مفسدات الصيام
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
مفسدات الصيام
الحمد لله الذي فرض صيام رمضان، وجعله سببًا لتقوى الرحمن ، والصلاة والسلام على رسولنا الذي جعل صيامه ركنًا من أركان الإسلام العظام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
أما بعد:
فإن صوم رمضان فرض على كل مسلم عاقل بالغ قادر مقيم ، بدلالة الأدلة وإجماع علماء الملة ، كما حكاه ابن مفلح .
وإن للصوم مفطرات ومفسدات إذا فعلها الصائم فسد صومه ووجب عليه قضاؤه ، وهي كالتالي :
المفطر الأول/ الأكل والشرب وما كان في معناهما ، قال تعالى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، فمثل الأكل الإبر المغذية ، بخلاف الإبر غير المغذية كالإبر التي يتعاطاها مريض السكري .
المفطر الثاني/ الجماع ولو من غير إنزال، قال تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي ” أخرجه البخاري
ومن جامع فعليه الكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع لمرض لا لأجل المشقة فإنه يطعم ستين مسكينًا ، كما أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المفطر الثالث/ الإنزال مع المباشرة ولو باليد، فهذا مفطر لأنه داخل في عموم قول الله تعالى في الحديث القدسي ” يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي ” ، وقد أجمع العلماء على أنه مفطر حكاه البغوي وابن قدامة، وهذا بخلاف الاحتلام فليس مفطرًا بالإجماع ، حكاه ابن قدامة لأنه من غير تقصد ولا إرادة .
المفطر الرابع/ تعمد القيء بخلاف من ذرعه بلا تعمد، قال ابن عمر : من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء ” رواه مالك .
وجاء في حديث مرفوع ، لكن ضعفه أحمد وغيره .
المفطر الخامس/ العزم على الفطر. وهذا مفطر باتفاق المذاهب الأربعة لأن الصوم إمساك بنية، فإذا عزم على الفطر فقد انعدمت نيته وصار إمساكًا بدون نية، وهذا بخلاف من تردد في فطره أو علق فطره على وجود أمر فلم يوجده، فإن صومه لا يفسد على أصح قولي أهل العلم ، وبه كان يفتي شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –
المفطر السادس/ الحجامة . عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه الخمسة إلا الترمذي
فكل إخراج للدم الفاسد فهو كالحجامة كالفصد والشرط بخلاف إخراج الدم الصحيح كالتبرع بالدم وغيره فليس مفطرًا على أصح قولي أهل العلم .
المفطر السابع/ الحيض والنفاس. عن عائشة : «كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا تؤمر بقضاء» متفق عليه
فلو طهرت قبل الفجر ولو قليلًا وجب عليها الصوم، ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر .
المفطر الثامن / الردة – عافاني الله وإياكم – ، وهي الخروج من الإسلام ، فمن كان صائمًا فتكلم بكلمة كفر، كالاستهزاء بالله أو دينه أو رسوله ، فقد كفر بعد إسلامه وارتد بعد إيمانه قال تعالى { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
فلو تاب ورجع إلى الإسلام فقد فسد صومه ووجب عليه قضاؤه .
اللهم تقبل صيامنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن من أفطر في رمضان بلا عذر فقد فعل كبيرة عظيمة كالزنى والربا – عافاني الله وإياكم – قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – :” من أفطر يومًا من رمضان بلا عذر لم يجزئه صيام الدهر ولو صامه ” رواه البيهقي
بخلاف من أفطر لعذر كالنسيان أو مرض أو سفر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» أخرجه البخاري ومسلم
وقال تعالى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
ومع شناعة ذنب من أفطر بغير عذر إلا أنه يجب عليه قضاء ما أفطره قبل أن يهجم عليه الموت الذي هو هادم اللذات ومفرق الجماعات ، قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
وقال {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}
واعلموا أن المعاصي والذنوب تنقص أجر الصيام بإجماع أهل العلم ، قاله ابن تيمية.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ” رواه أحمد
و الذنوبُ والمعاصي من أسباب أن لا يكون حظ الصائم من صومه إلا الجوع والعطش ، فحافظ على صيامك لئلا يذهب أجرك بإطلاق بصر ولسان ويد ورجل فيما حرم الله .
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا
اللهم احفظ علينا صيامنا
اللهم جنبنا معاصيك وسخطك
د. عبد العزيز بن ريس الريس