ما لعبد الرحيم السلمي ولسِتْرِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين ؟!

د. فهد بن سليمان الفهيد

ما لعبد الرحيم السلمي ولسِتْرِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين ؟!

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد :فقد أحزنني وأهمني ما نشر من كلام الدكتور عبد الرحيم بن صمايل السلمي غفر الله له بعنوان ( الاستبداد السياسي ) والذي أرسل لي عن طريق أحد الإخوة المشاركين في مجموعة القاسم البريدية ، وكنت قد علمت بهذا الكلام قديما لما قرأت أطروحته العلمية لمرحلة الدكتوراه الموسومة بحقيقة الليبرالية)،وترددت في الكتابة في ذلك أملاً أن يقوم بذلك الواجب الشرعي غيري، ولكن لما أخرج الدكتور عبد الرحيم هذه المقالة وصار فيها شيء من النيل من الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه؛ رأيت من الواجب المبادرة إلى الكتابة لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

والعبارات الواردة في هذا المقال المتضمنة للنيل من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هي :

1-( إن الاستبداد السياسي وقع في زمن معاوية رضي الله عنه ) وقال معرفاً الاستبداد السياسي: (الاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً : إذا انفرد به دون غيره. ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس …

2- وقع في العدوان والطغيان.

3-يفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان وهو ما يسمى “الاستبداد السياسي”….

4- والاستبداد جزء من الطغيان وليس مرادفا له، فقد يكون المستبد طاغياً وظالماً، وقد يكون عادلاً مجتهداً في الإصلاح.

وقد ظهر الاستبداد في الأمة الإسلامية في وقت مبكر، وذلك بعد ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، والذي عهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد…

4- وبهذا انتزع حق الأمة في تولية الأصلح.

5-وهذا الانفراد في تولية الخلفاء فتح على الأمة الإسلامية باب شر عظيم لا زال يضعفها حتى وصلت إلى الحالة المزرية الآن.وقد وقف علماء الصحابة من هذه الظاهرة الغريبة المفضية إلى الطغيان موقفاً قوياً وأنكروا على معاوية رضي الله عنه).

وهذا الكلام يقشعر منه البدن عندما ينال بعض المنتسبين للسنة من صحابي جليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشابه أعداء السنة من الرافضة وغيرهم.

ومع ذلك فالدكتور عبد الرحيم كتب حاشية أراد بها أن يحفظ حق معاوية رضي الله عنه ولكن كان كلامه غير موافق لمنهج أهل السنة بعد تلكم المطاعن التي كتبها في حق معاوية رضي الله عنه؛ فقال في الحاشية : (وهنا يجب التأكيد على فضيلة الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وفضله داخل في عموم النصوص الشرعية التي تبين فضائل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ،ولا يجوز لأحد أن يأخذ من زلته في تحويل الحكم إلى الوراثة ذريعة للطعن فيه؛ فهو من أفضل ملوك الإسلام ،وسيرته من أفضل السير، وفترة حكمه كانت من فترات العدل المميزة في التاريخ الإسلامي ، وعقيدة أهل السنة في الصحابة هي معرفة فضلهم وقدرهم الوارد في النصوص مع اعتقاد أن ما وقعوا فيه من التقصير معفو عنه بما لهم من الفضل ،والصحبة لا يعدلها شيء في الفضل بعد النبوة، وفي فضل معاوية رضي الله عنه يراجع كتب فضائل الصحابة وغيرها).

وبقي على الدكتور أن يقول إن أهل السنة يعتقدون أن الخلاف الذي وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم هم فيه مجتهدون:إما مجتهدون مصيبون،وإما مجتهدون مخطئون،فهم بين الأجر والأجرين، فما فعله معاوية رضي الله عنه مما استنكره الدكتور هو من الاجتهاد الدائر بين الأجر والأجرين،هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة ، وليس زلة وتقصيراً ولا فتح باب الظلم والطغيان، ولم يفتح معاوية باب شر عظيم على الأمة ولم ينتزع حق الأمة في تولية الأصلح كما عبر الدكتور.

وكذلك بقي على الدكتور أن يقول إن أهل السنة يرون الإمساك عما شجر بينهم، ولا يذكرون ما عيب عليهم كما يفعله أهل البدع ،ولكنه لم يفعل، بل إن الدكتور هنا يذكر أن معاوية رضي الله عنه زلّ بتحويل الحكم إلى الوراثة، فيكرر مثل هذا وهو في مقام الدفاع!!

وهو بهذا وضع نفسه – من حيث لا يشعر – مع الطاعنين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرافضة وأعداء الدين ، وهيأ للجهلة والسذج أن يفعلوا فعله ،فمَثَلُه مَثَلُ مَنْ فَتح الجرح في الجسد – وهو لا يسوغ له فتحه – ثم يقول : لا توسعوا هذا الجرح!

فالرافضة ومن شاركهم من غلاة المتصوفة والمعتزلة وغيرهم: هم الذين يعددون هذه الأمور للطعن في معاوية،ومن ذلك ما نقله عنهم ابن تيمية في منهاج السنة 1/546 وما بعدها،وانظر ما نقله الشيخ محمد المغراوي في كتابه (منْ سبّ الصحابة ومعاوية فأمُّه هاوية) ص76 عن أحمد الغماري وأخويه من الطعن في معاوية رضي الله عنه بأنه أسهم في قتل الحسين رضي الله عنه لأنه كان يريد أن ينفرد بالملك ويجعله وراثة في بني أمية،وما نقله عن عباس محمود العقاد في كتابه(معاوية بن أبي سفيان في الميزان ) ص66حيث يقول عن معاوية رضي الله عنه :(ولو حاسبه التاريخ حسابه الصحيح ، لما وصفه بغير مفرق الجماعات)،وهكذا ما كتبه حسين مؤنس في مقالاته ضمن مجلة أكتوبر الأسبوعية تحت عنوان:(تاريخ موجز للفكر العربي)حيث وصف حكومة معاوية رضي الله عنه بالظلم والطغيان والاستبداد ص24 من العدد 372،ونقل عن سيد قطب في كتابه(كتب وشخصيات)ص242قوله:( إن معاوية وعمرو بن العاص لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع!وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم!! لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل فلا عجب أن ينجحا ويفشل وإنه لفشل أشرف من كل نجاح ).

هؤلاء هم الذين شاركهم الدكتور عبد الرحيم في النيل من معاوية رضي الله عنه، وهؤلاء هم سلفه بينما لا نجد أحداً من أهل العلم والديانة من الراسخين في العلم سبقه إلى هذا النيل الباطل؛فالواجب على المسلم أن يكف لسانه عن الصحابة وعما شجر بينهم وألا يخوض في ذلك خصوصا وقد سكت عنه العلماء الكبار! ومن هؤلاء العلماء مَنْ لَقِيَهم الإمام البخاري رحمه الله حيث يقول :لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة و واسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة…) فذكر عقيدتهم ثم قال: (وما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قالت عائشة:أمروا أن يستغفروا لهم، وذلك قوله (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) انظر شرح أُصول اعتقاد أَهل السنة والجماعة للّالكائي، وأقول : ألا يسعك – يا دكتور عبد الرحيم – ما وسعهم! .

ثم يقال للدكتور عبد الرحيم :من سبقك من أهل العلم إلى النيل من معاوية بهذه الدعوى العريضة المنكرة أنه زل بتحويل الحكم إلى الوراثة؟وانظر منهاج السنة 4/473

ثم يقال لك أيضاً: هل استخلاف معاوية لابنه يزيد هو تحويل للحكم إلى الوراثة؟

هل كان معاوية رضي الله عنه يعلم ماذا سيكون بعده حتى يذم بمثل هذا!

والواقع يشهد بأن الحكم لم يكن وراثة بعد يزيد وابنه معاوية الذي لم تطل مدته ولم يستخلف أحدا بعده ، بل أظهر ابن الزبير طلب الولاية والأمر فتبعه عامة الأمصار سوى الشام ، وأما في الشام فتأمّر بعد معاوية بن يزيد بن معاوية: مروانُ بن الحكم على الشام ولم تطل أيامه، ثم تأمّر بعده ابنُه عبدُ الملك .

وما أشبه أن تكون هذه الأفكار والاقتراحات لإقامة الدولة المسلمة واختيار الحاكم المثالي لها بوساوس الشيطان والأماني الكاذبة ، وهذا مع الأسف من الأماني التي يتلاعب بها عدو الله إبليس بكثير من المنتسبين للدين وربما أخذوها من قبل أعداء الإسلام من الليبراليين والعلمانيين فوافقوهم في صفة اختيار الحاكم بما يسمونه الديمقراطية وإنشاء الأحزاب والاختيار بالتصويت وظنوا أنه هو الموافق لشرع الله وأخذوا يلوون أعناق النصوص لذلك ، وهذا الذي حمل بعضهم على الطعن في معاوية رضي الله عنه وأرضاه والله المستعان.قال في منهاج السنة 3/367: (وأما ما يقترحه كل أحد في نفسه مما لم يخلق فهذا لا اعتبار به؛فهذا يقترح معصوما في الأئمة، وهذا يقترح ما هو كالمعصوم وإن لم يسمه معصوما؛فيقترح في العالم والشيخ والأمير والملك ونحو ذلك مع كثرة علمه ودينه ومحاسنه وكثرة ما فعل الله على يديه من الخير ؛ يقترح مع ذلك أن لا يكون قد خفي عليه شيء ولا يخطئ في مسألة ! وأن يخرج عن حدّ البشرية فلا يغضب بل كثير من هؤلاء يقترح فيهم مالا يقترح في الأنبياء وقد أمر الله تعالى نوحا ومحمدا أن يقولا(لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ) ، فيريد الجهّال من المتبوع أن يكون عالما بكل ما يُسْأل عنه قادراً على كل ما يطلب منه،غنياً عن الحاجات البشرية كالملائكة! وهذا الاقتراح من ولاة الأمر كاقتراح الخوارج في عموم الأمة أن لا يكون لأحدهم ذنب! ومن كان له ذنب كان عندهم كافرا مخلدا في النار، وكل هذا باطل خلاف ما خلقه الله وخلاف ما شرعه الله؛ فاقتراح هؤلاء فيمن يوليه كاقتراح أولئك عليه فيمن يرسله، وكاقتراح هؤلاء فيمن يرحمه ويغفر له، والبدع مشتقة من الكفر فما من قول مبتدع إلا وفيه شعبة من شعب الكفر)

وقال أيضا- وفي كلامه رد على الدكتور عبد الرحيم الذي أثنى على ما يسميه حركات الاحتساب المسلح في مقاومة الاستبداد- :(فإذا تولى خليفة من الخلفاء كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم؛ فإما أن يقال يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى غيره كما يفعله من يرى السيف فهذا رأي فاسد؛ فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته،وقَلَّ مَنْ خَرَجَ على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولّد على فعله من الشر أعظم مما تولّد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبدالملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضاً، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء وغاية هؤلاء إما أنْ يُغْلَبوا، وإما أنْ يَغْلِبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا…).

وأقول للأخ الدكتور عبد الرحيم : مالك ولسِتْرِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ! لقد خُضتَ في أمر عظيم ولو سلمت منه لكان خيرا لك.

قال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي : (معاوية سِتْرٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه) تاريخ بغداد1/209،والبداية 8/142.

قال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره سُئلَ المعافى بن عمران:أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فغضب وقال للسائل : أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين ! معاوية صاحبه وصهره ، وكاتبه ، وأمينه على وحي الله ،تاريخ بغداد1/209، وسئل عبد الله بن المبارك:عمر بن عبد العزيز أفضل أم معاوية ؟ قال : تراب دخل في أنف معاوية في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بن عبدالعزيز ، وقال الإمام أحمد:(وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ، ووقف قوم ، هم خلفاء راشدون مهديون ، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص ، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته ، ليس له أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب قبل منه ، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يراجع)،وقال ابن أبي زيد في مقدمة الرسالة:(ولا يذكر أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن الذكر،والإمساك عما شجر بينهم،وأنهم أحق الناس أن تلتمس لهم المخارج،ويظن بهم أحسن المذاهب).

قال ابن العماد عن معاوية رضي الله عنه: ( ولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة ، وتملكها بعد علي عشرين الا شهراً ، وسار بالرعية سيرة جميلة ، وكان من دهاة العرب وحلمائها ، ويضرب به المثل ، وهو أحد كتبة الوحي ، وهو الميزان في حب الصحابة ومفتاح الصحابة ).

أليس تعدادك لأخطائه وعيوبه وذكرك لزلته ونشر ذلك في كتبك ومقالاتك من الطعن أو المعاونة عليه.

وأما ظهور الشر في بلاد الإسلام فليس سببه توريث الحكم بل ذلك عائد إلى النقص في عموم أحوال المسلمين كبيرهم وصغيرهم، وقد دلت عليه النصوص الشرعية؛ بل لو قيل إن زمن معاوية وابنه ومن بعده من أقوى الأزمنة بعد الخلفاء لكان قولا صوابا وحقا مطابقا للواقع ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:(لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش) … وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باقٍ إلى الآن؛ فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام وكانت الدولة في زمنهم عزيزة والخليفة يدعى باسمه عبد الملك وسليمان لا يعرفون عضد الدولة ولا عز الدين وبهاء الدين وفلان الدين وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس وفي المسجد يعقد الرايات ويؤمر الأمراء وإنما يسكن داره لا يسكنون الحصون ولا يحتجبون عن الرعية).

والرافضي ابن المطهر عاب على أهل السنة أن الإمامة في بني أمية ثم بني العباس (ثم ساقوا الإمامة في بني أمية ثم في بني العباس ) فرد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية (فيقال : أهل السنة لا يقولون إن الواحد من هؤلاء كان هو الذي يجب أن يولى دون من سواه، ولا يقولون إنه تجب طاعته في كل ما يأمر به؛ بل أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب فيشهدون بما وقع ويأمرون بما أمر الله ورسوله فيقولون:هؤلاء هم الذين تولوا وكان لهم سلطان وقدرة يقدرون بها على مقاصد الولاية من إقامة الحدود وقسم الأموال وتولية الولايات وجهاد العدو وإقامة الحج والأعياد والجمع وغير ذلك من مقاصد الولايات، ويقولون إن الواحد من هؤلاء ونوابهم وغيرهم لا يجوز أن يطاع في معصية الله؛ بل يشارك فيما يفعله من طاعة الله… ويقولون إنه قد تولى غير هؤلاء تولى بالغرب طائفة من بني أمية وطائفة من بني علي، ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة، وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من عدمهم،كما يقال:ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام، ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال:(لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة) قيل له:هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة!قال:(يؤمن بها السبيل ويقام به الحدود ويجاهد به العدو ويقسم بها الفيء) …والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور بل كانت تفسد أمورهم).

وأما مسألة اختيار الحاكم بالشورى والتي بسببها استطال الدكتور بتلك العبارات على أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه ؛فيقول ابن تيمية:( ومن المعلوم أن أهل السنة لا ينازعون في أنه كان بعض أهل الشوكة بعد الخلفاء الأربعة يولون شخصا وغيره أولى بالولاية منه، وقد كان عمر ابن عبد العزيز يختار أن يولي القاسم بن محمد بعده لكنه لم يطق ذلك؛ لأن أهل الشوكة لم يكونوا موافقين على ذلك، ولأنه كان قد عقد العهد معه ليزيد بن عبد الملك بعده فكان يزيد هو ولي العهد، وحينئذ فأهل الشوكة الذين قدموا المرجوح وتركوا الراجح أو الذي تولى بقوته وقوة أتباعه ظلما وبغيا يكون إثم هذه الولاية على من ترك الواجب مع قدرته على فعله أو أعان على الظلم وأما من لم يظلم ولا أعان ظالما وإنما أعان على البر والتقوى فليس عليه في هذا شيء … ومعلوم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، وأهل السنة يقولون ينبغي أن يولي الأصلح للولاية إذا أمكن إما وجوبا عند أكثرهم وإما استحبابا عند بعضهم، وأن من عَدَل عن الأصلح مع قدرته لهواه فهو ظالم ومن كان عاجزا عن تولية الأصلح مع محبته لذلك فهو معذور، ويقولون:من تولى فإنه يستعان به على طاعة الله بحسب الإمكان ولا يعان إلا على طاعة الله ولا يستعان به على معصية الله ولا يعان على معصية الله) منهاج السنة1/550 .

وأختم بقول الإمام أحمد رحمه الله :وقال الميموني : سمعت أحمد يقول : ما لهم ولمعاوية ؟ نسأل الله العافية ، وقال لي : يا أبا الحسن إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام )

فمالك ولمعاوية يا عبد الرحيم نسأل الله تعالى العافية من هذا المسلك الخطير .

يا رب العالمين يا أرحم الراحمين اشرح صدر عبد الرحيم السلمي للحق ووفقه لقبوله والعمل به والدعوة إليه ووفقه يا ربنا لتصحيح ما كتب وإعلان الرجوع عنه آمين آمين.

اللهم ارض عن معاوية وعن جميع الصحابة وارزقنا سلامة الصدور والقلوب والألسنة تجاههم وارزقنا مرافقتهم في الجنة مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يا أرحم الراحمين ،وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتبه فهد بن سليمان بن إبراهيم الفهيد الأستاذ المشارك في قسم العقيدة في جامعة الإمام.

16/8/1432هـ


شارك المحتوى: