قطع وسائل الشرك
أحمد بن ناصر آل عبدالله
بسم الله الرحمن الرحيم
[ قطع وسائل الشرك ]
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لشرعه يخضع من يعبد ، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص لله وتعبد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة مستمرة على الزمان المؤبد .
أما بعد عباد الله : (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
عباد الله : إذا ذُكِرت نِعَم الله وعُدَّت، فإن أجلَّها وأفضلها: توحيد الله وإفراده بالعبادة؛ إذ هي النعمة التي لا أعظم منها ولا أتمّ، إنها النعمة التي تتصاغَر أمامها كلُّ النعم، والمنة التي من فقدها حلت به النِّقَم، إنه الغاية من خلق الجن والإنس، به أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولأجله
نصبت الموازين،ووضعت الدواوين،وقام سوق الجنة والنار.
وهو حق الله على جميع العباد؛ قال جل وعلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
ويكفي من فضائله ما قاله الحافظ ابن رجب: ( فإن التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: « فَمَا دُفِعَتْ شَدَائِدُ الدُّنْيَا بِمِثْلِ التَّوْحِيدِ، وَلِذَلِكَ كَانَ دُعَاءُ الكَرْبِ بِالتَّوْحِيدِ وَدَعْوَةُ ذِي النُّونِ الَّتِي مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فَرَّجَ اللهُ كَرْبَهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَلاَ يُلْقِي فِي الكُرَبِ العِظَامِ إِلاَّ الشِّرْكُ وَلاَ يُنْجِي مِنْهَا إِلاَّ التَّوْحِيدُ ).
التوحيد أغلى شيء وأنفسه في هذه الدنيا، ولئن كان
أرباب كنوز الدنيا يخافون عليها الضياع والسلب، فإنَّ خوف أهل التوحيد على توحيدهم أعظم من ذلك وأشد، ولئن كان خوف أرباب الدنيا يعظم عندما يكثر السلب والنهب، فإنَّ خوف أهل التوحيد يزداد عندما تكثر الفتن والصوارف والصواد وما أكثرها في هذا الزمان، فاللهم سلم سلم.
وبضده الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفره الله تعالى من بين سائر الذنوب كما قال تعالى: [إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا] ، وأوجب لمن وقع فيه النارَ وحرّم عليه دخول الجنة، كما قال تعالى: [إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ] كلّ هذا يحملنا على الخوف من الشرك باجتنابه ورعاية جناب التوحيد، كما قال إبراهيم عليه السلام: [وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ]
روى أبو نعيم عن مجيب بن موسى ، قال: كنت عديل سفيان الثوري إلى مكة، فكان يكثر البكاء، فقلت له: يا أبا عبد الله؛ بكاؤك هذا خوفاً من الذنوب؟ قال: فأخذ عودا من المحمل فرمى به وقال: «لذنوبي أهون علي من هذا ، ولكني أخاف أن أسلب التوحيد».
وأنشد ابن القيم:
واللهِ مَا أخْشَى الذُّنُوبَ فإنِّهَا لَعَلَى طَرِيقِ العَفْوِ والغُفْرَانِ
لَكنّمَا أخْشَى انْسِلاخَ القَلْبِ مِنْ تَحْكِيمِ هَذا الشَّرْعِ والقُرآنِ
عباد الله : إن ما تنعم به هذه البلاد من صفاء التوحيد، ونقاء المعتقد أقضَّ مضاجع عباد القبور والمنافقين، وكدر الصفو على المبتدعة والمخرفين ، للعودة بالأمة إلى الشرك بعد إذ أنقذها الله منه، وذلك بإحياء أعمال شركية، وبعث بدع كفرية، والمناداة بالبناء على القبور وإبراز الآثار القديمة، وجعلها مزاراتٍ معظمةً.
ولقد اتفقت كلمة الأمة على التحذير من تعظيم القبور قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين: أولهما: تعظيم قبور الصالحين، وتصوير تماثيلهم؛ للتبرُّك بها، وهذا أول الأسباب التي بها ابتدع الآدميون، وهو شرك قوم نوح”.
لذا نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في تعظيم قبور الصالحين بالبناء عليها وإسراجها .
وتجصيصها والكتابة عليها ؛ لأن هذا يفضي إلى عبادتها
وطلب قضاء الحوائج من الموتى .
أما أولئك فأظهر لهم الشيطان هذا الغلو في قالب تعظيمه ومحبته وأن عدم الغلو فيه تنقيص له وحط من قدره .
وقد وقع في هذه الأمة مثل ما وقع لقوم نوح .
فأمر صلى الله عليه وسلم بتسوية ما بني منها عليه وذلك حتى يقضي على كل المظاهر التي تكون سببا في وقوع الأمة في الإشراك بالله تعالى.
فقد أخرج مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا واوصاه أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته)
ولما فتح مكة كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بالقوس ويقول: جاء الحق وزهق الباطل. والقصة مبسوطة في الصحيحين.
وفي البخاري أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي: ألا تريحني من ذى الخلصة؟ قال جرير: فانطلقت إليه في خمسين ومائة فارس من أحمس حتى حرقتها.
وروى ابويعلى والبيهقي وقال في المختارة باسناد صحيح أنه بعث خالد بن الوليد إلى نخلة فهدم العزى، وبعث أبا سفيان والمغيرة لهدم اللات، وأرسل سرية أخرى لكسر مناة، وأخرى إلى سواع.
وسار خلفاؤه امن بعده على هذه السنة :فهذا أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلي الله عليه وسلم ” فقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها; فخاف عليهم الفتنة”.
وأمر الخليفةُ العباسي المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، ونودي في الناس: من وُجِد هنا بعد ثلاثة أيام ذهبنا به إلى السجن .
في مسيرة من تاريخ الأئمة المصلحين الى أن قامت دعوة الإمام المجدد قال ابن غنام في تاريخه: ” خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومعه عثمان بن معمر وكثير من جماعتهم إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ هو الذي هدم قبة زيد بن الخطاب بيده “
ولما تحالف الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، مع محمد بن سعود رحمه الله أمير الدرعية، الذي ناصر دعوة التوحيد فتبايع الأمير والشيخ على نصرة التوحيد، فاتسع نفوذ تلك القرية وقويت تلك الدولة
وفي أيام الإمام عبدالعزيز بن محمد توجَّه ابنه سعود بن عبد العزيز إلى كربلاء وهدم القبة الموضوعة على قبر الحسين، وكان رحمه الله يقول: “أرهوا بالعوامل الفواريع -الفؤوس- نهدم بها الأوثان”
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب لما دخلوا مكة حرسـها الله زمن الإمام سعود : “فبعـد ذلك أزلنا جميـع ما يُعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه. حتى لم يبقَ في البقعة المطهرة طاغوت يُعبَد، فالحمد لله على ذلك”
إلى أن قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الإمام المصلح الملك عبدالعزيز وكانت مكة والمدينة فيهما مظاهر شركية واضحة في البقيع والمعلاة، يقول محمد علي المغربي “حينما استولت الحكومة على الحجاز أول عمل قامت به هو هدم قبة حواء..”، ووجه الملك عبدالعزيز رسالة إلى إمام الحرم في ذلك الوقت بإزالة القباب فكان ذلك إزالة لمظاهر الشرك.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (لا يجوز إبقاء مواضع
الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبتة .
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم، اللهم زدنا إيمانا وتوحيدا ويقينا وفقها يا رب العالمين .
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
في هذه البلاد الواسعة لا معابد فيها الا المساجد قد طهرها الله من نجس المشاهد التي يعبد فيها غير الله بدعائهم والاستغاثة بهم والطواف بقبورهم والسجود على عتباتهم فلله الحمد ، بذلك أصبحت الجزيرة العربية منارة أمن ورخاء واستقرار منذ قيام الدولة السعودية الأولى إلى يومنا هذا.
عباد الله : عضُّوا على التوحيد بالنواجذ؛ حتى تلقوا ربكم عليه، واحذروا مما يروج له أعداء الله من الرافضة المخذولين، أو الصوفية المخرفين ، أوالحزبيين المميعين أهل دنيا، يريدون التجميع، وأذكياء عرفوا أن التّجميع لا يجتمع مع التوحيد، التوحيد فُرقان، قال أهل مكة عن محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جاءنا بأمر فرّق بين الوالد وابنه والأخ وأخيه والزّوج وزوجه، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ لأجله لم يجعلوا له النصيب الوافر فضلا عن أن يكون أساس دعوتهم .
تفقّدوا توحيدكم كل يوم، اعرفوا معناه، وادعوا إليه، والهجوا بذكره في المجالس، في الأعمال، في البيوت، اغضبوا لأجله، وارضوا لأجله، وأحبّوا لأجله وأبغضوا لأجله ليكن الحب والبغض والبلاء والولاء والبراء والعطاء والمنع في التّوحيد وأهل التوحيد، إنّ هؤلاء هم أهل التوحيد حقيقة،
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلّم بلاد التوحيد، ونسأله عز وجل أن ينصر أهل التوحيد، اللهم اكبت المشركين، واقبع المعاندين والمنافقين، اللهم إنا نسألك النصر لأهل الإسلام يا رب العالمين، اللهم من أراد بلدنا هذا وبلاد المسلمين بسوءٍ فابطش به، واجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك أن تعز دينك، اللهم إنا نسألك أن تعز دينك، ودعوة التوحيد التي أرسلت بها رسلك .
اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .