مناهج الدعوة توقيفية
جمال بن فريحان الحارثي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
فلقد رأيت في منبر القصائد في موقع “سحاب السلفي” قصيدة “ليس الغريب” وهي قصيدة سلفية رائعة ومؤثرة ، ولكن لفت نظري أن المشارك حفظه الله قد وضع التسجيل الصوتي بصوت الملقي لهذه القصيدة بصوتٍ مؤثر، على نمط الإنشاد الصوفي، وكان القصد حسناً فيما نظن، ولكن حسن القصد لا يبرر صحة الطريقة في تتويب الناس، أو جعل قلوبهم تتأثر.
فأردت التنبيه على هذا بما يناسب المقام من نقل كلام أهل العلم في هذا، والنقل من كتاب “الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة” من إجابات الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى. الطبعة الثالثة 1424هـ ط. دار المنهاج ـ مصر.
واخترتها من الصفحات (43ـ45 “المتن والحاشية”)، و(20ـ22 “الحاشية” ).
س 17 : هل مناهج الدعوة إلى الله توقيفية، أم اجتهادية ؟ .
جـ/ مناهج الدعوة توقيفية، بيَّنها الكتاب والسنة وسيرة الرسول لا نحدث فيها شيئًا من عند أنفسنا، وهي موجودة في كتاب الله وفي سنة رسوله r، وإذا أحدثنا ضِعنا وضَيَّعنا.
قال r : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ) .
نعم، جَدَّت وسائل تُستخدم للدعوة اليوم، لَم تكن موجودة من قبل، مثل: مكبرات الصوت، والإذاعات، والصحف، والمجلات، ووسائل الاتصال السريع، والبث الفضائي؛ فهذه تُسمى: وسائل، يُستفاد منها في الدعوة، ولا تُسمَّى مناهج؛ فالمناهج بَيَّنها الله تعالى بقوله : ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ ، وفي سيرة النَّبِي ج في الدعوة بمكة والمدينة ما يُبَيِّن مناهج الدعوة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ . انتهى جواب الشيخ الفوزان.
قلت ” القائل المعلق على كتاب “الأجوبة المفيد..”:
إن الله تعالى قد أكمل لنا الدين؛ فليس لأحد من الناس أن يَخترع من عنده طريقة للدعوة، وإلا سيكون لسان حاله يقول : إن النبي ج قَصَّر في تبليغ الرسالة، وإلى التوصل إلى طريقة أكثر فائدة وتأثيرًا .
فهذا رسول الله rعندما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، قال له: (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب؛ فإذا جئتهم فادعُهم إلى: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم) الحديث. أخرجه البخاري (1331، 1425).
فهذا الحديث يدل دلالة واضحة صريحة على أن مناهج الدعوة إلى الله توقيفية، وإلا فإن معاذ بن جبل أجدر بالدعوة من آلاف دعاة اليوم .
وقد سئل شيخ الإسلام بن تيمية عن رجل جعل السماع طريقة لدعوة الناس و تتويبهم، وهذا نص السؤال والجواب:
“سئل -رحمه الله- عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من قتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك، ثم إن شيخًا من المشايخ المعروفين بالخير و اتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك؛ فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعًا يجتمعون فيه بِهذه النية، وهو بدُف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة؛ فلما فعل هذا تاب منهم جماعة، وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي .. يتورع من الشبهات, ويؤدي المفروضات, ويجتنب المحرمات؛ فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لِمَا يترتب عليه من المصالح ؟ مع أنه لا يمكنه دعوتَهم إلا بِهذا ؟!! .
فأجاب -رحمه الله-:
“الحمد لله رب العالمين، إن الله بعث محمدًا ج بالهدى ودين الحق، … وأنه أكمل له ولأمته الدين، .. وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به، .. فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين, وحزبه المفلحين, وجنده الغالبين، وكان السلف كمالك وغيره يقولون : “السنة كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق”.
إذا عرفتَ هذا؛ فمعلوم أن ما يهدي به الله الضالين، ويرشد به الغاوين، ويتوب على العاصين، لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، .. وإذا تبين هذا نقول للسائل : إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر؛ فلم يمكنه ذلك إلا بِمَا ذكره من الطريق البدعي؛ يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بِها تتوب العصاة، أو عاجز عنها؛ فإن الرسول ج والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هم شر من هؤلاء من أهل الكفر، والفسوق، والعصيان؛ بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بِها عن الطرق البدعية” .
انتهى باختصار من مجموع الفتاوى: (11/620-624)، وقد طبعت مفردة بعناية الأخ/ يوسف العتيق -وفقه الله- بعنوان: “الطرق الشرعية والطرق البدعية في المسائل الدعوية من كلام شيخ الإسلام بن تيمية” .
فتأمل -أخي الكريم- هذه الطريقة البدعية، وقارنْها بالطريقة التي يسلكها بعض الدعاة اليوم والفِرَق، ويسمونَها: “مناهج دعوية” من: اللعب بالكرة، والأناشيد، والتمثيليات الَّتِي يسمونَها “إسلامية” -زعموا-، والرحلات، والقصص؛ فالله المستعان، والله تعالى أعلم .
قال الشيخ صالح الفوزان في كتابه “الخطب المنبرية”: (3/184-185) (ط1411′)، ما نصه:
“وما ينبغي التنبيه عليه: ما كثُر تداوله بين الشباب المتدينين من أشرطة مسجل عليها أناشيد، بأصوات جماعية يسمونَها: “الأناشيد الإسلامية”. وهي نوع من الأغاني، وربَّما تكون بأصوات فاتنة، وتباع في معارض التسجيلات مع أشرطة تسجيل القرآن الكريم، والمحاضرات الدينية .
وتسمية هذه الأناشيد بأنَّها: “أناشيد إسلامية” تسمية خاطئة؛ لأن الإسلام لَم يشرع لنا الأناشيد، وإنَّما شرع لنا ذكر الله، وتلاوة القرآن …، وتعلم العلم النافع .
أما الأناشيد فهي من دين الصوفية المبتدعة، الذين اتخذوا دينهم لَهوًا ولعبًا،واتخاذ الأناشيد من الدين فيه تشبه بالنصارى، الذين جعلوا دينهم بالترانيم الجماعية والنغمات المطربة.
فالواجب الحذر من هذه الأناشيد، ومنع بيعها وتداولها، علاوة على ما قد تشتمل عليه هذه الأناشيد من تَهييج الفتنة بالحماس المتهور، و التحريش بين المسلمين.
وقد يستدل من يروج هذه الأناشيد: بأن النبي r كانت تُنشد عنده الأشعار، ويستمع إليها، ويقرها.
والجواب عن ذلك: أن الأشعار التي كانت تُنشد عند رسول الله ج ليست تُنشد بأصوات جماعية على شكل أغاني، ولا تُسمى “أناشيد إسلامية”، وإنَّما هي أشعار عربية، تشتمل على الحِكَم، والأمثال، ووصف الشجاعة والكرم، وكان الصحابة ينشدونَها أفرادًا؛ لأجل ما فيها من هذه المعاني، ويُنشدون بعض الأشعار وقت العمل المتعب كالبناء، والسير في الليل في السفر، فيدل هذا على إباحة هذا النوع من الإنشاد في مثل هذه الحالات خاصة، لا على أن يُتخذ فنًّا من فنون التربية والدعوة، كما هو الواقع الآن؛ حيث يُلقَّن الطلاب هذه الأناشيد، ويُقال عنها : “أناشيد إسلامية”، أو “أناشيد دينية” .
وهذا ابتداع في الدين، وهو من دين الصوفية المبتدعة؛ فهم الذين عُرف عنهم اتخاذ الأناشيد دينًا .
فالواجب التنبيه لهذه الدسائس، ومنع بيع هذه الأشرطة؛ لأن الشر يبدأ يسيرًا، ثم يتطوَّر ويكثر إذا لم يبادر بإزالته عند حدوثه”.
وسئل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين عن الأناشيد، وهذا نص السؤال والجواب.
“س/ هل يجوز للرجال الإنشاد الإسلامي؟ وهل يجوز مع الإنشاد الضرب بالدف لهم؟
وهل الإنشاد جائز في غير الأعياد والأفراح؟.
جـ/ “الإنشاد الإسلامي إنشاد مبتدع، يشبه ما ابتدعته الصوفية، ولهذا ينبغي العدول عنه إلى مواعظ القرآن والسنة، اللهم إلا أن يكون في مواطن الحرب ليستعان به على الإقدام والجهاد في سبيل الله تعالى؛ فهذا حسن. وإذا اجتمع معه الدُّف كان أبعد عن الصواب“. نقلاً من كتاب “فتاوى الشيخ: محمد العثيمين” جمع: أشرف عبد المقصود: (1/134-135) ط الثانية (1412هـ) ، دار عالَم الكتب.
وصلى اله على محمد وآله وصحبه أجمعين,,,,,,,
كتبه
جمال بن فريحان الحارثي
27/2/1426هـ