طاغوت الحرية
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أما بعد.
فإن من أعظم سمات أهل الإيمان تعظيمَهم للنص الشرعي، واستجابتَهم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى {فلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }، وقال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}
وإن الشيطان وحزبه مجتهدون في زيغ بني آدم، ومن حبائلهم ومكرهم في ذلك الدعوةُ للغلو في الحرية فإنه من أسباب رد الشريعة وتحريفها .
وليعلم أننا عبيد لله وأن العبد لا يخرج عما يريده سيده ومولاه سبحانه، ولأجل عبادته خلقنا، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
والعبودية لله أشرف مقام وأعظم منة ونعمة فقد وصف الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية في مقام عظيم فقال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}، ومقتضى العبودية لله ألا نخرج عن الحرية التي جعلها لنا سيدنا سبحانه وتعالى، فإذا ضيق ضيقنا وإذا وسع وسعنا، وإن الدعوة إلى الحرية لإسقاط التكاليف الشرعية مخالفٌ لعبودية سيدنا سبحانه بل يجب أن تقيد الحرية بما أذنت به الشريعة خلافًا للعلمانيين والليبراليين أذناب الغرب وخلافًا لقادات الإخوان المسلمين كالقرضاوي وأمثاله مطايا الغرب.
وقد حاول هؤلاء أن يلبسوا طاغوت الحرية لباس الشرع فتسقط الأحكام الشرعية باسم الشرعية وقد استدلوا مخادعين بأمور منها:
الأمر الأول/قوله تعالى { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } فقال هؤلاء الملبسون: إن الآية دليل على حرية الأديان، وكل يعبد الله بأي دين شاء!
وهذا الاستدلال خطأ قطعًا وذلك أن الآية سيقت على وجه التهديد لا على وجه الإقرار، لذا تمام الآية {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}
الأمر الثاني/قوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فقالوا: كلٌ حر فيما يعتقد .
وهذا الاستدلال خطأ قطعًا، فقد ذكر العلماء ومنهم ابن كثير في تفسيره أن المراد بهذه الآية أحد أمرين:
الأول / أنها منسوخة بآيات الجهاد لما قوي المسلمون وإنما كانت وقت الضعف .
الثاني/ أنها فيمن يدفع الجزية من أهل الكتاب الذين يدخلون تحت حكمنا وسيطرتنا فيبقون على دينهم مقابل أن يدفعوا الجزية.
إذا تبين وهاء وضعف ما استدل به دعاة طاغوت الحرية فإن الأدلة كثيرة في ضبط الحرية بقيود الشرع ومن هذه الأدلة:
الدليل الأول/ كل دليل في إقامة الحدود ردٌ على طاغوت الحرية؛ كإقامة الحد على الزاني وشارب الخمر، فإنها عقوبة لهم ولو تراضوا ورضوا؛ لأن فعلهم مخالف للشريعة .
الدليل الثاني/ كل دليل في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو مخالف لطاغوت الحرية قال تعالى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}
الدليل الثالث/ الأدلة التي تأمر بقتل من ترك الدين الإسلامي وارتد مخالفة لطاغوت الحرية كما روى البخاري عن عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من بدل دينه فاقتلوه ”
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فكم جرّ طاغوت الحرية على المسلمين من سفك الدماء وإزهاق الأنفس، وانتهاك الأعراض، وتدمير الدور، وتيتيم الأطفال، وترميل النساء أيام ما يسمى بالربيع العربي بأن قامت الثورات في البلدان الإسلامية فصفق له أناس مناشدين للحرية -المزعومة- ضاربين بالأدلة الشرعية المحرمة للمظاهرات والخروج عُرض الحائط، فكانت النتيجة أن زاد هوانهم وذلهم وتشردهم وفقرهم.
ومن العجائب الغرائب والأوابد الفرائد ما ذكره داعية الفتنة يوسف القرضاوي ومن تبعه من أن الحرية مقدمة على الشريعة !!
يالله! وهل خلقنا للحرية حتى نقدمها على الشريعة؟
أخرج ابن أبي حاتم عن الإمام سفيان الثوري أنه قال: كان يقال: اتقوا فتنة العالم الفاجر العابد الجاهل فإنهما فتنة لكل مفتون ” وصدق رحمه الله
فبطاغوت الحرية حرف الدين وأفسدت الدنيا.
فلنكن عبيدًا لله لا نتجاوز شرع الله، ولنقيد الحرية بشرع الله فلا أحكم ولا أعدل من الله حتى ننجو يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون { واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}
أسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم
اللهم اجعلنا لشرعك متمسكين وبرضاك فائزين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين