأيدوه.
ومرة أقول: لعل أحدهم بادر بخطابه دون رجوع إلى غيره من الفرق الأخرى، ليظفر بالقسم الأكبر من (الكعكة) المنتظرة بعد الثورة البائسة.
وعند ذلك خشيت الفرق الأخرى أن تترك له الساحة ليجير الجميع لحسابه، فسارعت للحاق به قبل أن يلتهم الكعكة وحده، وقد يؤيد هذا الفرض العداوة الشديدة بين تيار تركي الحمد، وتيار أتباع الدكتور ناصر العمر.
لا أجد لي بُداً بعد ذلك إلا أن أترك الإجابة لكم، وقديماً قيل:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً … ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقال الآخر:
والليالي كما علمت حبالى … مقربات يلدن كل عجيب
وأخيراً:
الحمد لله الذي خيب مساعي الغوغائيين، وهتك بقوته أستار المندسين والمختفين، وأنجز وعده لعباده المؤمنين كما قال سبحانه وتعالى: (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون، وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
كتبه:
مدير مكتب الدعوة بحي العزيزية بالرياض
حمد بن عبدالعزيز العتيق
8 – 4 – 1432 هــ