هل يستقيم الظل والعود أعوج ؟!!! (2) وماذا كان ينتظر منه أن يقول ؟!!!
د. عارف بن عوض الركابي
هل يستقيم الظل والعود أعوج ؟!!! (2)
وماذا كان ينتظر منه أن يقول ؟!!!
بقلم : د.عارف عوض الركابي
خرج قبل أيام الدكتور / حسن الترابي من السجن ، وبعد خروجه بوقت قليل ظهر على شاشات بعض القنوات الفضائية ، ولم يأت بجديد !! فقد جاء مؤكداً موقفه من ولي الأمر في هذه البلاد ، وصرح مؤيداً حكم ما سمي بالمحكمة الجنائية !! وقد استغرب بعض الناس من تأييد حسن الترابي لحكم هذه المحكمة التي تحكم بحكم الطاغوت ، فضلاً عن أنها بحكمها الجائر على رئيس الدولة قد مست سيادة هذا البلد وأساءت إلى أهله .
يقول العلامة السعدي في تفسير هذه الآية : (يعجب تعالى عباده من حالة المنافقين. { الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ } مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله، ومع هذا { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } وهو كل من حكم بغير شرع الله ، فهو طاغوت.والحال أنهم { قد أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ } فكيف يجتمع هذا والإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمَنْ زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله ، فهو كاذب في ذلك. وهذا من إضلال الشيطان إياهم ، ولهذا قال: { وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا } عن الحق)ا.هـ.
وقد كتبت قبل أسبوعين في هذه الصحيفة مقالاً بعنوان (هل يستقيم الظل والعود أعوج؟!!) وعدّدت فيه أكثر من عشرة تصريحات سابقة للترابي في موقفه من الكتاب والسنة والصحابة الكرام والفقه والفقهاء . وقارنت بين التصريحات التي سطرت في كتب الترابي وتصريحاته بشأن رئيس الدولة ، وتبين أن لا مقارنة في خطورة تلك التصريحات الأولى على الدين وثوابته وتشريعاته ـ إذ هي أخطر ـ وبين تصريحاته الأخيرة التي تمس رأس الدولة وولي الأمر فيها.
وماذا كنا ننتظر أن يقول الترابي بعد أن خرج من السجن بشأن حكم المحكمة الجنائية؟!
لماذا استغرب بعض الناس من تصريحاته ؟!
أليس حسن الترابي هو نفسه الذي عرف عبر عقود من الزمان بردَّ الأحاديث النبوية الثابتة؟!
أليس هو الذي لا زال يأتي بالغرائب والعجائب التي يخالف بها إجماع الأمة؟!
لنقف مع هذه (النماذج) ليزداد القارئ يقيناً لما أشرت إليه :
دعوة الترابي لتزويج المسلمة المؤمنة للكافر: فقد ردّد ذلك كثيراً ، ومما قاله في ذلك : “إن منع زواج المرأة المسلمة من غير المسلم ليس من الشرع في شيء، والإسلام لم يحرمه، ولا توجد آية أو حديث تحرم زواج المسلمة من الكتابي مطلقاً”.
والترابي مخالف لنصوص الكتاب والسنة ولإجماع الأمة في هذه المسألة ، وممن نقل الإجماع على ذلك العلامة المفسر القرطبي المالكي في تفسيره ، في تفسير قوله تعالى: (ولا تُنكِحوا المشركين) حيث قال :” أي: ولا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام».
دعوته لعدم قتل المرتد: وهي من المسائل التي أصرّ عليها ، حيث زعم أن المرتد إن لم يقاتل الدولة فإنه لا يقتل ، وهو بذلك مخالف للأحاديث الواردة في هذا الأمر والتي منها الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من بدل دينه فاقتلوه) وهو حديث عام في قتل (كل) مرتد ، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين مرتد ومرتد ، وتصريح الترابي مخالف ـ أيضاً ـ للإجماع المنعقد في ذلك ، قال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب (الإجماع) : «وأجمع أهل العلم على أن شهادة شاهدين يجب قبولهما على الارتداد، ويُقتل المرتد بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإسلام».
وعلماء الأمة قد أجمعوا على قتل المرتد عن دين الإسلام (إن كان المرتد رجلاً )، وخالف الأحناف في قولهم بعدم قتل المرأة المرتدة ، وقولهم مرجوح لعموم الأمر بالقتل لمن ارتد وهو يشمل الرجل والمرأة.
وقال ابن رشد في (بداية المجتهد): «والمرتد إذا ظفر به قبل أن يحارب فاتفقوا على أنه يُقتل الرجل؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) واختلفوا في قتل المرأة وهل تُستتاب قبل أن تُقتل؟ فقال الجمهور: تُقتل المرأة، وقال أبو حنيفة: لا تُقتل».
وقال الزرقاني في شرحه على الموطأ: «ويشمل عمومه ـ يعني الحديث ـ الرجل وهو إجماع».
إنكاره نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان: وهذه أيضاً من القضايا التي ردّ فيها النصوص الشرعية الثابتة وخالف فيها إجماع علماء الأمة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ثم قال أبو هريرة: “وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” رواه البخاري ومسلم .والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
وأما الإجماع على ذلك فقد حُكي من قديم الزمان ، ولم يخالف في إثبات نزوله عليه السلام إلا بعض الملاحدة والفلاسفة ممن لا يعتد لهم بقول .
وقال أبو جعفر الطحاوي الحنفي : “ونؤمن بأشراط الساعة؛ من خروج الدَّجَّال ،ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء”.
وقال القاضي عياض المالكي: “نزول عيسى وقتله الدَّجَّال حقُّ وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته”.
وقال ابن كثيرالشافعي:”تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى ـ عليه السلام ـ قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً”. ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً في نزوله.
وقال السفاريني الحنبلي :”قد أجمعت الأمة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة”.
وقال الشوكاني في كتابه (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح): “فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة”.
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر: “وقد لعب المجددون أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان قبل انقضاء الحياة الدنيا تأويل منطوٍ على الإنكار تارة، وبالإنكار الصريح أخرى، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها يُعلم مضمونها فيها من الدين بالضرورة فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل”.
لقد حكى هؤلاء العلماء الأجلاء وغيرهم من أهل العلم ـ قديماً وحديثاً ـ إجماع الأمة على نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان وجمع العلماء هذه الأحاديث ، وأُلفت في ذلك المؤلفات الكثيرة،ومن هذه الكتب: كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) للشيخ محمد أنور شاه الكشميري الهندي، وقد جمع خمسة وسبعين حديثاً وردت في إثبات نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ في آخر الزمان.
اعتراضه على القول بعدالة الصحابة الكرام : حيث اعترض على كونهم عدولاً !! وقال ” (الصحابة كلهم عدول؟ ليه؟) ، بل ذهب يقسمهم إلى من تكون عنده مصلحة من الحديث فتكون روايته ضعيفة ،ومن لا تكون!! وهو بذلك مخالف للنصوص الشرعية التي أثبتت ذلك ، ومخالف لإجماع علماء الأمة الإسلامية.
فإن النصوص التي تبين رضاء الله تعالى عن الصحابة أجمعين كثيرة جداً ، وكذلك النصوص التي تبين أنهم الوسط والعدول والخيار وغير ذلك معروفة لسائر المسلمين .
وأما إجماع علماء الأمة على عدالتهم ـ رضي الله عنهم ـ فأوقفك أخي القارئ على هذين النقلين :
يقول الإمام أبو عمر ابن عبدالبر المالكي في كتابه (الاستيعاب في معرفة الأصحاب): «ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كُفينا البحث عن أحوالهم؛ لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أن كلهم عدول فواجبنا الوقوف على أسمائهم».
ويقول أبو عمرو ابن الصلاح في مقدمته المشهورة في المصطلح: «للصحابة بأسرهم خصيصة وهو أنه لا يُسئل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه؛ لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بهم في الإجماع من الأمة»، وقال أيضاً: «إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحسانًا للظن بهم ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر؛ وكأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم».
قوله بإمامة المرأة للرجال في الصلاة ، رده لحديث الذبابة ، إنكار عذاب القبر ، قوله : لست سنياً ولا شيعياً ، كلامه في الحجاب ،….. وغير ذلك .
وليس المقصود الحصر في هذا المقام ، وإنما مجرد ذكر (نماذج) .
تجعل هذه النماذج من يطلع عليها يقول : (وماذا كان ينتظر منه أن يقول ؟!).
وإن من المؤسف جداً أن بعض الأتباع ـ رغم هذه المواقف ـ لا زال في مكانه من التبعية واقف!! بل بعضهم ظهر في شاشات بعض القنوات يردد نفس العبارات ، وبذات الصياغ ، وبزي ولباس أهل السودان ، إلا أن كلامه كان مؤذياً لكل مخلص وصادق من أبناء السودان!! وإلى الله المشتكى .
ومن يتأمل السنن الكونية في هذا الكون لا يشتد استغرابه ، فإنه مهما كانت آراء بعض الناس (غارقة في الشطح) فلا بد ـ وفي الغالب ـ أن يكون لهم أتباع !! ولم نستغرب من كلامه هذا التبع ، وقد بلغ في العمر ما بلغ ، كما لم نستغرب سابقاً لما رأينا بعض أتباع الترابي يردد ـ بل يناظر ـ دفاعاً عن قوله في إنكار عذاب القبر!!!
اللهم من أرادنا وديننا ومقدساتنا وشعائرنا وأمننا وأعراضنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ، وجنبنا شره بما شئت وكيف شئت ، إنك على كل شيءٍ قدير.
ونواصل ـ بإذن الله ـ ، والموضوع القادم عنوانه : هل يستقيم الظل والعود أعوج ؟! (2)