من لا يعمل بعلمه، هل يُعذب قبل عُبَّاد الوثن؟
عمر بن عبدالعزيز الريس
يقول السائل: هل صحيح أن من لم يعمل بعلمه يُعذب قبل عُباد الوثن؟ وهل صحَّ فيه حديث؟
الجواب:
العمل له حالان:
– الحال الأولى: عمل واجب، ومن لم يعمل بالعمل الواجب فهو آثم، فما دل العلم على أنه واجب العمل به فتركه العبد ولم يعمل به فهو آثم.
– الحال الثانية: أن يكون العمل مستحبًا، فمن ترك العمل به فهو مُقصر، لأنه ترك مستحبًا.
فعلى هذا، العالم إذا تعلم العلم الشرعي فإن دل العلم على أن هذا العمل واجب فتركه العالم فقد أثِمَ، وإن دل العلم على أن هذا العمل مستحب فتركه العالم فهو مُقصر.
وتقصير العالم أشد من غيره لأنه كلما علت درجة الرجل صار يُلام على ما لا يُلام عليه من دونه.
وقد يظن بعض الناس أن العلم القليل مع العمل خير من العلم الكثير، وهذا فيه نظر، بل العلم نفسه عبادة، ومن لا يزال يطلب العلم فهو في عبادة بل هو على أصح أقوال أهل العلم في أفضل عبادة.
فمجرد طلب العلم عبادة، فلذا كلما كثُر العلم كان العبد أكثر تعبدًا لله، وأرفع درجة، لكن يجب أن يكون مُخلصًا لله وأن يعمل بالعلم الواجب، وأن يُجاهد نفسه على العمل بالعلم المستحب، فكلما زاد عملًا زادت رفعته.
ومما ذكر ابن رسلان في (النبذ) وهي منظومة في المذهب الشافعي، قال:
فعـــالمٌ بعلمــهِ لــم يَعملن * * * مُعــــذبٌ من قبـل عُبَّـاد الـوثن
وهذا الكلام على إطلاقه لا يصح، لابد أن يُحمل على ما تقدم ذكره من ترك العلم الواجب، ثم القول بأنه يُعذب قبل عُباد الوثن مطلقًا هذا يحتاج إلى تأمل، ولم أقف على دليل صريح في ذلك.
أما ما روى أبو نُعيم وغيره عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الزبانية أسرع إلى فسقة القرُّاء -أي العلماء- منهم إلى عبدة الأوثان، فيقولون: يُبدأ بنا قبل عبدة الأوثان، فيقال لهم: ليس من يعلم كمن لا يعلم».
فإن هذا الحديث ضعيف، توارد العلماء على تضعيفه، وضعفه أبو نُعيم نفسه لما قال: “غريب”، فإن معنى “غريب” أي: ضعيف، وضعفه الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام) وفي (سير أعلام النبلاء)، وذكره ابن الجوزي في (الموضوعات)، وتوارد العلماء على تضعيفه، إلى العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-.
فهذا الحديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما ما روى مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم رجلًا تعلم العلم ليُقال عالم، وقرأ القرآن ليُقال عالم، أي تعلم العلم رياءً -والعياذ بالله- فهذا أول ما يُقضى بين الناس.
فيقال: هذا كان حاله كذلك لأنه تعلم رياءً وسمعة، لا لأنه ترك العمل بالعلم مطلقًا، هذا أولًا.
ثانيًا: قد ذكر القرطبي في شرحه على صحيح مسلم أن هذه الأولية نسبية، ليست مطلقة.
فالمقصود أن القول بأن من لم يعمل بالعلم فهو مُعذب قبل عُباد الوثن هكذا بالإطلاق، هذا فيه نظر ويحتاج إلى تفصيل، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.
Tags: ترك العمل بالعلم, عدم العمل بالعلم, وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن