جاءني رجل عند إقامة صلاة العشاء، وقال: أريد الجمع والقصر، قلت له: صلِّ معنا المغرب، ثم صلِّ العشاء ركعتين قصرًا، وكانت الإجابة على عجل، وقلبي لم يطمئن لهذه الإجابة، فما الصواب؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
جاءني رجل عند إقامة صلاة العشاء، وقال: أريد الجمع والقصر، قلت له: صلِّ معنا المغرب، ثم صلِّ العشاء ركعتين قصرًا، وكانت الإجابة على عجل، وقلبي لم يطمئن لهذه الإجابة، فما الصواب؟
يُقال: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أنبه على أمرين:
الأمر الأول: أحذِّر نفسي وإياكم من القول على الله بغير علم، فإن المتكلم في الدين موقِّعًا عن الله رب العالمين، وإذا تكلم فحقيقة حاله أن يقول: هذا الدين الذي يريده الله، ويجب أن نكون حذرين، وألَّا نتكلم في دين الله إلا بعلم، وإذا لم نعلم، نقول: لا أدري، لا أعلم، حتى لا نتحمل آثام الآخرين.
فإن السائل يريد أن يخرج من المأزق الذي هو فيه.
فحقيقة الحال أنه ألقى الإثم من عنقه إلى عنق السائل الذي يتكلم بغير علم، والقول على الله خطير، وجرمه عظيم، حتى إن الله سبحانه لما ذكر المحرمات، اختتمها بأعظمها، وهو القول على الله بغير علم، وجعله بعد الشرك، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف:33]، فجعله أعظم من الشرك بالله – عافاني الله وإياكم-
الأمر الثاني: ينبغي للمسلمين أن يكونوا حذرين، وألَّا يأخذوا العلم من أي أحد، إلا من علموه موثوقًا في دينه وعلمه، كما أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين، أنه قال: ((إن هذا العلم دين، فانظروا عن من تأخذون دينكم)).
وبعد هذا يقال: إن ما ذكره أخونا السائل، وما أرشد إليه مَن سأله هو صحيح، وأن مثل هذا له أن يصلي خلف الإمام الذي يصلي العشاء، له أن يصلي صلاة المغرب، ولا شيء يمنع ذلك، لاسيما واتفاق النيات ليس شرطًا، ولا واجبًا، بل يصح أن يصلي المتنفل خلف المفترض، والمفترض خلف المتنفل.
وأيضًا من صلى مفترضًا صلاة كصلاة المغرب خلف من صلى مفترضًا صلاة العشاء، وهناك أكثر من دليل.
ومن الأدلة على ذلك: فعل معاذ -رضي الله عنه- كما في الصحيحين، فإنه كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العشاء، ثم يرجع، ويصلي بقومه، فصحت الصلاة بقومه مع أن نيته مختلفة -رضي الله عنه وأرضاه-.
فالمقصود: أنه يصلي المغرب ثلاث ركعات خلف الإمام الذي يصلي العشاء، ثم إذا قام الإمام ليأتي بالرابعة، فالمصلي خلفه مخيَّر بين أن ينتظره حتى يرجع الإمام ويسلم معه؛ يعني أن ينتظره جالسًا ويدعو إلى أن يتم الإمام الركعة الرابعة ويجلس، ثم يسلم المأموم مع الإمام.
أو أن يتشهد ويسلم، ولا ينتظر الإمام.
وله أيضًا إذا سلم أن يقوم وأن يتابع الإمام، إذا كان الإمام لا يزال في الركعة الرابعة ولم تنتهِ، فله أن يتابعه، ولو تابعه فإنه يجب عليه أن يصلي أربعًا؛ لأنه أدرك ركعة كاملة مع الإمام، والإمام مقيم وهو مسافر.
لكن لو صلى مع الإمام، والإمام قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة الرابعة؛ يعني لم يدرك ركعة، فعلى أصح قولي أهل العلم، كما هو قول مالك وأحمد في رواية، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: أن المسافر في مثل هذا يصلي صلاة مسافر؛ لأنه لم يدرك شيئًا من صلاة الجماعة مع الإمام الذي يصلي صلاة الجماعة مقيمًا، وذلك أن الجماعة تُدرك بركعة