دفع الصائل على هيئة كبار العلماء بالباطل
د. حمد بن إبراهيم العثمان
دفع الصائل على هيئة كبار العلماء بالباطل
د.حمد بن إبراهيم العثمان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فقد قرأت استطالة حامد بن عبد الله العلي على هيئة كبار العلماء في بيانهم الصادر بتحريم المظاهرات ، فوجدته أبان عن جهلٍ شديد وحنق عظيم ضد علماء المسلمين ، ووجدته أظهر قبيح غروره وتعالمه حيث قال معترضا على فتوى الهيئة بتحريم المظاهرات ” لا يستنكر مثل هذه الوسائل الإجتماعية السلمية الفعالة عاقل فضلا عن عالم ”
وكل من له خبرة بعلمائنا يعرف وفور عقولهم خصوصا وأن كلامهم مدّعم بأدلة الكتاب والسنّة ، وهو جار على ما أفتى به سلفهم الصالح كالإمامين ابن باز، والعثيمين رحمهم الله.
وسيرى القارئ في ردنا على حامد العلي من هو أحق بوصف ( غير العاقل ).
فأقول مستعيناً بالله : إن نزعة التكفير واضحة في رد حامد العلي على هيئة كبار العلماء حيث – استدل العلي لمشروعية – المظاهرات ضد ولاتنا بأن – النبي أراد أن يملأ قلب أبي سفيان رهبة من أمر الإسلام ، فأمر العبّاس أن يريه الكتائب المحمدية في فتح مكة ، وكل عاقل يعرف أن هذا جهاد للكفار، وولاة أمرنا مسلمون.
وواضح في رد حامد العلي محاولته التغرير بمن لا يعرفه لقبول منهجه الحروري حيث قال مبينا مقصود المظاهرات :
” المظاهرات السلمية اليوم يُراد منها رفع مستوى قوة الاحتجاج ” ، وكأن حامد العلي نسيَ محاضرته التي ألقاها من قبل ” وسائل الدعوة ” ، وقرر فيها أن الاغتيالات من وسائل الدعوة ، أو نسيَ ما كان معروضاً من قبل في موقعهالإلكتروني من تعليم لطرق صناعة المتفجرات ، أو نسيَ تكفيره لولاة أمر الشقيقة السعودية في مجالسه الخاصة.
فأين ” السلمية ” في مظاهراتك ومنهجك يا حامد؟!!
وأين ” السلمية ” في مظاهرات عالمنا العربي وهي تحمل شعار ” الشعب يُريد إسقاط النظام “؟!!
وأبان حامد العلي في رده عن مكر شديد واستخفاف بالسنة حيث قال: ” بل قد أصبح الإسرار بالنصيحة للسلطة اليوم من الوسائل السياسية الماكرة التي تضفي على الظلم شرعية زائفة “.
فهذا كلام حروري خارج عن سنّة النبيّ سابٌ لها ، واصف سنّة النبيّ ومتبعها بالمكر ، فالمكر هو التنفير عن الحق بوصفه بأبشع وأقبح الأوصاف.
فالنبيّ ناصح لأمته وقد قال ” إذا أراد أحدكم أن ينصح لذي سلطان فلا يبده له علانية، فليخلوا به ، فإن قَبِل منه وإلا فقد أدى الذي عليه ” رواه أحمد والحاكم وابن أبي عاصم في السنّة وصححه الألباني رحمه الله.
وعلى هذا مضى الصحابة ، وهذا ما فعله أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه فإنه كلمه الناس في شأن مناصحة عثمان رضي الله تعالى عنه ، فقال : قد فعلت فيما بيني وبينه ، ما دون أن أفتح بابا أكون أول من يفتحه . رواه البخاري.
وكان حامد العلي في رده منفلتا عن التقيد بأدلة الشريعة مؤسسا منهجه على اتباع الهوى والتشبه بالكفار ، حيث قال ” إن الناس تجتمع فيما تشترك فيه ، وتستعمل اجتماعها في تحقيق أهدافها ، ولهذا أُسِّست النقابات ، والاتحادات والأحزاب ، ونحوها من التجمعات ، وجعل في يدها وسائل تمكنها من نيل حقوقها بقوة الدستور “.
فهذا كلام من عدل عن الكتاب والسنة إلى الديمقراطية ، فهو باعتبار معياره الذي يُعمله مع غيره كافر لأنه تحاكم إلى الديمقراطية ، وحكم بغير ما أنزل الله ، قال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } المائدة : 44 ، ولكننا لا نجازف في تكفيره لأنه جاهل ، وإلا فأدلة تحريم الحزبية والتفرقواضحة في كتاب الله وسنة رسوله لا تخفى على صاحب سنة .
قال تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } الأنعام : 159 ، وقال تعالى { ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } الروم: 31-32 ، وقال النبي ” وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ” ، رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح.
ورأيت العلي في رده يدفع الأدلة في نحورها كل ذلك بسبب ما في قلبه من غل على علمائنا ومشايخنا والهوى الشديد الذي يتجارى به كما يتجارى الكلّب بصاحبه ، فبعد أن ساق حديث ” أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ” ، علّق بقوله ” وليس في هذا الحديث ونظائره ما يقتضي إسرارا لكلمة النقد “، وطلبة العلم فضلا عن العلماء يعرفون ما تقتضيه لفظة ” عند ” من الظرفية ،والسلطان لا تكون عنده إلا حيث تدخل في محله ، فتكون عنده، أما “الشوارع” فهذه عند عامة الناس .
ورأيته في رده مغالطا للواقع مزيفا للحقائق مستخفا بعقول الناس حيث قال ” ومعلوم أن المظاهرات وسائر وسائل الاحتجاج السلمي قد أصبحت في هذا العصر وسيلة ناجحة في التغيير والإصلاح ، وهي تستعمل – تقريبا – كل يوم في العالم كله ، وهي في عامتها تحقق مصالح الشعوب ، وتردع السلطة عن جورها وتعقبها منافع عظيمة ، وما يحدث منها بضد ذلك ، في غاية الندرة “.
وكل عاقل يعرف مافي هذا الكلام من الكذب وقلب الحقائق ، فالمظاهرات في ايران وما أعقبها من الإطاحة بالشاه أتت بنظام أكثر شرا وظلما لأهل السنة ، والثورات في عالمنا العربي أتت بأعتى الطغاة كالقذافي ، وزين العابدين بن علي ، وصدام حسين ، وغيرهم .
وكل متابع للمظاهرات في عالمنا العربي لم ير أيّا منها يرفع شعار الشريعة ولم يطالب بها ، والعدل والخير والرحمة في شرع الله، كما قال تعالى { وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين } النمل : 77 ، فكيف تمتدح مظاهرات ضلت عن حقيقة الإصلاح فضلا عن أن تطالب به .
وكان حامد العلي في رده على هيئة كبار العلماء مدلّسا يسوق قصة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منقوصة ليوهم القارئ أن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التثبيط على الولاة ، حيث قال ” ومما في حياة شيخ الإسلام الإمام المجتهد الإمام الحنبلي أن بلغ الشيخ أن جميع ما ذكر من البدع يتعمدها الناس عند العمود المخلق الذي داخل ( الباب الصغير) الذي عند (دربالنافدانيين ) فشد عليه ، وقام ، واستخار الله في الخروج إلى كسره ، فحدثني أخوه الشيخ الإمام القدوة شرف الدين عبد الله بن تيمية قال: فخرجنا لكسر العمود المخلق ، فسمع الناس أن الشيخ يخرج لكسر العمود المخلق فاجتمع معنا خلق كثير “.
فحامد العلي بتر القصة وذكرها منقوصة ليروّج لمذهبه المنحرف بتدليسه القبيح ، فالعمود المخلق حجارة كان الناس يزورونها ويتبركون بها ويطلبون عندها قضاء حاجاتهم ، فقصدها الشيخ فكسرها ‘ فهذا إنكار منكر على عامة الناس وليس على ولي الأمر ، والناس الذين فاخر بجمعهم حامد العلي فيهمالغوغائيون جهلة مزعزعون في عقيدتهم رجع أكثرهم عن إنكارهم المنكر خشية أن تصيبهم لعنة الأصنام ، قال شرف الدين ” فما وصلنا إلا وقد رجع عنا غالب الناس خشية أن ينالهم منه في أنفسهم آفة من الآفات ، أو ينقطع بسبب كسره بعض الخيرات “. انظر الجامع لسيرة شيخ الإسلام ص 134.
ووجدت حامد العلي في رده خفيف العقل يلتمس تقرير بدعته بخيالات وأوهام يكذب بها على نفسه قبل أن يكذب على غيره ليستدل بها على مشروعية المظاهرات حيث زعم أن وعظ النبي عشيرته لما قال لهم ” إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد ” صورة أشبه ما تكون بالمظاهرات السلمية ، فهذا لا يشبه المظاهرات أبدا ، فالمظاهرات نزع ليد الطاعة وهي من مقدمات الخروج علىالسلطان ، وحكامنا مسلمون ، والنبي وعظ قرابته لينتفعوا بموعظته ، أما المظاهرات فالجماهير محتشدة لتزعزع النظام وتمارس ضغطها للإطاحةبالنظام ، فالخروج على الحاكم المسلم غير وعظ الكافر بالكلمة الطيبة .
وتمادى بحامد العلي طيش عقله حيث استدل بعطسة البربهاري على مشروعية المظاهرات لأن من شمّت البربهاري عدد كثير من طلابه وأتباعه !!!
هذا خبال ، أبهذا يستدل عاقل على جواز المظاهرات ؟!!
فهذا جمع المسلمين في الحج يجهرون بالتلبية لأنه شعار الحج ، وكذلك في نفرتهم من عرفة إلى مزدلفة في صعيد واحد ، ولم نر عاقلا يقول إن هذا يدل على جواز المظاهرات وكل من يعرف عقيدة ومنهج البربهاري يعرف أن حامد العلي في واد والبربهاري في واد آخر ، قال البربهاري رحمه الله ” ولا يحل قتال السلطان والخروج عليهم وإن جاروا ” شرح السنة ص 76 ، بل وحذّر البربهاري من التجمعات الغوغائية ، حيث قال : ” إذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك وفر من جوار الفتنة ، وإياك والعصبية ، وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة ، فاتق الله وحده لا شريك له ، ولا تخرج فيها ، ولا تقاتل ، ولا تهوى ، ولا تشايع ، ولا تمايل، ولا تحب شيئا من أمورهم ” شرح السنة ص 107 .
وأدلى حامد العلي بآثار ووقائع في غير محل الخلاف وتوهم أنها تدل على المظاهرات ضد الولاة ، وهي أدلة ضده تدل على إقرار الناس لولاية ولي أمرهم ، ولزوم جماعته ، وعدم نزع يد الطاعة منه ، حيث وقع من رافضة الكرخ سب الصحابة ، فقصد الناس دار الخلافة يقودهم الدعاة والقراء – يعنيالعلماء – وأخبروه بما وقع من الرافضة ، فقال لهم الخليفة ” إننا قد أنكرنا ماأنكرتم ، وتقدمنا بأن لا يقع معاودة ، ونحن نغفل في هذا ما لا يقع به المراد “المنتظم 16/94
ونحن نقول بمقتضى هذا الأثر وهو أن يقوم العلماء وأهل الخير بإبلاغ ولاة أمرنا لمنع منكرات المبتدعة ، فشتان بين لزوم الجماعة الذي قام به المنكرون لسب الصحابة ومفارقتها بالمظاهرات التي تدعو لإسقاط النظام .
وكذلك ما ذكره حامد العلي في الأثر الآخر حيث طلب الحنابلة ومعهم أبو إسحاق الشيرازي من الخليفة قلع المواخير وتتبع محال بيع النبيذ ، فإنه في الأثر نفسه أن أمير المؤمنين تقدمهم في تتبع مواخير الفساد ، وكتب لعضده لرفعها ، كما في المنتظم 16/139
فهذا كله من ملازمة الجماعة ومعاونة السلطان على إزالة المنكر لا من التجمهر ضده للوثوب على سلطته.
وأما استدلال حامد العلي بما روى الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن محمد ابن أبي حرب قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه ، قال يأمره ، قلت : فإن لم يقبل ؟ قال: تجمع عليه الجيران ، وتهوّل عليه .
فهذا إنكار للجار على جاره ، وليس فيه التثبيط على الولاة ولا المظاهرات ضدهم ، وكلام أحمد معلوم مشهور في معاملة الحكام ، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله ” لا يُتعرض للسلطان فإن سيفه مسلول “.
ولمّا همّ أقوام بالخروج ببغداد أنكر عليهم الإمام أحمد وعظّم أمر الدماء ، وذكّرهم بما وقع من الشر زمن فتنة ابن الأشعث ، ولما قالوا له : أوليس الناس اليوم في فتنة قال : بلى ، ولكنها فتنة خاصة ، الصبر على ما نحن فيه ويسلم لك دينك خير من الفتنة التي تنقطع فيها السبل وتراق فيها الدماء .
وفي الختام أحب أن أذكر أن اعتراض حامد العلي على فتوى هيئة كبار العلماء جاء في وقت رفع فيه المبتدعة المبغضون للصحابة عقيرتهم ضد الدولة السعودية بمعاونة الدولة الصفوية الإيرانية ، وكذلك الخونة اللائذين بالكفار والمشركين ، الذين سلم من غوغائيتهم الكفار واشتد شرهم على بلاد التوحيد كالخوارج تماما ” يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ”
فهذا مقام أغوى فيه الشيطان حامد العلي حتى بات عونا للكفار في إضعاف ديار المسلمين وتقسيمها وزعزعة أمنها ، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا .
والحمد لله رب العالمين