ما حدود طاعة الزوجة لزوجها؟ أو هو في الفراش فقط أم هو في الفراش والخدمة وغيره؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
ما حدود طاعة الزوجة لزوجها؟ أو هو في الفراش فقط أم هو في الفراش والخدمة وغيره؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: إنه يجب على المرأة أن تطيع زوجها، وهذا عامٌّ في كل شيء إلا ما حرّم الله، ما سيأتي بيانه، كما يقول جماهير أهل العلم.
ويدل لذلك قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ [النساء: ٣٤] الآية.
فإذاً يجب على المرأة أن تطيع زوجها في كل شيءٍ إلا إذا كان في معصية الله، لما ثبت في الصحيحين من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا طاعة في معصية الله)) فلا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها فيما حرّم الله، كالتبرج عند الرجال الأجانب، أو سماع الغناء، أو مشاهدة ما حرّم الله في القنوات الفضائية أو غيرها.
فإن بعض النساء – هداهن الله- تتساهل في أمثال هذه الأمور، إذا طلب منها زوجُها، أو إذا رأت زوجَها يفعل ذلك شاركَتْه في أمثال هذه الأمور، وهذا محرَّمٌ، لا يجوز، لا على الزوج ولا على المرأة.
لكن بما أن السؤال متعلق بالإجابة على: ما حدود طاعة المرأة؟
فيقال: لا يجوز لها أن تطيع زوجها فيما حرّم الله؛ بل ينبغي أن يعلم أن الشريعة شددت في طاعة المرأة لزوجها كما تقدم في قول الله تعالى ﴿الرجال قوامون على النساء﴾، وحتى إن الشريعة لم تجوّز للمرأة أن تصوم صوم تطوع، وزوجُها حاضرٌ غيرُ مسافرٍ أو موجودٌ، أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يحل للمرأة أن تصوم، وزوجُها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تُدخِل في بيته إلا بإذنه)) فلا يجوز للمرأة بإجماع أهل العلم كما حكى الإجماع شيخ الإسلام بن تيمية أن تصوم، وزوجُها حاضرٌ، أي: ليس غائبًا؛ بل مما جاءت به الشريعة أنه لا يجوز للمرأة إذا دعاها زوجُها إلى لفراش أن ترفض، وإن رفضت كانت واقعةً في كبيرةٍ من كبائر الذنوب.
ومن المعلوم أنه لشدة وعِظم الكبائر أن الأعمال الصالحة لا تكفرها بإجماع أهل العلم كما حكى الإجماع عليه ابن عبد البر- رحمه الله تعالى-.
ومما يدل على أن المرأة إذا لم تجب زوجها إلى الفراش، فإنها وقعت في كبيرة، ما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح)) وفي رواية لمسلم: ((إلا كان الذي في السماء – أي: الله سبحانه- ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها زوجها)).
فهذه الأدلة وغيرها كثيرة في بيان وجوب طاعة المرأة لزوجها؛ بل إن العلماء مجمعون أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج التطوع إلا بإذن زوجها، حكى الإجماع ابن المنذر، وابن قدامة.
فإذًا سفر العمرة من باب أولى، والسفر المباح من باب أولى، وممّا أقر شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – أن طاعة المرأة لزوجها مقدَّمةٌ على طاعة المرأة لوالديها، ذكر هذا كما في “مجموع الفتاوى”.
ويدل لذلك ما تقدم ذكره من الأدلة؛ فإنه لما تزوجها بشرع الله صار حقه مقدمًا على حق والديها، ولما سُئل الإمام أحمد – رحمه الله تعالى-: هل تزور المرأة أمها المريضة بغير إذن زوجها؟ منع من ذلك الإمام أحمد – رحمه الله تعالى –.
فلاحظوا أنها أم، وأنها مريضة، ومع ذلك نهى الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – من ذلك إلا بإذن زوجها، هذا لما تقدم ذكره من الأدلة.
ثم ينبغي أن يعلم أن المعاشرة بين الزوجين مبنية على العرف، وأن المرأة تطيع زوجها بما جاء به العرف، وكذلك الزوج يعاشرها بالعرف وبالمعروف، وتكون نفقته عليها بالمعروف، كما قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: ١٩] وقال تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة: ٢٢٩].
وينبغي أن يتنبه إلى مسألة يكثر السؤال عنها، وهى: أنه قد يختلف الزوجان في مسائل فقهية، فمثلًا يكون الزوج على قول في مسألة فقهية، وتكون الزوجة على قول، فهل يجب على المرأة أن تطيع زوجها في هذه المسألة الفقهية؟
فيقال: لا يصح للزوجة أن تطيع زوجها في أمور الشريعة، فلنفرض مثلًا أن امرأة ترى زكاة الحُلي، وزوجها لا يرى زكاة الحلي، ونهاها زوجها عن زكاة الحُلي؛ فإن المرأة تتعبد، وتُخرج زكاة الحُلي، ولا يجوز لها أن تطيع زوجها؛ لأن في هذا معصية لله سبحانه وتعالى.
وأيضًا لنفرض أن امرأة لا ترى أمرًا مستحبًا، يراه زوجها، فليس لها أن تتعبد بهذا الأمر المستحب لأمر زوجها، أو للمجاملة له؛ لأن هذه عبادة، والعبادات مبناها على الحظر والمنع، فلا يجوز التعبد إلا بدليل شرعي، وعلى هذا فيقاس.
لكن ينبغي للمرأة أن تكون عاقلة، وألا تتبجح بمخالفة زوجها فيما لا يجب عليها طاعته فيه، بل تحاول قدر الاستطاعة أنها إذا خالفته ألا تتبجح بمخالفته، وأن لا تُظهِر ذلك إذا استطاعت.
لكن ينبغي أن يعلم أيضًا أنه ليس للزوج أن يمنع المرأة أن تتعبد بعبادات ليس فيها ضرر عليه، فمثلاً إذا كان الزوج غائبًا، فليس له أن يمنع المرأة من الصيام بمفهوم حديث أبى هريرة، قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم، وزوجها شاهدٌ)) أي: حاضر، فمفهوم المخالف: إذا كان زوجها غائبًا، فلها أن تصوم، ذكر هذا القرافي وغيره من أهل العلم، فليس للرجل أن يمنع امرأته من الصيام أو غيره من العبادات التي لا تضره.
فمثلًا ليس للزوج أن ينهى زوجته عن أذكار الصباح والمساء، فليس له ذلك، بل تذكر أذكار الصباح والمساء، لكن لا تمنعه من حاجته التي يحتاج إليه من أمر الدنيا والدين بحجة أذكار الصباح والمساء.
وإني في ختام هذا الجواب أوجّه نصيحة للزوجين، وهو أنهما يتعاونان على البر والتقوى، ويتعاونان على خير الدنيا والآخرة، وإن التعاون على البر والتقوى، وترك المعاصي والذنوب من أعظم أسباب نجاح الحياة الزوجية؛ فإن المعاصي والذنوب سببٌ لكل فسادٍ في الدنيا والدين، قال الله سبحانه: وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا [الجن: ١٦].
وكذلك ينبغي لكل واحدٍ من الزوجين أن يُكبّر وأن يعظّم ما عند الآخر من الأمور الحسنة، وسواء في الخُلُق أو الخَلق، كما أخرج مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يفرك مؤمن من مؤمنة، إن رأى شيئًا يكرهه، رأى منها ما يحبّه)) فإذا رأى شيئًا يكرهه، فإنه قال لا يفارق مؤمن من مؤمنة، إن رأى منها خُلقًا يكرهه، وإن رأى منها خُلقًا يحبه، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
إذًا ينبغي لكل واحدٍ منهما أن يعظِّم ما عند الآخر من الحسنات والأمور الطيبة في خُلُقه أو خلقه.
ثمّ أوجِّه نصيحة للزوج، وهو أن يقوم بالقوامة حق القيام، فإن قيامه بالقوامة حق القيام فيه نفع له ولزوجته، وإذا قام بهذه القوامة ينبغي أن يستعملها فيما فيه خير له ولزوجته.
وكذلك أذكّر المرأة أن تتقي الله، وأن تقوم بالواجب الشرعي من طاعة زوجها، وأن لا تتأثر بما حولها، من الإعلام الفاسد، أو النساء اللاتي يتبجحن بعدم طاعة الزوج؛ لأنه للأسف لا يزال الإعلام يدعو النساء إلى لإفتيات على الرجال بحجة إثبات الشخصية، وأن لها شخصيتها، إلى غير ذلك، ويجب على المرأة أن تتقى الله، وأن تسمع وتطيع زوجها؛ فإن زوجها هو جنتها ونارها، وقد خلقت لعبادة الله، ومن أعظم العبادات هو قيامها بواجب زوجها، ولتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قد رأيتكن أكثر أهل النار، فتصدقن))، ثم بين سبب ذلك، فقال: ((تكثرن اللعن، وكفران العشير)) أما اللعن فالمرأة تكثر السب واللعن. أما “تكفر العشير”، فإنها تجحد ما يأتي به زوجها من الخير حتى إذا غضبت عليه، ((قالت: ما رأيت منك خيرًا قط)).
لذلك؛ أسال الله أن يؤلِّف بين القلوب على الهدى، وأن يجمع بين المسلمين على التقوى، وأسال الله أن يعلّمنا جميعًا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا؛ إنه الرحمن الرحيم، وجزاكم الله خيرًا.