ماذا قال أهل العلم في أثر: ((خدرت رِجل ابن عمر، فقيل له: اذكر أحب الناس إليك، فقال: ((يا محمد))، رواية ودراية.
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
ماذا قال أهل العلم في أثر: ((خدرت رِجل ابن عمر، فقيل له: اذكر أحب الناس إليك، فقال: ((يا محمد))، رواية ودراية.
يقال جوابًا على هذا السؤال: أما هذا الحديث، فهو من جهة الرواية صحيحٌ فيما رأيت من أسانيده، فقد أخرجه البخاري في “الأدب المفرد”، والدارقطني في كتابه “العلل” والجعد في”مسنده”، وإسناده صحيح، وبعض أهل العلم ضعَّفه؛ لأن أبا إسحاق السبيعي قد عنعن فيه، وذكر إن أبا إسحاق السبيعي مُدَلِّس.
ولكن الذي يظهر – والله أعلم- من صنيع الإمام البخاري ومسلم وغيرهم من العلماء الأولين أن تدليس أبى إسحاق السبيعى تدليس قليل بالنسبة لرواياته؛ لذلك الأصل قبول ما عنعنه – رحمه الله تعالى -.
فالذي يظهر – والله تعالى أعلم- أن هذا الأثر صحيحٌ ثابتٌ عن ابن عمر رضي الله تعالى.
وأن قول ابن عمر: ((يا محمد)) ليس محرمًا، وليس دعاء شركيًا؛ فإن بعضهم قد يظنه دعاء شركيًا؛ من أجل هذا يحرّمونه، ويصفه بأنه شرك، وهذا خطأ.
ينبغي أن يُعلَم أن الدعاء الشركي هو النداء المقرون بطلب، سواء كان الطلب حقيقيًا، أو حكميًا، فأما النداء غير مقرون بطلب فليس شركًا، كما ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزنون))، هذا نداء، لكن ليس شركًا؛ لأنه ليس فيه طلب، ونحن نقول كما في الصحيحين عن ابن السعود في التحيات: ((السلام عليك أيها النبي))، يعنى: يا أيها النبي، هذا نداء، لكنه ليس شركًا؛ لأن ليس فيه طلب.
إذًا النداء الشركي ما كان مقرونًا بطلب، سواء كان الطلب حقيقيًا، أو حكميًا، فإذا قال القائل لميت كرسول الله صلى الله عليه وسلم “يا محمد”، “يا رسول الله أعطني كذا” صار شركًا أكبر؛ لأنه نداء مقرون بطلب، أو كما يفعل الرافضة عليهم اللعنة، أن نساءهم عند الولادة واشتداد الأمر، يقلن: “يا حسين”، “يا علي”، فهذا وإن كان نداءً، لا يُذْكَر معه طلب، لكن معه طلب حكمي، فهي تقول: “يا حسين”، “يا علي سهِّل عليَّ”، إلى غير ذلك.
إذًا الدعاء الشركي: هو الدعاء المقرون بطلب، سواء كان حكميًا أو حقيقًا، وهذا ما أشار إليه شيخ الإسلام ، وأصّل هذا في الدعاء والطلب العلامة محمد البشير السهسهواني في كتابه”رسالة الإنسان”، وشيخ الإسلام ابن تيميه كما في كتابه “منهاج السنة”.
إذًا النداء والدعاء الذي هو شركي هو مقرون بطلب، وإذا رجعنا إلى هذا الأثر لم نجد أن ابن عمر رضي الله عنه طلبَ شيئًا عندما قال: ((يا محمد))، نداءٌ بلا طلب.
فإن قيل: كيف يذهب الخدر عندما قال ((يا محمد))؟
فيقال: يذهب الخدر؛ لأنه لما ذكر أحب الناس إليه، تنشط بدنه، وتنشطت -كما يقال:- الدورة الدموية، وبعد ذلك زال خدره بسبب ذكر أحب الناس إليه، ولما تنشطت حركة الدم فذهب خدره.
إذًا الذي يهمّني أن فعل ابن عمر ليس شركًا، وليس له علاقة بالشرك؛ لأنه نداء غير مقرون بطلبٍ، وقد جاءت رواية في “مسند الجعد” أنه قيل له: ادعُ أحب الناس إليك، فقال: ((يا محمد))، وهذه الرواية لا تخالف رواية: ((اذكر أحب الناس إليك))؛ لأن الدعاء والنداء معناهما واحدٌ، والشرك منهما هو المقرون بطلبٍ، كما تقدم بيان ذلك.
لذا لا يُشَدَّد في هذه الرواية؛ بل يقال: إنها رواية صحيحة، سواء بلفظ: “أدع”، أو “اذكر”؛ لأن كليهما رواية بالمعنى، والرواية بالمعنى صحيحة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفقهنا في الدين، وأن يعلّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علّمنا، وجزاكم الله خيرا.