ما حكم الموعظة عند القبور؟
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
ما حكم الموعظة عند القبور؟
يقال جوابًا على هذا السؤال: ينبغي أن يعلم أن رفع الصوت في المقابر مكروه ومنهي عنه، حكى ابن تيمية –رحمه الله تعالى– الاتفاق على ذلك كما في “الاختيارات الفقهية”.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة: ((أن من السكينة ألا يرفع الصوت ولا يتكلم عند القبر)).
وكذلك ذكر الحسن كما أخرج عبد الرزاق عن الصحابة: أنهم كانوا لا يرفعون الأصوات عند الجنائز؛ فرفع الصوت منكَر ومنهي عنه، حتى مما قال الحسن عند عبد الرزاق: «أدركت أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وهم يستحبون خفض الصوت عند الجنائز».
فلذا، خفض الصوت عند الجنائز مطلب شرعي، ورفعه منكر، وهو خلاف الهدي النبوي، وخلاف ما جرى عليه صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: الموعظة عند القبر قد وجد مقتضاها في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم–وصحابته، ولم يفعلوها مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فهم يعلمون أن الناس يتأثرون عند دفن الميت، ومع ذلك لم يستغلوا هذا الوقت لوعظ الناس؛ فلذا من استغله لوعظ الناس فقد وقع في أمر محدَث لا سيما والواعظ سيرفع صوته حتى يسمعه الناس.
فإن قيل: قد ثبت في البخاري من حديث علي، وجاء من حديث البراء عند أحمد: ((أن النبي –صلى الله عليه وسلم– كان ينتظر الجنازة، فوعظ أصحابه))، أفلا يستفاد من هذا أنهم استحبوا الوعظ في المقابر؟
فيقال: هذا لا يفيد بحال تقصد استحباب الوعظ، وإنما وعظ النبي –صلى الله عليه وسلم–تبعًا؛ لأنه كان ينتظر، فاستغل الوقت بتذكير أصحابه، وقد وعظهم وهو جالس، وبصوت غير مرتفع؛ فلذا فرق بين أمرين:
ينبغي أن تعلم قاعدة مهمة أن جعل المتبوع مقصودًا من البدع، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم”، وأيضًا ذكره محمد بشير السهسواني في كتابه “صيانة الإنسان”.
ومما ذكر مثالًا على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، بأن الشريعة جاءت بالدعاء للميت عند زيارة المقابر، كما أخرج مسلم حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم– كان يعلّمهم إذا خرجوا من المقابر أن يقولوا: – وفي الدعاء- ((نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية)).
فيقول شيخ الإسلام: هذا الدعاء للنفس جاء تبعًا، والأصل الدعاء للميت، فمن تقصد الدعاء للنفس عند القبر فقد وقع في البدعة؛ والسبب في ذلك أنه قد جعل المتبوع مقصودًا.
ومثل ذلك يقال في وعظ النبي –صلى الله عليه وسلم– عند القبر، فلم يكن مقصودًا، ولم يتقصده، وإنما لما كان ينتظر الجنازة، والانتهاء من حفر القبر وعَظَهم –صلى الله عليه وسلم– ثم كان جالسًا، وبصوت منخفض غير مرتفع.
لذا؛ تقصد الوعظ عند المقابر بدعة، ورفع الصوت منكر، وتقصده أيضًا تعبُّدًا بدعة؛ فيجب أن يجتنب مثل هذا، وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم–.