ما أعظم سبب لضعف الأمة الإسلامية وتأخر المسلمين؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
يقول السائل: ما أعظم سبب لضعف الأمة الإسلامية وتأخر المسلمين؟
يُقال جوابًا عن هذا السؤال: إن أسباب ضعف المسلمين كثيرة، لكن أهمها أو في مقدمها: تقصير المسلمين في توحيد الله رب العالمين، قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55]. أي: يوحدون الله سبحانه.
وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، وأعظم ما يكون به نصر الله هو أن يُنصَر سبحانه في توحيده.
وقال سبحانه: {وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:6]. هذا وعد من الله، أن من نصرالله نصره الله سبحانه، وأعظم ما يُنصَر هو القيام بالتوحيد، أنه سبحانه يعزه ويمكنه ويقويه ويجعل له الغلبة.
ومن عظيم مكانة التوحيد أن الله ابتدأ به في قوله: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23].
ورتب الفضائل الكثيرة على القيام بالتوحيد، والتمسك بكلمة التوحيد، كما قال سبحانه: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]، فمن وحَّد الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومفهوم المخالفة: من لم يفعل ذلك فإنه لم يتمسك بالعروة الوثقى.
ومما يدل على أهمية التوحيد أنه أول أمر في القرآن، وأول نهي في القرآن هو النهي عن ضده، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21]، أي وحِّدوا ربكم، ثم قال في آخر الآية: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22]، أي: لا تجعلوا لله شركاء ونظراء لله سبحانه وتعالى.
ومن عظيم أجر التوحيد أنه شُرع لنا في صلاة بعض النوافل أن تُقرَأ سورتا التوحيد، سورة الكافرون -وهي التوحيد العملي-، وسورة الإخلاص -وهي التوحيد الاعتقادي-.
فشُرِع قراءة هاتين السورتين في راتبة الفجر كما في “صحيح مسلم” من حديث أبي هريرة ، وفي صلاة الركعتين خلف المقام، كما ثبت في “مسلم” من حديث جابر، وفي راتبة المغرب، كما ثبت عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يقرؤونها، وهذا إن دل دل على فضل التوحيد.
ويكفي أن نعرف أن الشرك سبب لعدم مغفرة الذنوب، ولحبوط الأعمال وللخلود في النار.
قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48]، وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72].
وقال سبحانه للأنبياء: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام:88]، وقال الله مخاطبًا لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]، إذًا فغيره من باب أولى.
والمسلمون قد قصروا كثيرًا في القيام بالتوحيد، وكثيرٌ من المسلمين لا يعرف معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله، كثير منهم إذا سئل عن معناها قال لا قادر على الاختراع إلا الله، لا خالق إلا الله، وأرجع ذلك إلى توحيد الربوبية الذي أقر به كفار قريش ولم ينفعهم، ولم يعلموا أن معناها راجع إلى توحيد الإلهية، وهو أنه لا معبود بحق إلا الله.
وكثير من المسلمين يظن أن مجرد التلفظ بكلمة التوحيد لا إله إلا الله كاف للنجاة من النار، ولم يعلموا أنها مقيدة بالقيود الثقال، وأن لها شروطًا، ومن لم يأت بهذه الشروط لم تنفعه هذه الكلمة؛ فإنه لو كان مجرد التلفظ بها كافيًا في النجاة من النيران ودخول الجنان، لكان المنافقون من أهل الجنة؛ لأنهم قد تلفظوا بها.
وكثير من المسلمين قد قصد الأولياء والصالحين بالدعاء والنذر، فما أكثر المسلمين الذين يقولون مدد مدد يا رسول الله، مدد مدد يا ولي الله، أي أمدنا بالعون والتوفيق، وهذا هو الشرك الأكبر.
وكثير من المسلمين يأتي إلى القبور، وينذر إلى الأولياء والصالحين، ويذبح لهم.
وكثير من المسلمين قد وقع في وسائل الشرك من بناء الأضرحة على القبور، وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تخالف توحيد الله، بل مما قرأت أنه في إحدى الدول الإسلامية في يوم مولد من يسمونه صالحًا قد اجتمع عند قبره ثلاث ملايين، يذبحون له وينذرون له، ويدعونه من دون الله ، إلى غير ذلك من التقصير الكبير في توحيد الله رب العالمين ثم بعد ذلك نتساءل لماذا المسلمون متأخرون، ولماذا هم في حال ضعف
ومما زاد الأمر سوءًا والطين بلة، كما يقال، هو أن كثيرا من الدعاة قد قصر في دعوة الناس إلى التوحيد، فما أكثر الدعاة الذين اشتغلوا بالقضايا السياسية، وهذا خطأ، وليس هذا شأنهم، ولا ميدانهم، وكثير منهم قد اشتغل بالرقائق وبالوعظ، وهذا خير، لكن ترك ما هو أهم من ذلك وهو توحيد الله، والمفترض أن يجمع بينهما.
وكثير منهم اشتغل بجوانب أخرى من دين الله، وهذا خير، لكن المفترض أن يأتي مع تلك الجوانب بتوحيد الله، بأن يدعوا الناس إلى التوحيد في الخطب، وفي الدروس والكلمات بعد الصلاة، وفي كتابة الرسائل النافعة، وتوزيع بعض الرسائل النافعة بتوحيد الله.
وإني لأدعو المسلمين أجمعين أن يقرؤوا مؤلفات الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فإنها مفيدة للغاية في توحيد الله، ومن أنفعها “كتاب التوحيد”، و”كتاب الأصول الثلاثة”، و”كتاب القواعد الأربع”، و”كتاب كشف الشبهات”، وأن يقرؤوا رسالة عظيمة لشيخنا ابن باز بعنوان “العقيدة الصحيحة وما يضادها”، ورسالة أخرى بعنوان “قوادح في التوحيد”.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يمن علينا وعليكم وعلى المسلمين أجمعين بالقيام بتوحيد الله، وأسأل الله أن يثبتنا على ذلك حتى نلقاه، وهو راض عنا، وجزاكم الله خيرًا.