دفاعًا عن السنة (2) شبهة الاستغناء بالقرآن عن السنة
د. صالح بن عبدالكريم البلوشي
دفاعًا عن السنة (2)
شبهة الاستغناء بالقرآن عن السنة
فإن من الشبهات التي يثيرها منكرو السنة أنه لا حاجة للمسلم في معرفة الدين والتشريع وإقامته إلى أي مصدر ديني سوى القرآن الكريم، فإن الآيات تدل على إحاطة القرآن بكل شيء، وتدل على أن القرآن تبيان لكل شيء، فلا حاجة إلى السنة النبوية، ومن ذلك قول الله تعالى : ” ما فرطنا في الكتاب من شيء” الأنعام 38، وقوله تعالى : ” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ” النحل 89، وقوله تعالى : ” وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ” الأنعام 114، فهذه الآيات تدل على أن الكتاب قد أحاط وفصل وبين ما يحتاجه المكلف في التشريع، وقالوا: لو قلنا أن القرآن يحتاج لمزيد بيان وتوضيح من خلال السنة لكان ذلك ردا لهذه الآيات !!
:والرد على هذه الشبهة من خمسة وجوه:
أولا : لا شك أن القرآن تبيان لكل شيء، ولكن ما نوع هذا التبيان؟
فالبيان قد يكون على وجه التفصيل، وقد يكون على وجه الإجمال، وما كان مجملا أرشد الله تعالى لمعرفة بيانه من خلال السنة، كما قال تعالى : ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ” النحل 44، فالأمر للنبي صلى الله عليه وسلم يدل دلالة واضحة أن هناك ما هو مجمل يحتاج إلى البيان من خلال السنة، وقد تطرق الشافعي رحمه الله لهذه الشبهة القديمة الجديدة بقوله : ” والبيان من وجوه :
منها ما أبانه لخلقه نصا، مثل إجمال فراضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما، ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه، مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من الفرائض …” الرسالة 20، وقال الشاطبي رحمه الله : ” السنة راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره ” الموافقات 4/ 325، وقال الألوسي رحمه الله : ” وكون الكتاب تبيانا لذلك باعتبار أن فيه نصا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة ” روح المعاني 14/214.
ثانيا : أن القرآن الذي هو تبيان وتفصيل لكل شيء قد أرشد إلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قوله : ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” الحشر 7، وقوله تعالى : ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ” الأحزاب 36، فيلزم القائل بهذه الشبهة الأخذ بهذا الإرشاد وإلا وقع في التناقض، بأخذ بعضه وترك بعضه.
ثالثا: يلزم القائل بهذا القول لوازم باطلة، منها تضليل كافة الأمة بسبب اعتمادها على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال السنة في معرفة تفاصيل الفرائض التي لم ترد في القرآن الكريم، وأمة النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة
رابعا: ماذا يقول من ينادي بعدم الحاجة إلى السنة والاكتفاء بالقرآن: في خلو الكتاب العزيز من النص على عدد الصلوات وركعاتها مع أنها أهم الفروض بعد التوحيد، وغيرها من تفاصيل العبادات.
خامسا: أن هذا القول الباطل سيفضي إلى الشك عند قائله في القرآن الكريم حينما لا يجد فيه بعد هذا الاعتقاد كثير من المسلمات الشرعية.
هذا ما يتعلق بالشبهة الثانية، وتليها الشبهة الثالثة بإذن الله تعالى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين.
كتبه د. صالح عبدالكريم في عصر يوم الثلاثاء 17/7/1439 الموافق 3/4/2018م