هؤلاء سلفنا
أحمد بن ناصر آل عبدالله
الحمد لله الذي أعزَّ أولياءَه، وجعل لهم في قلوب الخلائق وُدًّا، أحمده – سبحانه – القاهرُ فوق عباده والأعزُّ جُندًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدًا، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله أتقَى الخلق طُرًّا وأسخاهم يدًا، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا دئمَين أبدًا.
أما بعد:فاتقوا الله – عباد الله -، واعبُدوه واشكُروا له وأنيبُوا إليه، واذُروا أنكم مُلاقُوه، فأعِدُّوا لهذا اليوم عُدَّتَه، ( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ).
عباد الله : لكي تستقيم حياتنا ، ونفوز بآخرتنا ،فها هي الطريق بين أيدينا ، لنقف على شيء من أحوال سلفنا كيف هم ؟ وكيف كنا ؟ نقف لنقتدي بسيرهم إنهم صحابة محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) وهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلا هم؟ قوم اختارهم الله لصحبة نبيه فإن الله نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ) رواه أحمد وحسنه ابن حجر من قول ابن مسعود.
وقال الحسن البصري 🙁 فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم )
هم (خير الناس قرنه صلى الله عليه وسلم ) كما في الصحيحين .
قال الله عنهم:( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
وقال سبحانه: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ).
كانوا كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “قلّ ليلة تمر بهم إلا صلّوا فيها”
ويقول بلال بن سعد: “أدركتهم يشتدون بين الأغراض؛ أي في التمرين، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل، كانوا رهبانًا”.
كن كالصحابة في زهد وفي ورعٍ . القوم هم، ما لهم في الناس أشباهُ
عباد ليل إذا جنَّ الظلام بهم … كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأُسْدُ غابٍِ إذا نادى الجهاد بهم … هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً … يشيدون لنا مجداً أضعناه
كانوا مع القرآن وتعلمه كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن”
قال أبو عبد الرحمن السلمي -رحمه الله-: “حدثنا
الذين كانوا يقرئونا القرآن أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تعلموا عشر آيات لم يخلِّفوها -يعني لم يتجاوزها- حتى يعملوا بما فيها من العمل قال: فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا”
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) وحق التلاوة يدخل فيه العمل بالمتلو؛ أن يحلّ حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرِّف الكلم عن مواضعه ولا يفسره بغير مراد الله -سبحانه وتعالى-،
قال الحسن -رحمه الله- في شأن إخلاصهم: “إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الضيوف الزوّر وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على ظهر الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه سرًا فيكون علانية أبدًا”
قال الحسن: “إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه
عبرته -يعني دمعته- من خشية الله فيردها، فإذا خشي أن تسبقه قام، وكان الرجل يتعبّد عشرين سنة وما يعلم به جاره، وكانوا يخفون العمل حتى عن أهليهم، فينطلق الواحد في أول اليوم صائمًا، يأخذ معه إفطاره في الصباح تظن زوجته أنه سيفطر في عمله، فيذهب، ويتصدق به في الطريق، فيرجع قبل المغرب، فيتغدى، وهو في الحقيقة إفطاره.
عباد الله: لنتصور حالنا وحالهم أثناء الطواف ، حديث دنيا ، وتصوير وتسنيب ليقول للناس شاهدوني ، قال نافع مولى ابن عمر: “لقد أدركتُ أقوامًا يطوفون بهذا البيت كأن على رؤوسهم الطير خشَّعا” فلم يكن يأتونه مزارا سياحيا.
ومن شأنهم مع سماع الأذان ما قاله ابن جريج -رحمه الله-: “حُدّثتُ أن أناسًا كانوا فيما مضى، كانوا ينصتون للتأذين كإنصاتهم للقرآن؛ ينصتون للأذان كإنصاتهم للقرآن، فلا يقول المؤذن شيئًا إلا قالوا مثله” قارنه بحالنا
وكانوا يشهدون الجنائز فتؤثر فيهم أيامًا كما قال الأعمش: “إن كنا لنحضر الجنازة فما ندري من نعزي من وجد القوم” يعني من حزنهم جميعًا ما نعرف أولياء الميت كلهم في حزن.
وقال إبراهيم: “كانوا إذا شهدوا الجنازة عرف ذلك فيهم ثلاثًا”. يعني ثلاثة أيام أثر المشهد في وجوههم! فكيف بقوم يضحكون ويعبثون في وقت الدفن؟!
قال ثابت البناني: “لقد كنا نتبع الجنازة، فما نرى حول السرير -يعني سرير الجنازة- إلا متقنعًا باكيًا، أو متفكرًا كأنما على رؤوسهم الطير”
كانوا يعظّمون حرمات الله، قال أنس -رضي الله عنه-: “إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات” رواه البخاري ، وقال الحسن: “أدركنا أقوامًا إذا أصاب أحدهم الذنب الذي تحتقرونه كبُر عليه واستغفر )
هكذا كانوا يتعاظمون الذنب فتعظم التوبة ويكثر الاستغفار، وأما إذا استهان الإنسان بذنبه لا يلقي له بالاً، فمتى يتوب؟
أما حالهم مع الدنيا فأشبه بالخيال لنا كما قال إبراهيم -رحمه الله-: “إن من كان قبلكم كانوا يفرون من الدنيا وهي مقبلة عليهم، وإنكم تتبعونها وهي مدبرة عنكم، فقيسوا أمركم وأمر القوم”
وقال الحسن: “أدركتُ أقوامًا كانت الدنيا تعرض لأحدهم حلالها فيدعها، ويقول: والله ما أدري على ما أنا من هذه إذا صارت في يدي” ، يعني: ماذا سيكون حالي إذا اشتغلت بهذا المال وصار في يدي؟!
وكانوا إذا لقي بعضهم بعضًا سألوا عن أحوالهم ليحمدوا الله، وكانوا يتزاورون شوقًا إلى بعضهم ، وتذكر الممات وما بعده، ويتساءلون عن أمر دينهم وما يصلح صلاتهم و صيامهم وزكاتهم خشية التقصير في الواجبات، قال عون بن عبد الله: “كانوا يتلاقون فيتساءلون، وما يريدون بذلك إلا أن يحمدوا الله -عز وجل-” ، أي ليس حباً في الاستطلاع ومعرفة الأخبار ، ومن ثم التذمر والتشكي ، إنما يريدون أن يحمدوا الله -عز وجل- فيقوموا بشكر نعمته .
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن يقتدي بهم يا رب العالمين، اللهم اجزهم عن الإسلام وأهله خيرًا، إنك أنت الكريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي أرسل رسوله محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وملائكتِه وأنبيائِه والصالحين من عباده عليه، وسلِّم تسليمًا مزيدًا، ورضي الله عن أصحابه الكرام ، أهل المواقف العِظام، وهداة الأنام .
أما بعد: أما حالهم مع الصلاة فأعظم أن تحيط به خطبة
خرج عمرُ يومًا إلى حائط له ( أي بستان )، فرجع وقد صلى النَّاس العصرَ، فقال عمر: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون؛ فاتَتني صلاة العَصر في الجماعة، أُشهِدكم أنَّ حائطي على المساكين صدَقَة”؛ ليكون كفَّارة لما صنع عمر رضي الله عنه،
في صحيح مسلم ينقل لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صورة حية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالهم مع صلاة الجماعة فيقول : ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد رأيت الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين ( أي لمرضه لا يستطيع المشي )حتى يقام في الصف .
فأين النائمون عن صلاة الفجر و العصر الذين أنعم الله عليهم وأصحّ لهم أجسامهم ؟ وما عذرهم أمام الله تعالى
منائركم علت في كل واد ومسجدكم من العباد خالي
صلاة بخشوع وشوق لها ، يصَوِّرُ لَنَا عُدَيُّ بْنُ حَاتِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- صورة من ذلك فَيَقُولُ: “مَا جَاءَ وَقْتَ صَلاَةٍ قَطُّ إِلاَّ وَقَدْ أَخَذْتُ لَهَا أُهْبَتَهَا، وَمَا جَاءَتْ إِلاَّ وَأَنَا إِلَيْهَا بِالأَشْوَاقِ”.أم ابن الزبير فدونكم كتب السير والأخبار بعجيب ذلك ، ومن ما كان أيام حصار الحجاج لمكة سجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه ، كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع .
لهذا كانت بيوتهم وذراريهم على ما ربى به أولهم فهَذَا حفيد بْنِ الزُّبَيْرِ ثَابِتُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْد اللهِ كَانَ كَثِيرًا مَا يَدْعُو: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ المَيْتَةَ الحَسَنةَ”، قَالُوا: وَمَا المَيْتَةُ الحَسَنَةُ؟! قَالَ: “أَنْ يَتَوَفَّانِي اللهُ وَأَنَا سَاجِدٌ”.
وَصَدَقَ مَعَ اللهِ، فَبَلَّغَهُ اللهُ مُنَاهُ، فَنَزَلَتْ بِهِ سَكَرَاتُ المَوْتِ قَبْلَ صَلاةِ المَغْرِبِ حَتَّى إِذَا وَصَلَ سَمْعَهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، قَالَ: احْمِلُونِي إِلَى المَسْجِدِ، قَالُوا: عَذَرَكَ اللهُ وَأَنْتَ مَرِيضٌ، قَالَ: أَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، ثُمَّ لاَ أُجِيبُ؟! احْمِلُونِي إِلَى المَسْجِدِ، فَحَمَلُوهُ عَلَى أَكْتَافِهِمْ.
فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قُبِضَتْ رُوحُهُ إِلَى بَارِئِهَا عَلَى خَاتِمَةٍ عَاشَ عَلَيْهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا.
هذه حال سلفنا فما هي حالنا ؟! ومَا اسْتِجَابَتُنَا لِقَوْلِ
ربنا: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاة وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)
إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ -عِبَاد اللهِ- أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ وَالجَمَاعَاتِ أَصْبَحَ ظَاهِرَةً فِي بُلْدَانِ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وَقَلِّبْ نَظَرَكَ -أَخِي المُبَارَكَ- وَقَارِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ المُصَلِّينَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ فِي مَوَاكِبِ النَّاسِ خَارِجَةً لِعَمَلِهَا! يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.
فَآهٍ مِنْ نُفُوسٍ تُحَرِّكُهَا مَصَالِحُهَا وَلَذَّاتُهَا العَاجِلَةُ، وَلاَ تَتَحَرَّكُ لِنِدَاءِ الرَّحْمَنِ يُنَادِيهَا لِرَحْمَتِهِ وَرُضْوَانِهِ.
آهٍ مِنْ غَفْلَتِنَا وَرَقْدَتِنَا عَنْ كُنُوزِ الحَسَنَاتِ وَبِحَارِ الأُجُورِ الَّتِي ضَيَّعَهَا مَنْ ضَيَّعَ يَوْمَ ضَيَّعَ صَلاَتِهِ،
لهذه الفوارق بيننا وبين سلفنا مضى سلفنا في عزة وكرامة، ونحن عشنا تحت رحمة أعدائنا في ذل وهوان مع كثرة عددنا ووفرة أموالنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، عباد الله.. إن المسلم ليذوب قلبه أسى على ذهاب عزة المسلمين وليس ثم استعادة لما ضاع من كرامتنا إلا برجوعنا إلى ديننا وإصلاح أحوالنا .
اللهم إنا نشهدك على محبتهم فاحشرنا معهم، اللهم إن نبيك صلى الله عليه وسلم قال: (المرء مع من أحب) ، اللهم اجعلنا معهم يوم الدين، واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين، اللهم اجمعنا بهم في جنات النعيم .
عباد الله : صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان،
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين يا قوي ياعزيز
اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين عامة وأصلح ووفق ولاة أمرنا خاصة يارب العالمين،اللهم آمنا في الأوطان وا لدور
اللهم من أرادنا بشر وفتنة فأشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميره وسلط عليه يا قوي يا عزيز،
اللهم وفق إخواننا العساكر ورجال الأمن المرابطين لكل خير اللهم احفظهم وسدد رميهم واشف مرضاهم وارحمهم موتاهم يارب العالمين .
لا إله إلا أنت سبحانك .. اللهم أغثنا ..
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.