حكم الحَلِف بغير الله في مذهب أهل البيت
د. فيحان بن سرور الجرمان
مسألة: حكم الحَلِف بغير الله في مذهب أهل البيت.
الحمدلله، والصلاة والسلام على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
إن الحَلِفَ بالله عز وجل حق له، وهو يقتضي تعظيمه، والتعظيم -في الحقيقة- لا يكون إلا لله عز وجل، وأن الحالف إذا حلف على شي فإنه يدل على تعظيه إياه، ولذلك تلحظ من بعض الناس قد يكذب إذا حلف بالله ويصدق إذا حلف بأمه؛ لاختلاف التعظيم في قلبه -والعياذ بالله-.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : (قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: “من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت”، قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة -في الحقيقة- إنما هي لله وحده).
وإليك -أيها القارئ- أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن الحلف بغير الله، وليس كلها، وأقوال أئمة أهل البيت بعضاً منها.
أولاً: أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كتب الشيعة، ونهيه عن الحلف بغير الله:
(١) قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (من كان حالفًا؛ فليحلف بالله أو ليذر).
[كتاب مستدرك لحسين النوري الطبرسي، وكتاب عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الأحسائي].
(٢) (وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: كثيرًا ما يقول في يمينه ويحلف بهذه اليمين: ومقلب القلوب والأبصار).
[كتاب المستدرك للطبرسي].
(٣) وعنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: (من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك).
[كتاب المستدك للطبرسي، وكتاب عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الأحسائي].
وهذه الروايتان تنص على أن الحلف بغير الله نوع من أنواع الشرك والكفر الأصغر، وقد يصل إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف أن المحلوف به كمنزلة الله بالعظمة والتعظيم، أما إذا اعتقد أن المحلوف به دون الله فهو من الشرك الأصغر.
(٤) وعن الصادق -عليه السلام- عن آبائه عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في حديث المناهي أنه نهى أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: (من حلف بغير الله فليس من الله في شي… ونهى أن يقول للرجل: لا وحياتك، وحياة فلان).
[كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي 23/ 259 ،وكتاب بحار الأنوار للمجلسي].
(٥)عن علي بن الحسين -عليه السلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : (لا تحلفوا إلا بالله).
[كتاب نوادر الأسعري].
(٦) قال الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب -عليه السلام- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحلف الرجل بغير الله، وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في شيء).
[كتاب مجموعة ورام لأبي الحسين ورام ابن أبي فراس المالكي الاشتري هو من القرن السادس].
(٧) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا بالله إلا وأنتم صادقون).
[كتاب الدعوات للمؤلف قطب الدين الراوندي وهو من القرن الخامس].
ثانيا: أقوال أئمة أهل البيت:
حرم أهل البيت بالإجماع الحلف بغير الله وأنه من الشرك المنافي لكمال التوحيد، وإليك أقوالهم:
أولًا: أقوال علي رضي الله عنه وأرضاه:
(١) عن أبي عبدالله -عليه السلام- أن أمير المؤمنين -عليه السلام- اختصم إليه في رجل أخذ عبداً آبقاً، فكان معه ثم هرب منه، قال: (يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما سلبه، ولا باعه، ولا داهن في إرساله، فإذا حلف برئ من الضمان).
[تهذيب الأحكام 8/ 248 للشيخ الطوسي أحد أبرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري ويسمى بشيخ الطائفة].
قال الشيخ: (ولا يمين عند آل محمد -عليهم السلام- إلا بالله وبأسمائه، فمن حلف بغير ذلك كانت يمينه باطلة).
قال الطوسي: باب الأيمان والأقسام:
عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال: (لا أرى أن يحلف إلا بالله…).
[تهذيب الأحكام 8/ 248 للشيخ الطوسي].
(٢) عن ميسرة قال: إن أمير المؤمنين سمع رجلًا يقول كذا وكذا…. قال: فعلًا بالدرة. وقال له: ويحك… قال: الرجل: أنا أكفر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا؛ لأنك حلفت بغير الله).
[كتاب وسائل الشيعة 23/ 259].
(٣) وكان علي -عليه السلام- يقول: (أَحْلِفُوا الظالم، فإذا حَلَفَ بها كاذبًا عُوجِلَ، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلا هو لم يُعاجل؛ لأنه قد وحد الله سبحانه وتعالى].
[كتاب نهج البلاغة].
فعلي -رضي الله عنه- يرى أن الحلف بالله من التوحيد، وأن الحلف بغير الله من الشرك.
ثالثًا: من أقوال جعفر الصادق -رضي الله عنه وأرضاه-:
(١) عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال: (لا يُحَلفُ بغير الله، وقال اليهودي والنصراني والمجوسي لا تُحْلِفُوهُم إلا بالله عز وجل).
[كتاب الكافي للكليني، وسائل الشيعة 23 / 259].
(٢) عن الحلبي قال: (سألت أبا عبدالله -عليه السلام- عن أهل الملل يُسْتَحلفُون؟ فقال: لا تُحْلِفُوهم إلا بالله عز وجل).
[كتاب الكافي للكليني، وسائل الشيعة 23 / 259].
(٣) وقال أبو عبدالله -عليه السلام-: (لا يمين إلا بالله).
[المصدر نفسه].
(٤) عن زيد قال: (سمع أبو عبدالله -عليه السلام- رجلاً يقول لآخر: وحياتك العزيزة لقد كان كذا وكذا. قال أبو عبدالله -عليه السلام-: أما إنه قد كفر…).
[كتاب مستدرك الوسائل للطبرسي].
رابعاً: شبهة:
إذا قال قائل: إن الله أقسم ببعض المخلوقات، ألا يدل على جواز القسم بغير الله؟!
الجواب:
قسَمُ الله -عز وجل- بهذه المخلوقات كالنجم والليل والنهار والجبال دليل على عظمته وكمال قدرته؛ لأن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق، فقسم الله لمخلوقاته متضمناً للثناء عليه.
وقد رد على هذه الشبهة أهل البيت أنفسهم -رضي الله عنهم-.
قال الحر العاملي: باب أنه لا يجوز الحلف ولا ينعقد إلا بالله وأسمائه:
عن علي بن مهزيار قال: قلت لأبي جعفر الثاني -عليه السلام- الإمام محمد بن علي الجواد-: جعلت فداك، في قول الله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}، وقوله عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ}، وما شابه هذا؟ فقال: إن الله عز وجل يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا بالله عز وجل).
[كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي 23/ 259].
عن العلاء قال: (سألت أبا عبدالله -عليه السلام- عن قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}، قال: أعظم إثم من حلف بها).
[المصدر نفسه].
عن محمد بن مسلم قال: (قلت لأبي جعفر -عليه السلام- في قول الله عز وجل {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} وما أشبه ذلك؟ فقال: إن الله تعالى أن يقسم من خلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا بالله عز وجل).
[مستدرك الوسائل لحسين النوري الطبرسي].
هذه عقيدة أئمة أهل البيت، وهي عقيدة توافق عقيدة أهل السنة والجماعة في أن الحلف بغير الله نوع من أنواع الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد.
أسأل الله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.
والحمدلله رب العالمين.
كتبه/ فيحان الجرمان.