والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين..
إن الله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال في القرآن لتقريب المعنى للأفهام لعلنا نتفكر ونعي ونتقي ومن الأمثال التي ضربها لنا في القرآن الكريم والذي هو كلام الله جلا وعلا في كلمة التوحيد التي إذا تغلغلت إلى قلب المؤمن بصدقه وإيمانه بالله بها، خرجت أثار تلك الكلمة إلى الأعمال الصالحة المخلصة لله تعالى ورفع الله تلك الأعمال إليه وجاز بها صاحبه وكيف أن الكفر والشرك بالله إذا وقر في قلب الكافر كيف تظهر أثار الكفر على أعماله السيئة والمحبطة لكل عمل يقوم به ولا يرفع له عمل للسماء ولنأتي الآن إلى شرح هذه الآية الكريمة .
” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)إبراهيم: ٢٤ – ٢٦
يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية عن ابن عباس ، قوله:( كلمة طيبة ) ، شهادةُ أن لا إله إلا الله =( كشجرة طيبة ) ، وهو المؤمن =( أصلها ثابتٌ ) ، يقول: لا إله إلا الله ، ثابتٌ في قلب المؤمن =( وفرعها في السماء ) ، يقول: يُرْفَع بها عملُ المؤمن إلى السماء.
وقال : ذلك المؤمنُ ضُرِبَ مثله . قال : الإخلاصُ لله وحده وعبادته لا شريك له ، قال:
( أصلها ثابت ) ، قال: أصل عمله ثابتٌ في الأرض =( وفرعها في السماء ) ، قال: ذكرُه في السماء.
وقال البخاري :عن ابن عمر قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” أخبروني عن شجرة تشبه – أو : كالرجل – المسلم ، لا يتحات ورقها [ ولا ولا ولا ] تؤتي أكلها كل حين ” . قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” هي النخلة ” . فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتا ، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة . قال : ما منعك أن تكلم ؟ قال : لم أركم تتكلمون ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا . قال عمر : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا .
ومن هنا يتيبن لنا أن المؤمن مثله كمثل شجرة ، لا يزال يوجد منها ثمر في كل وقت من صيف أو شتاء ، أو ليل أو نهار ، كذلك المؤمن لا يزال يرفع له عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين .
وأما الكافر فوصفه الله بقوله تعالى:” وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ” (26)
يقول الطبري رحمه الله في تفسيره : عن ابن عباس قوله:( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) ، ضرب الله مثل الشجرة الخبيثة كمثل الكافر . يقول: إن الشجرة الخبيثة اجتُثّت من فوق الأرض ما لها من قرَار. يقول: الكافر لا يُقْبَل عمله ولا يصعَدُ إلى الله ، فليس له أصل ثابتٌ في الأرض ، ولا فرعٌ في السماء . يقول: ليس له عمل صَالحٌ في الدنيا ولا في الآخرة.
وقيل أن الشجرة الخبيثة هي الحنظلة أي أنه لا أصل لها في الأرض يثبت عليه ويقوم وضرب الله هذا مثلاً في الشرك أنه لا يقوم له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان ولا يرتفع معه عمل إلى الله عز وجل.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : عن أنس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقناع عليه بسر ، فقال : ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال : ” هي النخلة ” وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)قال : ” هي الحنظل ” قال شعيب فأخبرت بذلك أبا العالية فقال : كذلك كنا نسمع .
وقوله : ( اجتثت ) أي : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) أي : لا أصل لها ولا ثبات ، كذلك الكفر لا أصل له ولا فرع ، ولا يصعد للكافر عمل ، ولا يتقبل منه شيء .
ويقول ابن القيم رحمه الله من كتاب إعلام الموقعين :
“والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت”.
ويقول رحمه الله في حكمة تشبيه المؤمن بالشجرة :” وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق به ويقتضيه علم الذي تكلم به وحكمته فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين وساقها الإخلاص وفروعها الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضي فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه”
ويقول :” منها أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها فإذا قطع عنها السقي أوشك أن تيبس فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر وإلا أوشك أن تيبس”.