من عظيم النعم نجاح الحج
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم
[من عظيم النعم نجاح الحج ]
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، الحمد لله على نجاح الحج وتمامه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من حج وطاف وسعى . وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أما بعد:
فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].
إنه في هذا العام -ولله الحمد- قد نجح الحج نجاحًا باهرًا كبقية الأعوام وإن كان نجاحه في هذه السنة فائقًا ولامعًا عن بقية الأعوام والسنين
وإن أعظم نجاح للحج ظهور أنوار التوحيد والسنة وتبديد ظلمات الشرك والبدعة كما هو حال الحج منذ تولته الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك المصلح المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن-رحمه الله رحمة واسعة-وأبنائه الملوك من بعده إلى ملكنا سلمان بن عبد العزيز -وفقه الله وسدده- فإنه أول ما دخلت الحجاز تحت ملك الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن هدم القباب والأضرحة التي تعبد من دون الله، ودعا الناس إلى عبادة الله وحده، حتى إنه طهَّر المسعى من الغناء والتعبُّد الصوفي البدعي، ثم جمع الناس على إمام واحد، إذ كان بالحرم أربعة محاريب، محراب للمذهب الحنفي، ومحراب للمذهب المالكي، ومحراب للمذهب الشافعي، ومحراب للمذهب الحنبلي، يُصلي كل مذهب وحده فإذا انتهوا صلى المذهب الآخر وهكذ…
فطهَّر بيت الله الحرام من الشرك، وهدم القباب والأضرحة، وهذا أعظم نجاح وخدمة قدمها آل سعود للحج وللمسلمين إلى يومنا هذا .
ومن النجاح العظيم أن أُمّن الحجاج -بفضل الله- بعد خوفهم فإنه قبيل أن يتولى الملك عبد العزيز حكم الحجاز أفتى علماء الشام وغيرهم بأن فرض الحج ساقط عن الناس لعدم أمن الطريق لكثرة قطاع الطريق إلى أن منّ الله بولاية الملك عبد العزيز فأمن الناس بعد خوفهم وهكذا الحال إلى يومنا هذا -ولله الحمد-
إن لنجاح الحج أسبابًا منها:
السبب الأول: تمسك الدولة السعودية بالتوحيد والسنة في زمن تخلَّت أكثر الدول الإسلامية فضلًا عن غيرها عن توحيد الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
يا لله! كم من القبور والأضرحة التي تُقصد وتُعبد في بلاد العالم الإسلامي شرقًا وغربًا؟ خلا هذه الدولة، أسأل الله أن يعزها وجميع دول المسلمين بالتوحيد والسنة إنه الرحمن الرحيم.
قال سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [المائدة: 55]، فمن قام بالتوحيد فله وعد من الله بالتمكين والقوة، وإنا لنرى هذا الوعد جليًا ظاهرًا في هذه الدولة، أسأل الله أن يزيدها تمسكًا بالتوحيد والسنة، وجميع دول المسلمين، إنه الرحمن الرحيم.
السبب الثاني: تحكيم هذه الدولة المباركة لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يُحكم بين الناس بالقوانين الانجليزية، ولا الفرنسية، ولا الأحكام الوضعية، وإنما بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
فلما كانوا كذلك ثبَّتهم الله وقوَّاهم ونصرهم في زمن كهذا الزمن الذي تكالب عليهم الأعداء من الشرق والغرب، ومعهم الصفويون الرافضة وغيرهم من الإخوان المسلمين، ومع ذلك زادهم الله قوة وثباتًا، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].
السبب الثالث: الاجتهاد في تعليم الناس التوحيد والسنة ومناسك الحج والعمرة، بتفريغ دعاة شرعيين كثيرين لهذه المهمة، وهم ما بين مدرسين في المساجد أو مجيبين على أسئلة السائلين مباشرة في المسجد وأماكن معدة لذلك، بل خصص رقم هاتفي موحد مجاني يستقبل الاتصالات الداخلية والدولية لإجابة السائلين، ومن الجهود المتميزة تفريغ رجالات كثيرين من رجالات الحسبة في إنكار الشرك والبدع من بعض جهلة المسلمين وما أكثرهم .
السبب الرابع: الجهد العظيم الذي يقوم به ولاتنا و رجال الأمن وغيرهم في ترتيب الحجاج وتنظيمهم، والله إن من حجَّ رأى العجب العجاب من الجهد العظيم الذي يقدم للحجاج فإنه يزدحم في الحج ملايين فيُرتبون ترتيبًا بديعًا، ويفوجون تفويجًا مبهرًا والله لو كان هذا الاجتماع في دول أخرى لرأيت مقاتل ومجازر، كما يحصل في بعض الدول في بعض المباريات العالمية، فترى قتلًا وضربًا وسفكًا للدماء، وهي مباراة في لعب كرة القدم، والحضور أقل من هؤلاء بأضعاف مضاعفة.
أما في هذا الاجتماع المبهر ترى ترتيبًا بديعًا، فرجال الأمن من أرق الناس قلبًا وأكثرهم خدمة للحجاج المحتاجين والضعفاء وفي المقابل هم ليوث وأشداء مع كل مريد للإفساد والتخريب .
فيا لله، كم تراهم قد حملوا كبيرا على أكتافهم ليرمي الجمرات، إلى غير ذلك من الأعمال الكثيرة الجبارة.
السبب الخامس: الخدمة الفائقة للمرضى من الحجاج بأن تجرى لهم العمليات الجراحية والقلبية مجانًا ثم يتنقل بهم وبالمكسورين بسيارات الإسعاف لإكمال مشاعر الحج من الوقوف بعرفة وغير ذلك حتى لا يفوت عليهم الحج.
السبب السادس: تكفل الملك بأن يحجج على نفقته الخاصة آلافًا من الحجاج ، فيكرمون غاية الإكرام، ويسكنون في أرقى الفنادق وأحس الأماكن في منى، وتوزع عليهم الهواتف النقالة بشرائحها ، بل ويتكفل بهدي كل واحد منهم .
إن هذه الأسباب العظيمة سبب عظيم لنجاح الحج ، فلله الحمد أولًا وآخرًا.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، ومن لا يُحمد إلا أنت، ولا يُلتجأ إلا إليك، نحمدك حمدًا كثيرًا حتى ترضى على هذه النعم العظيمة، ونسألك أن تزيدها وأن تثبتها وأن تعمها في بلاد المسلمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنه لو تولى أمر الحج الرافضة أو الصوفية أو الأباضية أو الأشاعرة لأفسدوه دينيًا، والله وتالله وبالله لو لم يكن من فضل آل سعود -أنصار التوحيد والسنة- في توليهم لأمر الحج إلا أنهم منعوا الشرك وعبادة غير الله، لكان حسنة عظيمة يُشاد بها غاية الإشادة، أي عمل صالح أحب إلى الله من توحيده وهو ألا يُعبد إلا هو؟ وأي ذنب أبغض إلى الله من الشرك وهو عبادة غير الله مع الله؟
قال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [الإسراء: 23]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72]، وقال الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65].
فلما كان – بفضل الله- الحج بيد أهل التوحيد والسنة صار الناس مأمونين في أديانهم ولا يرجعون إلى بلادهم إلا بكتب توحيد وسنة فيها تحذير من الشرك والبدع الكثيرة، فاللهم لك الحمد كثيرًا، اللهم لك الحمد أن جعلت أمر الحج وزمامه في أيدي رجال يُعظمون توحيدك ويقومون بسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
إنه لما تولى أمر الحج الدولة العثمانية، قد شاع الشرك والتصوف، ومنع أهل التوحيد في هذا البلد أن يحجوا بيت الله الحرام اثنتي عشرة سنة؟ من عام اثنين وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف إلى عام ثلاث وأربعين وثلاثمائة بعد الألف، لأن أهل التوحيد يقولون: لا يُعبد إلا الله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاث إلا بالله، ولا يُطلب المدد إلا من الله، فمنعوا أهل التوحيد أن يحجوا بيت الله أكثر من عشر سنوات، لكن لما تولته دولة التوحيد والسنة، سمحت للجميع أن يحجوا، بشرط ألا يُظهروا ما يُغضب الله من الشرك والبدع وغير ذلك، أو أن يفعلوا ما يؤذي الحجاج ويُفسد أمنهم.
فاللهم لك الحمد كثيرًا.
اللهم أحيينا على التوحيد والسنة وأمتنا على ذلك، وأعز الإسلام والمسلمين، ودمر الشرك والمشركين.
اللهم اشكر لولاتنا ولاة التوحيد والسنة جهودهم الجبارة لخدمة ضيوفك حجاج بيت الله الحرام، وزدهم توفيقًا ورفعةً .
د.عبدالعزيز بن ريس الريس
@dr_alraies
المشرف العام على موقع الإسلام العتيق
14 – 12 – 1440هـ