قواعد في منهج أهل السنة والجماعة
عبدالله بن صالح العبيلان
قواعد في منهج أهل السنة والجماعة
لفضيلة الشيخ
عبد الله العبيلان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه قواعد في منهاج أهل السنة والجماعة تأليف فضيلة الشيخ عبد الله العبيلان حفظه الله تعالى، كان قد قرأها على فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى، فأقرها كلها ولله الحمد.
وقد جاءت هذه القواعد في ثلاثة أشرطة، أحببت نشرها لعل الله أن ينفعنا بها.
القاعدة الأولى: أن الدين مبني على أصلين عظيمين، الأول ( الإخلاص ) لقولهتعالى:{ ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن } وقوله تعالى:{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } وقوله:{ قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين }، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري ومسلم . الثاني ( متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ) بأن يكون العمل موافقاً لما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى:{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم، وقوله تعالى :{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ولم يقل أيكم أكثر عملا؛ قال الفضيل بن عياض رحمه الله :” إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة “.
القاعدة الثانية: أن الدعوة والعبادة الصحيحتين لا تقومان ولا تؤخذان إلا من القرآن وصحيح السنة والأثر، لقوله تعالى:{ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء } وقوله:{ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } وقوله:{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } وقوله:{ والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقوله:{ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } وقوله:{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه }الآية، وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي ) رواهالحاكم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( أصحابي أمان لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ) رواه مسلم.
القاعدة الثالثة: أن أهل السنة والجماعة لا يستقلون بفهم القرآن عن السنة، لقوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول }، وقوله: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }، وقوله: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ) الحديث، رواه أحمد وأبوداود وغيرهما. وعن العرباض بن سارية قال: ” وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلت: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا”. فقال: ( أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” سيأتي أناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل “.
القاعدة الرابعة: أنهم لا يستقلون بفهم الكتاب والسنة عن فهم السلف الصالح، لقوله تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً }، ولقوله: { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان }، وعن عبدالله بنمسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ) الحديث، متفق عليه، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين كلهم في النار إلا ملة واحدة ) قالوا: ما هي يا رسول الله. قال: ( ما أنا عليه وأصحابي ) رواه الترمذي، وفي روايةٍ عند أحمد وأبي داود عن معاوية، فسر الناجية بأنها الجماعة. وفي حديث العرباض المتقدم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين )، وعن عائشة قالت :” تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منهآيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:” الخوارج شرار الخلق عند الله، انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين “. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:” من كان منكم متأسياً فليتأسَ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”. وقال الأوزاعي:” اصبر نفسك على السنة، و قِفْ حيث وَقَفَ القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم“.
القاعدة الخامسة: أنهم أول ما يدعون إليه التوحيد؛ فلا تصلح عبادة ولا دعوة إلا به، لقوله تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }، وقوله:{ ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون }، وقوله:{ لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له:(إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ) الحديث، رواه البخاري ومسلم. وكما بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوته بالتوحيد فقد ختمها بالتوحيد أيضا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:” لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طفِق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحذر مما صنعوا ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ” رواه البخاري ومسلم.
القاعدة السادسة: أنهم أول ما يبدؤون دعوتهم، بدعوتهم بما بدأ به الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيقدمون ما قدمه الله ورسوله صلى اللهعليه وآله وسلم، ويؤخرون ما أخره الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد لقوله تعالى:{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }. وعن يوسف بن ماهك قال:” إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك وما يضرك. قال: يا أم المؤمنين أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإني لجارية ألعب: { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر }.وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده” رواه البخاري، وفي صحيح مسلم من حديث جابر في صفة الحج : ( أبدأ بما بدأ الله به ).
القاعدة السابعة: أنهم يعظمون جميع أمور الدين، فيدعون إلى جميع ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قدر استطاعتهم، لقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة }، قال ابن كثير:” يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه, والعمل بجميع أوامره, وترك جميع زواجره, ما استطاعوا من ذلك . . . وقال مجاهد:” أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر”. وقال تعالى:{ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب }، وعن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( عباد الله، لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) رواه الشيخان، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ) رواه أحمد وابن ماجه، وعن الأزرق بن قيس قال: صلى بنا إمام لنا يكنى أبا رمثة. فقال صليت هذه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه ثم انفتل كانفتال أبي رمثة يعني نفسه، فقام الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع، فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال اجلس؛ فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنهم لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصره فقال: ( أصاب الله بك يا ابنالخطاب ) رواه أبو داود وأحمد. فانظر رحمك الله إلى ما يؤديه ترك مثل هذه السنن من الاختلاف والهلاك، وكيف حسدنا عليه اليهود، بالرغم أنها في نظر بعضهم صغيرة؛ ولما قيل لسلمان رضي الله عنه:”قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل. ولم ينكر عليه ذلك” رواه مسلم.
القاعدة الثامنة: أنهم لا يعارضون النصوص بعقولهم ولا بآرائهم ولا بأذواقهم ولا بقول رجال مثلهم، لقوله تعالى:{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب }، وقوله:{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا }، وقوله:{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( إن الله لا ينزع هذا العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يُسْتَفْتَوْن فيفتون برأيهم، فيَضلون ويُضلون ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وعن علي موقوفا:” لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه “رواه أبوداود، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال:” اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ. فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَىَ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بدية الْمَرْأَةِعَلَىَ عَاقِلَتِهَا، وَوَرّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النّابِغَةِ الْهُذَلِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ، وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلّ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يطَلّ، فَقَالَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم “إِنّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهّانِ” مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الّذِي سَجَعَ.”
القاعدة التاسعة: أن ظهور المسلمين وصلاح أحوالهم مربوط بأمرين: وهما العلم النافع والعمل الصالح، لقوله تعالى:{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } الآية، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللّهُ بِهِ عَزّ وَجَلّ مِنَ الْهُدَىَ وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً. فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيّبةٌ. قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُأَمْسَكَتِ الْمَاءَ. فَنَفَعَ اللّهُ بِهَا النّاسَ. فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا. وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَىَ. إِنّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللّهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلّمَ. وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً. وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللّهِ الّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )، وعن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: ( ذاك عند أوان ذهاب العلم ). قلت: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرئه، ويقرؤه أبناؤنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة. قال: ( ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعلمون بشيء مما فيهما ) رواه أحمد وابن ماجه، وفي حديث عدي بن حاتم: (إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى ) الحديث رواه أحمد والترمذي وغيرهما، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:” لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشرمما كان قبله، أما إني لا أعني أميراً خيراً من أمير، ولا عاما أخصب من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يفتون في الأمور برأيهم ).
القاعدة العاشرة: أنهم يعتقدون أن الجماعة أصل من أصول دينهم، لقول اللهتعالى:{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }، قال ابن مسعود في تفسير الآية:” حبل الله الجماعة ” رواه ابن جرير، وفي حديث الافتراق لما سئل عن الفرقة الناجية قال : ( الجماعة )، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولاه الله أمركم؛ ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، قال الشافعي رحمه الله:” فإن قلتَ: ما معنى أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في لزوم جماعته؟ قلتُ: لا معنى له إلا واحدة. فإن قلت: فكيف لا يحتمل إلا واحدة ؟ قلتُ: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم أبدان أقوام متفرقين، وقد وجدتالأبدان تكون مجتمعة في المسلمين والكافرين الأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم جماعتهم معنى إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم ومن خالف ما تقول به جماعتهم فقد خالف جماعتهم التي أُمر بلزومها”، فقال أبو شامة رحمه الله:” حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة المراد لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف كثيراً؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا ننظر إلى كثرة أهل الباطل مِن بعدهم ).