حركة الخدمة الاجتماعية و وصاحب الإكليل
عبدالله بن محمد الشبانات
حركة الخدمة الاجتماعية
و
وصاحب الإكليل
لقد قام المجتمع الإسلامي منذ بزوغ فجره على التكافل متمثلاً في عدة وجوه نسلط الضوء هنا على وجه واحد وهو الوقف الإسلامي فقد تظافرت الأدلّة من الكتاب والسنّة على الحث على الوقف بجميع أنواعه قال صلى الله عليه وسلم:( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم،
فالمجتمع الإسلامي يتكون من حيث وجود الوقف واستمراريته إلى ثلاثة جهات .
١-جهة الوقف.
٢- الجهة الموقفة وهم في عمومهم من الموسرين .
٣- والجهة المشرفة والموجّهة للوقف وهي الجهه القضائيه (السلطه )
وامتد العمل على هذا الأمر ألف وأربعمائة سنة حقق فيها قفزات عظيمة للأمة الإسلامية فكان الوقف يساهم في التنمية الاجتماعية مساهمة عالية جداً من بناء للمساجد و إيجاد عمل للعاطلين بتعليمهم الصنائع والمهن وتدريس للشباب ونشر للعلم والتوعية وبناءٍ للمدارس والجامعات وبناء للمستشفيات وعلاج للمرضى وبناء للجسور ومد لترع المياه
درجة أنّه كان هناك وقف للقطط وأيضاً لكلاب المسعى في مكه التي كانت تحرس البضائع (البسطات) وقت الصلاة فكان للوقف شأن في كل مجالات الحياة
تنمية واستقراراً واستفادت منه الشعوب زرافات ووحداناً،
فإذا كبر المستفيد من الوقف وصار منتجاً رجع بالتغذية على المؤسسة الوقفية لأنّ ثقافة المجتمع تدعم الوقف وتنميه وبهذا يسهم الوقف في نماء المجتمع وتطوره وتماسكه فبناءً على هذه الركائز لاتكون المؤسسة الوقفيه محتاجة لأيّ جهة أخرى لتغذيها أو حمايتها فالتغذية من المجتمع والحماية من السلطة ممايؤدي إلى خلو وسلامة أعمال الخدمه الاجتماعية من أيّ توجه فكري يستخدمها كستارٍ لتغطية ممارساته للوصول إلى أهدافه التي تضر بالمجتمع (الوطن) وعقيدته.
لأنّ الخدمة الاجتماعية إذا سيطرت عليها التوجهات الفكرية التي تخالف أصول المجتمع ونازعت السلطة في ذلك أو حاولت إضعافها سواء نزاع ناعم كما يحدث في أكثر الأحيان أو نزاع خشن غير مستتر ، مما يؤدي إلى مايسمى بالكيان الموازي الذي هو من أخطر كيانات المعارضة علميّاً وعملياً لأن المعارضه ظاهرة اجتماعية تتمثل في عدة كيانات ناعمة وغير ناعمة فالكيان الموازي يهدد وحدة الوطن ويضره ويفكك كلمته و يأخذ مكان السلطة (الولاية العامة) في الإشراف على المؤسسة الوقفية ويُحمّلها أجندته الفكرية وهنا بيت القصيد ومربط الفرس ،
فيكون لهذا الكيان الموازي دور السلطة في تغذية الوقف عن طريق المجتمع بأن يضع نفسه وسيطاً بين المجتمع (المُوقِف ) والمؤسسة الوقفية فيقوم بتغذية الوقف عن طريق المجتمع (الموقِف ) ليستفيد هذا الكيان الموازي من هذه المسألة داخلياً في الحشد لصالحه ، وقلب المجتمع على السلطة، وخارجيّاً ليقدم برنامجه السياسي للقوى الخارجية على أنّه بديل قوي عن السلطة الموجودة حالياً بديلاً لا حيدة عنه.
وما تركيا عنّا ببعيد ، و بِغضّ النظر عن الحزب الحاكم وهو حزب العدالة والتنمية و انحرافاته، فقد سيطر كولن المُعارض معارضةً ناعمةً على الخدمة الاجتماعيه من جراء عمل دؤوب إمتد لعشرات السنين دخل فيه إلى العمق التركي بالخدمة الاجتماعية واستولى على لب وقلوب كثيرٍ من الأتراك شباب وشيباً رجالاً ونساءً وزرع فكره والثقافة التي يريد وذلك لأنّه لامس حاجاتهم المعيشية ، فوفّر لكثيرٍ من الفقراء أساسيات العيش من سكن وغذاء ولباس وتعليم ورعاية صحيّة ،
وكذلك تعرضت الطبقة الوسطى من الشعب وهي الأهم من المجتمع والأكثر لتدفقات نشاطه الاجتماعي فاتجه لسيطرة على المحاضن التعليمية التربوية بجميع أنواعها وأهمّها المساجد وما يتخللها من نشاطات ثقافية وتربوية وكذلك المدارس وكذلك إتجه للمحاضن الإجتماعية متمثلةً في دور الرعاية الإجتماعية بمختلف أنواعها كرعاية الأيتام ورعاية الأحداث واللقطاء ورعاية المسنين مروراً بالمحاضن الرياضية
وحتى الطبقة الغنيّة تعرضت لتدفقات حركة الخدمة الاجتماعية بفتح نوادي رياضية وصحية ويتخللها نشاطات تقوي العلاقة بالاغنياء و أبنائهم ليستفيد في تغذية الأوقاف التي يسيطر عليها وكذلك للإتصال بالمتنفذين داخل الحكومة،
فاستفاد من نشاطه الإجتماعي وأفاد كثير من أبناء المجتمع ولا أدلّ من ذلك على كثرة وجود أتباع كولن في المجالات الحيويه والمفصلية في الدوله وهي أربعة جهات التعليم والاعلام والعسكرية والقضاء
١-فالتعليم هو الهدف الأوّل للكيان الموازي ذلك لأنّه يهيئ الكوادر التي ستتولى التحكم بالأماكن المفصليّة فقد دخل الكيان الموازي إلى التعليم بجميع قنواته ومجالاته إبتداءً بالمسجد والخطبة والمحاضرة والجهة الرسمية القائمة على ذلك وانتهاءً بالجامعات ومراكز البحوث مرورا بالتعليم المدرسي بقطاعيه الخاص والعام ، وكذلك عن طريق الؤسسات الخيرية التعليمية وعلى رأسها الدينية، فكل مخرجات التعليم التي تخرّجت على يد الكيان الموازي يكون لها ولاء وطاعة لهذا الكيان (التنظيم) وهذا واضح في الدول التي سيطر فيها الكيان الموازي على التعليم وبالأخص في مصر ودول الخليج.
٢-الإعلام وهو الموجهه الثقافي لعموم المجتمع ولايقتصر على القنوات الفضائية فقط بل يمتد إلى جميع أنواع قنوات التواصل ونقل الثقافة والخبر وهو من أهم أدوات الحشد الداخلي والتحكم في الرأي العام لصالح الكيان الموازي فنجد هذا الكيان يهتم به كثيراً فينشر فكره الدخيل في المجتمع من خلاله من قنوات للاطفال إلى قنوات أُسريّة إلى قنوات ثقافيّة .
٣-العسكر متمثلاً في الجيش وقوات الأمن وهي من المؤسسات الصلبة أو السيادية في الدوله.
٤- القضاء وهو الذي يتحكم في مجريات كثير من أعمال الدوله إنفاذاً وإيقافاً، فالجهات الأربع تعتبر مفصلية ومهمة جداً في نظر الكيان الموازي بأن يُوجد له فيها أتباع ونقصد بالأتباع هنا المتأثرين فكريّاً بما طرحه لهم الكيان الموازي من فكر وثقافة على مدى عشرات السنين، قلّ هذا التأثُر أو كثُر.
أمّا على مستوى تقديم الكيان الموازي نفسه للقوى الخارجية يسعى الكيان الموازي الى تلميع نفسه امام الغرب وذلك بتبني امور في طرحه الثقافي تخالف أصول الدين من تميّع وقبول لثقافة الغرب بعد شرعنتها وتجده يقبل جوائزهم ويرحب بتسهيلاتهم له في الإعلام وغيره مكافئةً له على هذا الطرح وكذلك يقدم نفسه للغرب بالدخول في منظمات حقوقية وانسانية عالميه ليعطي نفسه صفة المدافع عن حقوق الإنسان والرافع لرايتها على الطريقة الغربية و المتمثلة في مبداء الحرية المزعوم فتجده يدافع عن الحريات ويؤصّل لها ولأدواتها من مظاهرات وغيرها ويحارب مايضاد الديمقراطيه كالحكومات الملكية ويحارب مايضاد الحريات كالارهاب فيقوم بمحاربته وهو في الحقيقة من الداعمين له بطريق غير مباشر خصوصاً داخل المجتمع الذي تكوّن فيه هذا الكيان عن طريق أذرعه الأخطبوطية وبالأخصّ التعليمية منها .
إنّ من يعمل في مجال الخدمة الاجتماعية وهو صاحب فكرٍ دخيل بكيانه الموازي المسيطر
لايرى الإرهاب إلّا أداة احتياطيه لتحقيق أهدافه مقارنة بما معه من أدوات تخصّ العمل الخدمي الاجتماعي لذلك تجده يحارب الإرهاب بقضه وقضيضه، ليس لأنّه يرفض الإرهاب كلّا بل لأنّ عنده أدوات وسُبل أقوى من الإرهاب تحدث انقلاباً اجتماعيّاً على السلطة.
والّا فإنك تجده يؤيد الثورات السياسة والمظاهرات و لايخفى ما تنطوي عليه هاتين الأداتين بالأخصّ من تغذية للعنف وبالتالي للإرهاب وتهيئة البيئة له.
وبمقارنة بسيطة بين عرّاب (قائد) الإرهاب في دولة ما أو منطقة ما عربيّةٍ أو غيرها
وبين عرّاب (قائد) الخدمة الاجتماعيّة في نفس الدولة أو المنطقة نجد أنّ الأخير يحارب الأوّل إعلاميّاً ويتبراء من فعله ويُظهر العداء له ولتيّاره بينما هناك تغذية للأول من الثاني من تحت الطاولة بالكوادر والمال بطريقة غير مباشرة ومقصود التنظيم من هذا أن يَسلم الكيان الموازي الخدمي ويحسّن صورته أمام السلطة الحالية ويُبقي على التيّار العنيف (الإرهاب) ليستفيد منه فيما بعد.
إنّ من نحى نحو حركة الخدمة الكولونية التي في تركيّا وأخذ استراتيجيتها واسلوبها، سواءً في مجتمعنا السعودي أو أيّ مجتمع آخر، فإنّه وبلا شك عنده توجه ضد السلطة الحاكمة و يريد أن يسيطر مذهبه الفكري الدخيل على المجتمع فلو أنّ فكره من ضمن نسيج مجتمعنا رُؤيةً وثقافةً وولاءً لما سعى للانفراد بالعمل الاجتماعي الخدمي ليكوّن من خلاله كياناً موازياً داخل نسيج المجتمع يحقق به أهدافه مستعيناً في ذلك بالقوى الخارجية لتدعمه سياسياً وفكرياً وربما عسكريّاً لو استدعى الأمر.
وما تنظيم الإخوان المسلمين بأجنحته الخدمية عن حركة الخدمة التركية إلاّ نسخةً مكررةً فنشاطه داخل مجتمعنا الخليجي حاز قصب السبق في هذا الأمر ، وهي محاولة السيطرة على الخدمة الاجتماعية واختطافها من السلطة سواء الخيرية منها (الوقفيه) أو الرسمية الحكومية بالطريقة الكولونية،
ولا أدلّ على ذلك من مدح رموز تنظيم الاخوان عندنا أعمال كولن في الخدمة الإجتماعية واستقلاليتها عن الدولة وذلك قبل إتهام كولن بالإنقلاب العسكري الفاشل الذي حدث في تركيا في صيف ١٤٣٧هـ،
وحتى بعد إتهامه بالإنقلاب لم يخفي الإخوان المسلمين إعجابهم بطريقته في العمل مما يدل على أنّهم يطبقون طريقته في العمل الخدمي و ذلك ليكوّنوا كياناً موازياً للدوله و ليكسب ثقة وتعاطف أفراد المجتمع و ليمرر منهجه الضال سواء للشريحة المستهدف بالخدمة (المستفيد) أو الشريحة المانحة للوقف (المتبرع ) ولعلاج هذا الأمر يجب أن تكون الخدمة الإجتماعية داخلة تحت مظلة السلطة رقابةً و أخذاً ورداً أي أخذاً من المجتمع ورداً عليه كما قال صلى الله عليه وسلم في الزكاة ( تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم )
فلا يُسمح بطرح أيّ أفكار خلال العمل الخدمي تُخالف الأساس الذي قامت عليه الدولة وهو المنهج السلفي، ويكون هناك أيضاً رقابة على أيّ نشاط اجتماعي .
إنّ الأمر جد خطير إن تساهلت الجهات المعنيّة في مكافحته إنّ القضية ليست
قضية إرهاب فقط وتجفيف لمنابع تمويله بل القضية أكبر من ذلك إنها محاولة لإحداث انقلاب اجتماعي على السلطة وقبل ذلك على أصول المجتمع العقدية وثقافته، بحيث يكون من نتائجه رفضٌ اجتماعي للسلطة الموجودة حالياً وغالباً ماتكون نتائج هذا الإنقلاب الاجتماعي على السلطه حتميّة وهي زوال السلطة وتولي الكيان الموازي لها ، وهذا هو مغزاه الاخير وهو أقوى من الإنقلاب العسكري أو الإخلال بالأمن وإن كانت الأخيرتين تصب في صالح الإنقلاب الاجتماعي على السلطة ولكن بشكل مرحليّ،
إنّ من صفات هذا الإنقلاب الذي يسعى لإحداثه الكيان الموازي الدخيل أنّ له صفة الثبات وطول الأجل وأنّه يقدم نفسه للقوى الخارجية على أنّه البديل الوحيد أمامهم.
وقد بذلت دولتنا حفظها الله في مكافحة تنظيم الإخوان الشيء الكثير الذي يسعى رموزه لتشييد كيانٍ موازٍ شبيه بكيان كولن وامثاله من الحزبيين الباطنيين .
اسأل الله الحي القيوم أن يحفظ على السعودية سلطتها ودينها وشعبها من كل كيان معارض دخيل خَفيٍّ أو ظاهر.اهـ.
كتبه اخوكم
عبدالله بن محمد بن عبدالله الشبانات
في يوم الأحد الموافق
١٤٣٨/٦/١٣هـ