الحمد لله الغنيِّ الجواد، الكريمِ الوهاب، المُتواتِرِ لأهل طاعته إعانتَه وإمدادَه، المُنعِمِ بالخيرات، المُفِيضِ لعظيم البركات، اللَّطيفِ بعباده، كاشفِ شِدَّاتهم، وفارجِ كُرباتهم، ومُجيبِ دعواتهم، المُتكفِّلِ بأرزاق جميعهم، الذي يُحيي الأرض بعد موتها وجَدْبِها، فيأمر السماء فتُمطِر ماء وبرَدًا وثلجًا، ويأمر الأرض فتَتفجَّر عيونًا وأنهارًا، ويأمر الجبال أنْ تشَقَّق فيخرج مِنها الماء، فله الحمد على ما أنْعَم، وأشكره على ما تفضَّل بِه علينا وأكرَم، وأتوب إليه مِن جميع الخطايا وأستغفر، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله إلى العالمين جميعًا، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وذُريَّته وأصحابه، وعنَّا معهم دومًا وأبَدًا.
أمّا بعد، فيا أيُّها الناس:
إنَّنا نشكو في هذه الأزمِنة تأخُّرَّ نُزول الأمطار عن أوقاتها المعتادة، وإنْ نَزلت فقليلة مياهها، لا تَسُّد الحاجة، ولا تُزيِل الفاقة، وإنْ كثُرت أحيانًا فبركتها قليلة وضعيفة، وأضرارها كثيرة، وهذا والله بلاء عظيم، وكَرْب كبير، وقد صحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( لَيْسَتْ السَّنَةُ ــ أي: الجَدْبُ والقَحْط ــ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا )).
وإنَّ أعظم أسباب ذلك ذُنوب العباد مِن شركياتٍ وبِدَع ومعاص، وترْكهم لِما أوجَب الله عليهم وفرَض، فإنَّه ما نَزل بالعباد بلاء إلا بذَنْب، ولا حلَّت مُصيبة وكَرْب بالخلق إلا مِن خطاياهم، ولا فشا الفساد في البَرِّ والبحر والجَوِّ إلا بسب السيئات، فقد قال الله سبحانه مُخبِرًا لنا عن ذلك ومًحذِّرَا: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا )).
ولا يرتفع ذلك عن العباد إلا بتقوى الله ــ جلَّ وعلا ــ، باتِّباع أوامره، والقيام بِما فرَض، وترْكِ ما نَهى عنه وزجَر، والتوبةِ إليه، وكثْرةِ استغفاره، والاستقامة على شريعته، حيث قال ــ عزَّ شأنه ــ: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }.
إنَّ أضرار وعواقب قِلَّة مياه الأمطار، وقِلَّة بركتها، لشديدة وبئيسة جدًّا، إذ تقِلُّ بسببها مياه الأنهار والعيون والآبار، وتيبَس الأرض، ويَحترق أو يموت غطاؤها النباتي، وتشتدُّ حرارة وبرودة الجَوِّ، لاسِيَّما مع مرور السِّنين، وإسراف الناس في الماء، وتزايد استخدام الماء في الصِّناعات الحديثة.
وأنتم تعلمون ما حصل لأهل بلادٍ كثيرة مِن شُحٍّ في الأمطار، وانحسارِ مياه الأنهار وتلوُّثها، وجفافِ العيون، ونُضُوبِ أو قِلَّة مياه الآبار الجَوفيِّة، وبُعدِها الشديد عن سطح الأرض إلى مئات وآلاف الأمتار، حتى رأيت أهلها يخرجون في طلب الماء مِن بيوتهم مِن قبْل صلاة الفجر فلا يرجعون إلا مع مغيب الشمس، وبماء لا يكفي إلا لأيَّام قليلة، وبسعر كثير جدًا، وقد يكون مع ذلك مُعكَّرًا بالشوائب وما يَضُرّ.
وأمَّا مزارعهم وبساتينهم فيبِسَت أشجارها، وقلَّت محاصيلها، بل لم تَعُد مِن مصادر رزقهم، وأصبحوا يبحثون عن أعمال ومِهَنٍ ووظائف أخرى، وفي بلاد غير بلادهم.
فاتقوا الله ــ عباد الله ــ حتى لا يُصيبكم مثلما أصابهم، واعرفوا قدْر نعمة الماء، ومُباركة الله لكم فيها.
عباد الله:
إنَّكم شَكوتم جَدْبَ دياركم، واستِئْخَارَ المطر عن أوان زمانه عنكم، وقد أمرَكم الله ــ عزَّ وجلَّ ــ أنْ تدعوه، ووعدكم أنْ يَستجيب لكم.
فاللهم إنَّا نحمدك ونُثني عليك بأنَّك أنت الله لا إله إلا أنت، الحي القيوم، بديع السماوات والأرض، الأحَدُ الصمد الذي لم يَلِد ولم يُولَد، ونُصلِّي على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم.