خطر التعرض للفتن أو دفعها بالبغي والفجور
حمد بن عبدالعزيز العتيق
خطر التعرض للفتن أو دفعها بالبغي والفجور
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يتساءل كثير من أهل الإسلام عن أسباب خذلان الله لبعض المسلمين في أيام الفتن، مع وقوع الظلم والظاهر البيّن عليهم؟!
وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- الجواب عن هذا السؤال وأنه راجع لأمرين اثنين:
الأول: مخالفة أمر الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- حين نُهوا عن الفتن، والتعرّض لها، وأمرا بالفرار عنها، فيُعرض بعض المسلمين عن ذلك كله، ويتعرضون للفتن ويسارعون إليها تسارع الفراش إلى النار، فيُعاقبهم الله بخذلانهم، وأن يكلهم إلى أنفسهم.
فإذا أخرجتهم تلك الفتن إلى ترك مأمور أو فعل محظور، كان ذلك زيادة في ذنوبهم التي توجب لهم مزيدًا من العقوبات والعذاب –والعياذ بالله-.
فإن أعقب ذلك توبة واستغفار، كان ذلك من أعظم أسباب رفع الفتن عنهم.
ومن تأمّل ما وقع على كثير من المسلمين اليوم بسبب تعرضهم للفتن، وما ترتب على ذلك من ترك للمأمورات وفعل للمحظورات، وإصرار على الفتن التي بسببها نزل بهم العذاب، وإعراضهم عن التوبة، بل ربما الاستكبار عليها، وعلى دعاة التوبة، وذمهم والوقيعة فيهم، من عرف ذلك كله، عرف السر الذي به عُوقب أولئك أو خُذلوا –والعياذ بالله-.
الثاني: من أسباب خذلان الله للعبد حين الفتن: أن لا يتعرض العبد للفتنة ابتداءً، لكن الله يبتليه بها ابتلاءً واختبارًا، فيخرجه ذلك إلى أنواع من المحرمات، بارتكاب محظور، أو ترك مأمور، فيكون ذلك معصية يستحق معها العقوبة والخذلان، فيهلك –والعياذ بالله-.
ومن تأمّل هذا المعنى عرف السر الذي بسببه خُذل بعض طلبة العلم، أو الدعاة، أو الصالحين، حين وقعت عليهم الفتن، دون أن يتعرضوا لها.
وأضرب لذلك مثلين أشار لبعضها شيخ الإسلام:
[ 1 ] بعض أهل السنة لما وقعت عليهم الفتن قديمًا وحديثًا، دون أن يتعرضوا لها، أخرجهم ذلك إلى أنواع من المخالفات، كحب العلو والرياسة وطلبها بغير حق، وأكل الحرام، والبغي على إخوانه، وتعلق بالدنيا وزخرفها، وتفرق وافتراق نهى الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- عنه، فاستوجب ذلك له العذاب والعقوبة –والعياذ بالله-، مع أنه كان معافى منها قبل الفتن.
[ 2 ] بعض طلاب العلم أو الدعاة من أهل السنة حين يُبتلون بالفتنة من قِبَلِ بعض إخوانهم فيبغون عليهم أو يظلمونهم، كما قال تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة}، فتخرجه هذه الفتنة التي ابتلي بها دون تعرض لها، فتخرجه عن الصراط المستقيم إلى أنواع من المنهي عنه، كترك مأمور من هجر أهل البدع، والتباعد عنهم، أو فعل محظور كالبغي والانتقام للنفس، وحب العلو في الأرض أو على خصمه، وأعظمها القول على الله وعلى دينه ورسوله –صلى الله عليه وسلم- بغير حق، انتصارًا لنفسه ورأيه، وانتقامًا من خصمه، فيخذله الله بذنوبه، وإسرافه في أمره –نسأل الله العافية-.
فلا نجاة للعبد من افتن إلا باجتنابها قبل وقوعها، والاستعاذة بالله منها، فإذا وقعت بقضاء الله وقدره من غير تفريط منه، فلا نجاة له إلا بالصبر على المأمور وترك المحظور، كما قال تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}، جعلني الله وإياكم من الصابرين … آمين.
يقول شيخ الإسلام في تقرير ما تقدم:
“فهذه المحن والفتن إذا لم يطلبها المرء ولم يتعرّض لها، بل ابتُلي بها ابتداءً، أعانه الله تعالى عليها بحسب حال ذلك العبد عنده، لأنه لم يكن منه في طلبها فعل ولا قصد حتى يكون ذلك ذنبًا يعاقب عليه، ولا كان منه كبر واختيال مثل دعوى قوة، أو ظن كفاية بنفسه حتى يخذل بترك توكله ويوكل إلى نفسه، فإن العبد يؤتى من ترك ما أمر به.
والتعرض للفتنة هو من باب الذنوب، فالمؤمن الصادق لا يفعل إلا ما أمر به، فإن ذلك هو عبادة، ولا يستعين إلا بالله.
فإذا أوجب هو بنفسه أو حرم هو بنفسه خرج عن الأول، فإن وثق بنفسه خرج عن الثاني، فإذا أذنب بعد ذلك فقد يتوب بعد الذنب فيعينه حينئذٍ، وقد يكون له حسنات راجحة يستحق بها الإعانة، وقد يتداركه الله برحمته فيسلم أو يخفف عليه.
والتوبة بفعل المأمور وترك المحظور في كل حال بحسبه، ليست ترك ما دخل فيه، فإن ذلك قد لا يمكنه إلا بذنوب هي أعظم من ذنوبه مع مقامه، فتدبر هذا.
والمبتلى من غير تعرض قد يفرط بترك المأمور وفعل المحظور حتى يخذل ولا يُعان فيُؤتى من ذنوبه، لا من نفس ما ابتُلي به، كما قال تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا}، وهذا كثير أكثر من الذي قبله، فأما المؤمنون الذين لم يكن منهم تفريط ولا عدوان فإذا ابتُلوا أعينوا.
قال: وقد تبيّن أن التعرض للفتن بالإيجاب والتحريم بالعهود والنذور وطلب الولاية وتمني لقاء العدو ونحو ذلك هو من الذنوب”.
انتهى كلامه مختصرًا من [ المستدرك على مجموع الفتاوى ( 5 / 124 – 125 ) ].
كتبه/ حمد بن عبد العزيز العتيق
الرياض – حرسها الله
22 / 7 / 1438هـ