ما الأحكام المتعلقة بالعيد؟ ولو مختصرًا، وجزاك الله خيرًا.
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
ما الأحكام المتعلقة بالعيد؟ ولو مختصرًا، وجزاك الله خيرًا.
يقال جوابًا على هذا السؤال: إنه يتعلَّق بالعيد أحكامٌ عِدَّة، أذكر بعضَها مختصرًا، وقد فصَّلت كثيرًا من مسائل العيد في درسٍ مختصر “مِن أحكام العيدين”، وهو موجود في “موقع الإسلام العتيق” صوتِيًّا، لكن جوابًا على هذا السؤال، فإن للعيد أحكامًا، منها:
أنه يُستحبُّ الاغتسال يوم العيد، ثبت هذا عن ابن عمر، وعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- وعن جميع صحابة النبي ﷺ ، وذكر الإجماع على ذلك ابن عبد البر –رحمه الله تعالى-.
ويُستحَبُّ أيضًا: أن يلبس في يوم العيد الثوب الجديد أو أحسن الثياب، كما ثبت هذا عن ابن عمر عند البيهقي: أنه كان يلبس أحسن ثيابه، ويتجمَّل يوم العيد، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم.
ويُستَحبُّ لمن أراد أن يخرج لعيد الفطر: أن يأكل تمرات، كما ثبت في البخاري عن أنس قال:«كان النبي ﷺ إذا أراد أن يخرج يوم العيد يأكل تمراتٍ»، وعلَّق البخاري روايةً: «يأكلها وترًا»، وعلى هذا المذاهب الأربعة، أي: أنه يستحب أن يأكل تمراتٍ قبل أن يخرج لعيد الفطر.
وأيضًا يُستحبُّ في أثناء خروجه للعيد: أنه منذ خروجه يكبِّر، ثبت هذا عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- فيما أخرجه الفريابي والدار قطني: «كان يكبِّر في طريقه إلى صلاة العيد، وإذا جلس في مصلّاه يكبِّر حتى يخرج الإمام».
فإذًا يبتدئ التكبير من خروجه لصلاة العيد، وينتهي بخروج الإمام.
أما ما ذهب إليه بعض أهل العلم من أن التكبير يكون من ليلِ العيد فهذا خلاف قول أهل جماهير أهل العلم، وهو خلاف القول المعروف عن الصحابة وعن التابعين، كما ذكر ذلك ابن المنذر-رحمه الله تعالى-.
فإن قول الصحابة كابن عمر والقول المشهور عند التابعين: أن التكبير يكون منذ الخروج، لا من ليلة عيد الفطر، وهذا هو الصواب، أنه يكبِّر منذ خروجه، لِمَا تقدَّم من أثر ابن عمر.
ويُستحَبّ أيضًا في العيد: أن يذهب من أراد أن يصلي العيد منذ أن يصلي صلاة الفجر بالمسجد، ينطلق من المسجد إلى مصلى العيد، ثبت هذا عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- فيما أخرجه ابن أبي شيبة: «أنه إذا صلى الفجر ذهب إلى العيد، ويكبِّر في طريقه» كما تقدم، وإلى هذا القول ذهب مالك والشافعي وأحمد.
فإذًا يُستحَبُّ للمأموم أن يبكِّر منذ أن يصلي الفجر وينطلق إلى المصلَّى، ليصلِّي صلاة العيد.
ويُستحبُّ له أن يكون ماشيًا.
ثبت هذا عن عمر –رضي الله عنه- عند ابن أبي شيبة.
ويُستحَبُّ له أن يذهب من طريق وأن يرجع من طريق، كما ثبت في البخاري عن جابر قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم العيد خرج من طريقٍ، ورجع من طريق آخر»، وعلى هذا المذاهب الأربعة.
ويُستحبُّ له كما تقدم أن يكبِّر، وهذا الاستحباب ليس خاصًّا بالرجال بل هو للنساء أيضًا، وقد علَّق البخاري عن ميمونة: «أنها كانت تكبِّر»، وفي حديث أم عطية الذي أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري قال: «ويكبِّرن النساء».
وأيضًا علَّق البخاري: «أن النساء يكبِّرن مع الرجال في وقت عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه وأرضاه-».
فيستحب للنساء أن تكبِّر لكنها لا ترفع صوتَها، وإنما تقتصر على التكبير.
وأصحَّ ما ورد في الصِّيَغ التي يكبَّر بها – والله أعلم- ما ثبت عن ابن مسعود وأصحابه عند ابن أبي شيبة أنهم كانوا يقولون: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد»، فيكبِّر بهذه الصيغة، وهي المشهورة عند أهل العلم، وهي ثابتة عن ابن مسعود وعن أصحابه –رضي الله عنهم أجمعين-.
وممَّا يُستحبُّ: أن الإمام في صلاة العيد يخطب خُطبَتَين، وعلى هذا إجماع أهل العلم حكاه ابن حزم، وهو الذي عليه السلف، وعليه المذاهب الأربعة.
وأيضًا يُستحَبُّ أن يبتدئ الخطبة بالتكبير لا بالحمدلة، وهذا الذي عليه المذاهب الأربعة، وعليه كلام العلماء الأوَّلين من التابعين ومن بعدهم، أنهم يبتدئون الخطبة بالتكبير، ومنهم من يرى أن يبتدئ بالحمدلة بعد التكبير، وهذا هو الظاهر – والله أعلم- أنه يبتدئ بالتكبير، ثم بعد ذلك يأتي بالحمدلة.
أما ما شاع من الابتداء بالحمدلة دون التكبير فهذا خلاف قول السلف-رحمهم الله تعالى-.
وأيضًا يُستحَبُّ للإمام إذا صلى بالناس صلاة العيد أن يكبِّر في الركعة الأولى سبعًا مع تكبيرة الإحرام، وأن يكبِّر في الثانية خمسًا دون تكبيرة الانتقال، وهذا ثابت عن جمعٍ من الصحابة، وهو الذي عليه الفقهاء السبعة، وهو قول أهل المدينة.
وجاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصحَّحه البخاري: «أن النبي ﷺ كان يكبِّر في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم».
ويُستحَبُّ بين التكبيرات أن يدعو، وأن يذكر الله، كما ثبت عن عطاء عند عبد الرزاق.
ويُستَحبُّ له أن يرفع يديه عند التكبيرات، كما ثبت أيضًا عن عطاء عند عبد الرزاق، وهو قول أحمد والشافعي.
ويُستَحبُّ للمصلي أن يرفع يديه، يُستحَبُّ للإمام ولمَن خلفه أن يرفعوا أيديهم في الأولى، يرفعون مع كُلِّ تكبيرةٍ سبعًا، وفي الثانية خمسًا، يعني: إذا كبَّر تكبيرة الإحرام، يرفع لها، ثم يكبِّر بعد ذلك سبعًا، ويدعو بين التكبيرات إذا تيسَّر له، ويذكر الله أيضًا إذا تيسَّر له.
ولا يسن على أصح أقوال الصحابة وأهل العلم أن يصلِّي قبل العيد شيئًا ولا بعدها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس: « أن النبي ﷺ صَلَّى العيد ركعتين، لم يُصلِّ قبلهما ولا بعدهما»، لا يصلِّي قبلها شيئًا ولا بعدها، صلى الله عليه وسلم.
وما جاء من حديث أبي سعيد: «أنه إذا رجع صلى ركعتين في البيت»، فهذا الإسناد لا يصح – والله أعلم-؛ لأن في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، ومثله لا يُقبَل ما تفرَّد به.
ويُستحبُّ أن تكون صلاة العيد في المصلَّى، في أرضٍ مكشوفة، لا في المسجد؛ لِمَا ثَبَت في الصحيحين من حديث أبي سعيد: «أن النبي ﷺ خرج بهم في العيدين إلى المصلى ﷺ»، وإلى هذا ذهب مالك وأحمد وأبو حنيفة.
ومن فاتته صلاة العيد فله أن يقضيها ركعتين، ويكبِّر سبعًا في الأولى، وخمسًا في الأخرى، ثبت عن أنس –رضي الله عنه- أنه لما فاتته صلاة العيد قضاها، فلذلك تُقضَى صلاة العيد كغيرها من الصلوات، والقضاء يحاكي الأداء بأن يكبِّر في الأولى سبعًا، ويكبر في الثانية خمسًا.
ولو قُدِّر أنه جاء إلى المصلَّى والخطيبُ يخطب، لكن فاتته الصلاة، فالأفضل أن يستمع للخطبة، فإذا انتهت الخطبة يقوم ويصلِّي، ولو وجد معه من يصلي جماعة فهذا أفضل، ويكبِّر سبعًا في الأولى، وخمسًا في الأخرى، ولو قُدِّر فاتته الركعة الأولى، فإنه يقضيها ويكبِّر سبعًا، كما هو الحال مع الإمام.
هذه هي أشهر المسائل المتعلقة بأحكام العيدين.
وقبل أن أختم الكلام حول ذلك أنبِّه إلى أن الأعياد عند المسلمين عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، كما ثبت عند أبي داود والنسائي من حديث أنس: «أن النبي ﷺ قَدِم المدينة، ولهما يومان يلعبون فيهما، قال: «قد أبدلكما الله بهما خيرًا منهما، يوم الفطر والأضحى».
فليس للمسلمين إلا عيدان، وهذان العيدان يحرم صومهما، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد.
فعيد الفطر يومٌ واحد.
وهذا اليوم يجوز للنساء أن تضرِب فيه الدُّفَّ لا الطبل، فإن هناك فرقًا بين الدف والطبل، الطبل يكون مغطَّى مِن جِهتَين، أما الدف فمِن جِهةٍ واحدة، ويجوز للنساء أن تضرب الدف دُوْن الرجال، ولهن أن يستمعن لتسجيلٍ في ذلك، لكن يكون التسجيل للدف لا للطبل.
ثم ما شاع عند كثيرين من أنهم في أيام العيد يجتمعون تجمّعاتٍ، فيها المعازف والموسيقى؛ فإن هذه محرَّمة.
وينبغي لنا أن نُقابِل شُكْر الله على نعمةِ إتمام العدة، بأن نشكر الله عليها لا أن نَكْفُر هذه النعمة، بأن نقابلها بما حَرَّم الله من الموسيقى وغيرها أو الاختلاط بين الرجال والنساء أو الرقص، أو تخرج النساء إلى العيد متبرِّجة، أو متجمِّلة، أو متطيِّبة، أو تلبس عباءةً لكن تكون مطرزَّة مجمَّلة محسَّنة أو مخصَّرة، أو تكون على الكتف؛ فإن كل هذه الأمور محرَّمة، ولا تجوز في الشريعة؛ فإن العباءة شرعت للستر لا للتجمل ولفت النظر.
وأعجب لرجلٍ يمشي مع امرأة، وقد تجمَّلت بعباءتها، فأين القَوامة وأين الرجولة؟ وينبغي للرجال ولأهل الهدى والحقِّ أن يقوموا بقوامتهم، كما قال الله عز وجل: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34].
وألَّا تغلبه النساء، ولا تغلبه العادات التي غزت بلادَ المسلمين، فغيَّرت دِينَهم وعاداتِهم الطيِّبة التي قائمة على دينهم.
وينبغي أن يعلم أن للمسلمين عيدين كما تقدَّم، فلا يوجد في الشريعة عيد الميلاد، ولا العيد الوطني، أو الاحتفال على مرور خمسين عامًا على شركة، أو استقلال دولة، أو غير ذلك فإن هذه الأمور كُلها محرمة.
وقد نص شيخنا ابن باز وعلماؤنا كالشيخ محمد بن صالح العثيمين على أن هذه الأعياد محرَّمة، ولا تجوز في الشريعة، ولشيخ الإسلام بحث نفيس في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم”، وبيَّن حُرمة هذه الأعياد كلَّها سواء كانت تعبّديَّة أو غير تعبديَّة، وأنها إذا كانت تعبدية كانت أكثر حُرمةً؛ لأنها تتصف بالبدعة.
والأسماء لا تُغيِّر مسمَّياتها، أحيانًا يسمّونه باليوم الوطني، أو يسمّونه بيوم الميلاد، الأسماء لا تغيِّر المسميات بما أنه عيد وزمن تقصُّدٍ، فمثل هذا محرَّم في الشريعة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل أعيادَنا عِزًّا للتوحيد والسنة، وأن يُعِزَّنا بالتوحيد والسنة، ويُعِزَّ التوحيد والسنة، ويجعلنا من أنصارها؛ إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا.