د. عبدالعزيز بن ريس الريس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ……………………………. أما بعد ،،،
فإن من أرفع العبادات كعباً وأكثرها أجراً الدعوة إلى الله كما قال تعالى ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين )
والدعوة عبادة كأي عبادة تحتاج إلى شرطين حتى تقبل الإخلاص والمتابعة قال تعالى ( وداعياً إلى الله بإذنه ) فقوله ( إلى الله ) إشارة إلى شرط الإخلاص ، وقوله ( بإذنه ) إشارة إلى شرط المتابعة ، ومن ذلك قوله تعالى ( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) قوله ( إلى الله ) إشارة لشرط الإخلاص فليس داعياً إلى حزبه البدعي ولا إلى نفسه ورئاسة ، وقوله على ( بصيرة ) إشارة إلى شرط المتابعة .
ومن قواعد أهل السنة المقررة أنه لا يمكن أن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قاله الإمام مالك – رحمه الله – ، فتلمسوا رحمكم الله طريق السابقين فاسلكوه .
ومن الأئمة السابقين الصحابي الجليل معاذ بن جبل – رضي الله عنه – ومن كلماته العظام في هذا الباب ما ثبت عند أبي داود أنه قال:”إِنَّ من وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فيها الْمَالُ وَيُفْتَحُ فيها الْقُرْآنُ حتى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ ما لِلنَّاسِ لَا يَتَّبِعُونِي وقد قرأت الْقُرْآنَ ما هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حتى أَبْتَدِعَ لهم غَيْرَهُ فَإِيَّاكُمْ وما ابْتُدِعَ فإن ما ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ فإن الشَّيْطَانَ قد يقول كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ على لِسَانِ الْحَكِيمِ وقد يقول الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ قال قلت لِمُعَاذٍ ما يُدْرِينِي رَحِمَكَ الله أَنَّ الْحَكِيمَ قد يقول كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قد يقول كَلِمَةَ الْحَقِّ قال بَلَى اجْتَنِبْ من كَلَامِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ التي يُقَالُ لها ما هذه ولا يُثْنِيَنَّكَ ذلك عنه فإنه لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ وَتَلَقَّ الْحَقَّ إذا سَمِعْتَهُ فإن على الْحَقِّ نُورًا ا.هـ
وما أكثر الذين حالهم حال من حذر منهم معاذ بن جبل ورأوا أن الاقتصار على دعوة الشباب وغيرهم بالكتاب والسنة ينفر المدعوين ولا يرغبهم في الخير ، ومنهم من صرخ بهذا باسم الحكمة وتغير الزمان وأحوال الناس ، ومنهم من لم يتجاسر على هذا لكن لسان حاله يدل عليه بأن أقبل على دعوة الناس بغير الكتاب والسنة وإليك صوراً من الدعوة بغير الكتاب والسنة وهو داخل في كلام الصحابي الفقيه معاذ بن جبل :
الصورة الأولى / الدعوة بالقصص وحكايات الناس وما أكثرها في هذا الزمان ، ورضي الله عن عبد الله بن عمر القائل فيما ثبت عند ابن أبي شيبة أنه قال :” لم يكن يقص في زمن النبيr ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، وإنما كان القصص زمن الفتنة “
ورحم الله عالم التابعين محمد بن سيرين القائل فيما ثبت عند ابن أبي شيبة: القصص أمر محدث، أحدثه هذا الخلق من الخوارج ، يا ترى لو أدرك هؤلاء الأئمة صنيع كثير من أهل زماننا ممن يسمون بالدعاة وهم يتسابقون على القص وإيراد القصة الأكثر تأثيراً ، وقد يزيدون في القصة أشياء لتكون أبلغ في تحقيق مرادهم ، وصدق ميمون بن مهران لما قال: : لا يخطئ القاص ثلاثاً : إما أن يسمن قوله بما يهزل دينه، وإما أن يعجب بنفسه، وإما أن يأمر بما لا يفعل. أخرجه الإمام أحمد في كتابه الزهد .
الصورة الثانية / الدعوة بالأناشيد المسماة تدليساً إسلامية لتروج وتنتشر بين الناس ، وهذه الأناشيد أنكرها أئمة الإسلام المعاصرون ، بل وسماها الإمامان محمد بن ناصر الدين الألباني ومحمد بن صالح العثيمين ، بأنها بدعة صوفية كما ترى ذلك في كتابي ( الأدلة في حكم الأناشيد الإسلامية ) وهي موجودة في موقع الإسلام العتيق .
ورحم الله الإمام الشافعي القائل : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يشغلون به عن القرآن( سير أعلام النبلاء )
الصورة الثالثة / الدعوة بالتمثيل المسمى كذباً تمثيلاً إسلامياً وهي من الكذب والاختلاق بالإضافة إلى البدعة والأحداث ، وقد أنكرها شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –
الصورة الرابعة/ الدعوة بالطلعات والخرجات والترفيه :
إن الدعوة إلى الله بمثل هذه الوسيلة من جملة البدع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لم يدعو بمثل هذه الوسيلة مع إمكانهم ولا مانع يمنعهم . فإن قلت: هل وسائل الدعوة توقيفية ؟ فيقال: إن وسائل الدعوة تختلف وليست توقيفية على الإطلاق ولا العكس . بل الضابط في ذلك هو النظر في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فما تركوه مع إمكان الفعل ولا مانع فلا يصح فعله ، بل يجب تركه لأنه بدعة وضلالة ؛ لأنه لو كان خيراً لكانوا إليه أسبق وعليه أحرص . أما ما لا يمكنهم فعله إما لمانع كأن لم يخترع في زمانهم كالأذان في مكبرات الصوت واستخدام المسجلات الصوتية وهكذا …
فلا يقال: إنه بدعة وإنه توفيقي وقد فصلت هذا في كتابي ( الأدلة الشرعية في حكم الأناشيد الإسلامية ) وذكرت كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – .
ويثار في الاعتراض على ما تقدم ذكره شبهات أذكر جوابها على عجالة :
الشبهة الأولى/ أننا جربنا هذه الوسائل ونفعت واهتدى بسببها المدعون .
فيقال في جواب هذه الشبهة: إننا عبيد لا نخرج عما يريد سيدنا وربنا سبحانه ونحن مطالبون أن ندعو إلى الله بإذنه لا بما تشتهيه الأنفس ، وإن هداية الناس إلى الخير بمثل هذه الوسائل يعلمها سبحانه ومع ذلك لم يشرعها فليس لنا التقدم بين يديه . وهذا من الابتلاء ليرى ربنا من يصدق ويلتزم ما أذن به ، ومن تغلبه عاطفته وحماسته ويتجاوز ما أذن به قال تعالى (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَإِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
الشبهة الثانية/ أنه بهذه الطريقة يكثر أهل الخير والمهتدون ، فيقال في جواب هذه الشبهة: إن فتنة الكثرة أضلت خلقاً كثيراً في أبواب شتى ومنها هذا الباب واعلموا أننا إذا سلكنا الطريقة الشرعية ولم يهتد إلا قلة ، فإن الله لا يؤاخذنا لذا في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد . أما لو خالفنا الطريقة الشرعية واهتدى خلق كثير فإن الله يعاقبنا ويحل علينا غضبه لأنا عصيناه ، لذا لم يمتدح الله الكثرة في كتابه قال سبحانه ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) وقال ( فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون )
الشبهة الثالثة/ إن هناك علماء أفتوا بجواز بعض هذه الوسائل الدعوية .
فيقال في جواب هذه الشبهة: إن العبرة بالدليل والبرهان فإنا مطالبون بالرجوع إلى الشرع عند الاختلاف كما قال تعالى ( فما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) وقال ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
ومتى صح في الشرع رد الأدلة من الوحيين بحجة أن هناك من أفتى بخلافها !!، أما علمتم أن العالم يزل وأن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ذكر ثلاثاً يهدمن الدين ، وذكر منها زلة العالم . أخرجه الدارمي بإسناد صحيح . فاتقوا الله والزموا الأدلة الشرعية ولا تردوها بمخالفة العلماء لها مع عدم إسقاط هؤلاء العلماء إذا كانوا علماء السنة ، بل نحفظ منزلتهم فيا لله أين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يتخذوا هذه الوسائل مع قدرتهم ولا مانع بمنعهم لو كانت خيراً وديناً يحبه الله.
أسأل الله أن يرزقنا الاتباع ويجنبنا الابتداع وأن يجعلنا على الهدي الأول عاضين بالنواجذ حتى لا نضل ولا عن الصراط تنزل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته