256
كلمات عن ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي
سعيد بن إبراهيم الحبابي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و مغفرته
فهذه كلمات في ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي ، أسأل الله أن يجعلها ذخرا للمرسل يوم يلقاه .
كيف نحتفل ؟!
مما لاشك فيه أن أياماً كثيرة وعظيمة في حياة الأمة الإسلامية ، فرح بها المتقدمون ، ويفرح بها المسلمون المتأخرون إلى يوم القيامة ، ومن هذه الأيام يوم المولد النبوي ، يوم الإسراء والمعراج ، ويوم فتح مكة ، ويوم الانتصار في بدر ، وأيام أخرى . ولاشك أيضاً أن كل مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً صلى الله عليه وسلم، قد يحزن حزناً عميقاً يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، ويود المسلم المحب لنبيه صلى الله عليه وسلم حباً حقيقياً لو أنه خسر ماله وأهله ليحظى برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار ، كما صح الخبر الذي رواه مسلم في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ))[مسلم] .
فما هي الكيفية التي يحزن بها ، أو يفرح بها المسلم ؟ وما هي حدود الفرح والحزن ؟ وبمن نقتدي في التعبير عن ذلك في خلال حياتنا ؟
ولكي نتعرف على الإجابة الصحيحة ، لابد أن نعرف ما يلي :
-
لقد منع النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة من اتخاذ يومين كانوا يلعبون فيهما كل عام ، على حسب العادة المتبعة عندهم ، وقال لهم : (( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ))[النسائي صحيح الجامع :4460] قال شيخ الإسلام رحمه الله : \”والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه \”[اقتضاء الصراط:1/386].
-
ومن جهة أخرى : أن النبي صلى الله عليه وسلم طول حياته وهو الحريص على ما ينفع أمته ويسعدهم في الدنيا والآخرة لم يأمر قرابته ولا صحابته رضي الله عنهم أجمعين بالاجتماع أو الاحتفال والفرح في ذكرى يوم مولده ، أو يوم الإسراء والمعراج ، أو يوم السابع عشر من رمضان ، أو أي يوم آخر من الأيام التي يُحتَفلُ بها الآن ، ولا في غيرها من المناسبات العديدة ، مع وجود الداعي والمقتضي لذلك ، وعدم وجود مانع لإقامة الاحتفال أو الاجتماع !!
-
من ذلك ومع غيره من الأدلة فهم العلماء من سلفنا الصالح : أن اتخاذ يوم للاحتفال أو الاجتماع لا يكون إلا عن طريق الوحي ، وأن ذلك تشريع وليس من العادات المباحة التي يحق للناس فعلها ، فمثل ذلك مثل القبلة ، والصيام ، ومشاعر الحج ، والآذان والإقامة ، والغسل من الجنابة ……إلخ و قد قال صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) [البخاري و مسلم] .
-
والعيد : هو اسم لكل ما يعود من الاجتماع ، فلا يصح تخصيص يومٍ للاجتماع للحزن ، أو للذكر ، أو للفرح والسرور ، إلا بدليل شرعي ثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أو إجماع الصحابة ، ولا يتوفر ذلك الدليل إلا ليومي : الفطر والأضحى من كل عام ، وليوم الجمعة من كل أسبوع . فهذه الأيام الثلاثة هي أعيادنا نحن أمة الإسلام لا رابع لها البتة .
-
ولقد مرت القرون الثلاثة وجزء من القرن الرابع الهجري والأمة كلها على هذا الأمر ، لا تعرف إلا أعياد الفطر و الأضحى و الجمعة حتى ظهرت الدولة العبيدية في مصر ، والتي تسمت بالدولة الفاطمية ، فأقاموا احتفالات المولد النبوي ، وعدة موالد أخرى ، كما ذكر ذلك أهل العلم .
-
وإن مما يلفت الانتباه أيضاً ، اختلاف العلماء في تاريخ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً عدم ثبوت يوم الإسراء والمعراج ، وهذا فيه دلالة واضحة على أنه لم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم لهذين اليومين اجتماعاً أو احتفالاً فكانت تمر هذه الأيام كغيرها من الأيام .وكذلك كان الأمر في عهد الخلفاء الراشدين ، وفي عهد الأئمة المهديين.
-
إذاً الأولى للمسلمين ترك ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم و ترك ما تركه آل بيته وصحابته رضي الله عنهم أجمعين وترك ما تركه العلماء من سلف هذه الأمة كالأئمة الأربعة رحمهم الله أجمعين فهؤلاء هم القدوة وعلى رأسهم سيدنا وأسوتنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . و لو كان خيراً لسبقونا إليه ، و لكانوا به أحرى !! فكيف نحتفل نحن و هم لم يَحْفلُوا به؟!!