سافر رجل بلا نية لمدينة تبعد ثلاثين كيلومتر، ولما وصل نوى السفر لمدينة أخرى تبعد خمسين كلومتر، فهل يترخص برخص السفر؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: لو أن رجلا سافر بلا نية لمدينة تبعد ثلاثين كيلو متر، ثم لما وصل هذه المدينة نوى السفر لمدينة أخرى تبعد خمسين كيلو متر عن المدينة التي وصلها، وتبعد ثمانين كيلو متر عن مدينة الأصل التي يسكنها.
فمثل هذا يُعدُّ مسافرًا سفرًا طويلًا فيترخَّص بأحكام السفر من قصر وجمع، للنظر إلى لمسافة التي بينها وبين مدينته الأساس، أم لا يُعدُّ مسافرًا؛ لأن الأمر راجع إلى قطع مسافة سفر بنية؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال:
أولًا ينبغي أن يعلم ما يلي:
الأمر الأول: أن السفر نوعان، سفر طويل، وسفر قصير، والسفر الطويل هو الذي يترخص فيه بأحكام السفر، بخلاف السفر القصير.
وعلى أصح أقوال أهل العلم أن السفر الطويل هو ما كان من مسافة أربعة برد، كما أفتى بهذا ابن عباس وابن عمر، وعلق ذلك البخاري عنهما جازمًا به رحمه الله رحمة واسعة، رضي الله عن هذين الصحابيين.
وتحديد الصحابة لمسافة القصر إنما يكون بتوقيف، كما قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى، أي: عن شيء أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عمن أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذًا، السفر الطويل الذي يبلغ أربعة برد، فمثل هذا السفر يترخص فيه بأحكام المسافر من قصر الصلاة وجمعها، وأن المسح على الخفين يمتد إلى ثلاثة أيام بلياليهن إلى غير ذلك.
أما السفر القصير كأن يسافر الرجل بريدًا أو بريدَين فمثل هذا لا يترخص بأحكام السفر، ويسمى سفرًا، لكنه لا يجمع ولا يقصر الصلاة إلى غير ذلك.
وأربعة برد تقدَّر بما يقرب من ثمانين كيلو متر هذا الأظهر – والله أعلم-
ثانيًا: ينبغي أن يُعلَم أنه يشترط للترخص برخص السفر هو أن ينوي الرجل والمسافر أن يقطع مسافة تبلغ أربعة برد فأكثر بنية، ينبغي أن يفهم معنى قول العلماء: “بنية”، بمعنى: أن لو رجلًا خرج يتتبع القطر، أي: نزول المطر، وقطع مائة كيلو، فإن مثل هذا لا يصح له أن يقصر؛ لأنه ما خرج قاصدًا مكانًا معينًا ناويًا أن يذهب إليه، وإنما خرج يتتبع القطر.
أو لو أن رجلًا خرج يتبع رجلًا أو دابة، فإذا به قد قطع مسافة مائة كيلو، فإن مثل هذا أيضًا لا يترخص برخص السفر؛ لأنه لم يقصد مكانًا معينًا.
فإذًا لا بد في السفر من نية، أي: أن ينوي بأن يذهب إلى مكانٍ، وليكون بعد هذا المكان عن مكانه أربع برد على أقل تقدير.
وهذا هو قول المذاهب الأربعة، وخالف بعض المتأخرين كابن عقيل وغيره، لكن فهم العلماء على خلاف هذا، ونحن مأمورون أن نفهم الكتاب والسنة فهم أهل العلم.
إذا تبين هذا الأمران فجوابًا على ما ذكره السائل، إن الرجل إذا خرج من بلده إلى بلد تبعد ثلاثين كيلو متر، وذهابه إلى هذا البلد لم يكن بنية، فإنه إذًا لا يقصر إذا وصل لهذا البلد لأمرين:
الأمر الأول: أنه ليس له نية.
والأمر الثاني: أنه دون مسافة قصر.
لكن لنفرض أنه أراد أن يتمِّم سفره، وأن يذهب إلى مكان ومدينة تبعد عن المدينة التي وصلها بلا نية، تبعد خمسين كيلو مترًا كما ذكر السائل.
وهذه المدينة تبعد عن مكانه الذي وصله بلا نية، تبعد خمسين كيلو مترًا كما تقدَّم، وهي أيضًا تبعد عن مدينته الأساس التي يسكنها تسعين كيلو مترًا أو ثمانين كيلو مترًا وهكذا.
فيقال أيضًا: إذا وصل هذه المدينة فإنه لا يقصر؛ لأن النظر يكون بإنشاء النية من المدينة التي انطلق منها، فهو إنما أنشأ نيته من مدينة وصلها وهي تبعد ثلاثين كيلو مترًا، فلا يحسب المسافة من بلده الأساس، وإنما يحسبها من المكان الذي أنشأ فيه نيته.
وإذا قدر المسافة بينهما وجد المسافة أقل من أربعة برد بأن تكون خمسين كيلو مترًا كما تقدم بيانه، فإذًا في مثل هذا لا يقصر ولا يترخص برخص السفر، ولا يقال: إنه سافر سفرًا طويلًا.
فإذًا، إن نوى السفر من مكان فإن المسافة تحسب من هذا المكان الذي نواه، وهذا الذي قرره الشافعية، والحنابلة، وهو مقتضى قول القائلين باشتراط النية، أي: أن ينظر إلى المكان الذي يريد أن ينطلق منه، وقد نوى السفر منه، هذا هو الجواب على ما ذكر السائل.