هل يصح أن يقال السلطة التشريعية للشعب ؟
د. عاصم بن عبدالله القريوتي
هل يصح أن يقال السلطة التشريعية للشعب ؟
الحمد لله رب العالمين أحكم الحاكمين، والصلاة والسلام على نبينا وإمامنامحمد إمام العادلين.وعلى آله وصحبه وبعد :
فإن الله عز وجل خلق الخلق وتكفل لهم برزقهم، وبما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن كَمُلَ الدين: عبادة ومعاملة، قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )
ولأن الله عز وجل خالق الخلق، فهو بلا ريب الأعلم بمصالح الناس، وبما يفيدهم، وبما يؤمن لهم الحياة الطيبة والأمن والسعادة، فشرع لهم أحكاماً تناسبهم هي الكفيلة وحدها بالسعادة والأمن لهم؛ لأنها جاءت من عند خالقهمالعليم الخبير بأمورهم، البصير بما كان ويكون، فشرع الحدود والقصاص حياة لهم، كما قال تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
ولقد أمرنا الله عز وجل بالرجوع إلى كتابة وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ )
وقال تعالى: ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )
وقال سبحانه: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
وقال جل وعلا: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
وقال تقدست أسماؤه: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
وقال سبحانه: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
وقال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَبِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )
ولهذا فمن نبذ حكم الله أو حكم رسوله صلى الله عليه وسلم إلى حكم غيره من بشر، أو عادات، أو أعراف، أو أسلاف، أو تقاليد، أو عشائر تخالف الشريعة الإسلامية، أو قوانين وضعية شرقية كانت أم غربية معتقداً بها فقد عبد غير الله، قال الله عز وجل: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
والحكم إذا كان مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يُعَدُّ حكماً بالطاغوت كما قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا )
ولابد لك أخي المسلم من الكفر بالطاغوت والإيمان بالله عز وجل .
والطاغوت: هو كل ما تَجاوز به العبد حَدَّه، وعُبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع .
وطاغوت كلّ قومٍ: من يتحاكمون إليه – دون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم -، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، قال تعالى: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَبِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
وإن حكم الله عز وجل هو الحكم الوحيد الذي يصلح لجميع الأمم على مر العصور، بل هو الحكم الوحيد الذي يجب تطبيقه، ومن اعتقد أن حكم الله غير واجب التطبيق أو أن بعضه لا يصلح في هذا الزمان أو في زمن من الأزمان، أو أنه مُخَيَّر فيه، أو استهان به، أو اعتقد أن حكم غيره من قوانين وضعية أصلح لهذا الزمان، أو أن الحكم ليس من صلاحية هذا الدين، فقد وقع في الكفر الصريح والخروج من الدين الحنيف؛ لإخلاله بتوحيد العبودية الذي يستلزم التحاكم إلى الله وحده، وليس لغيره تبارك وتعالى أي حقٍّ فيه، قال تعالى: ( وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )
فالواجب على المسلمين جميعاً حكَّاماً ومحكومين أن يعودوا إلى ربهم،ويحكِّموا شريعته في جميع شؤون حياتهم، ولا يعارضوها ويقابلوها بعاداتهم وتقاليدهم ولا بقوانين شرقيَّة أو غربية، لا بما ألفوه عن آبائهم وأجدادهم، وإنما شأنُهم التسليم المطلق والانقياد التام لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، إن أرادوا طاعة الله والحياة الطيِّبة والأمن والسعادة في هذه الدار، والحياة الخالدة في الدار الباقية دار القرار .
وأما ما يتداول في السنين الأخيرة وحاليا في عدد من الدول ومن بعضالحكام بأن السلطة التشريعية للشعب،فالجواب من الناحية الشرعية على هذه العبارة يحتاج إلى تفصيل هذا بيانه :
إن كان المقصود من هذه العبارة أن للشعب حق التشريع فيما فيه حكم لله عز وجل أو لرسوله فهذا باطل كما سبق بيانه، وقد قال تعالى: ( إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
وإن كان المفصود من هذا ما ليس فيه نص في الفرآن ولا في السنة كالمصالحالمرسلة والعلاقات السياسية والجوانب التنظيمية للدولة فهذا لا ضير فيه لأن الله عز وجل منعنا من ترك الحكم بما أنزل الله، وأما الحكم فيما ليس في قرآن ولا سنة فليس بممنوع الحكم فيه شرعا، وهذا كالصلح ونحوه .
ومما يجدر التنبيه عليه: أن التكفير حكم شرعي مرده إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن المسارعة في التكفير تتنافى مع الدين الصحيح والعلم المستمد من الوحيين وسلف الأمة .
وقد وردت نصوص متعددة في التحذير والترهيب من تكفير المسلمين، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْه “
وإن ما ورد في الكتاب والسنة مِمَّا يفهم منه أنَّ هذا القول أو الفعل كفر فلا يعني بالضرورة خروج صاحبه من دائرة الإسلام حتى تُقام عليه الحجة وتتحقق شروط التكفير وتنتفي موانعه، كما قرر ذلك أهل العلم .
كما أن الحكم على الأعيان بالكفر والخروج من دائرة الإسلام في غاية الخطورة لِمَا يترتب عليه من الأمور العظيمة من استحلال الدم والمال، ومنع الإرث وغير ذلك من الأحكام المترتبة على الردة والعياذ بالله .
وإذا كان هذا في أفراد عموم الأمة فهو في الحاكم المسلم أشد وأعظم، لِمَا يترتب على ذلك من التمرد عليه، وحمل السلاح، وسفك للدماء، ونشر للفوضى، وتدمير، وتخريب .
ولقد صدر عن هيئة كبار العلماء بيان برقم (49) في 2/4/1419هـ حول خطورة التكفير وما ينتج عنه من أعمال تدمير وتفجير؛ أنقله هنا بِتمامه لِمَا فيه من فوائد :
نص بيان هيئة كبار العلماء
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بِهداه؛ أما بعد:
فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداءً من تاريخ 2/4/1419هـ ما يَجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريبالمنشآت، ونظراً إلى خطورة هذا الأمر، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لأمنهم واستقرارهم، فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحاً لله ولعباده، وإبراءً للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليهم الأمر في ذلك، فنقول وبالله التوفيق.
أولاً: التكفير حكمٌ شرعي، مرده إلى الله ورسوله، فكما أنَّ التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير، وليس كل ما وُصِف بالكفر من قول أو فعل، يكون كفراً أكبر مُخرجاً من المِلَّة .
ولما كان مَردُّ حكم التكفير إلى الله ورسوله لم يَجز أن نكفِّر إلى من دلَّ الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مُجرد الشبهة والظنِّ، لِمَا يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تُدرأ بالشبهات، مع أنَّ ما يترتب عليها أقل مِما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يُدرأ بالشبهات؛ ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليسبكافر، فـقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ » البخاري و مسلم و اللفظ له .
وقد يَرد في الكتاب والسنة ما يُفهم منه أنَّ هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به؛ لوجود مانع يَمنع من كفره، هذا الحكم كغيره من الأحكام التي لا تتمّ إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها كما في الإرث، سببه القرابة – مثلاً – وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر، ويُكره عليه المؤمن فلا يكفر به، وقد ينطق المسلم بكلمةٍ بالكفر لغلبة فرحٍ أو غضبٍ أو نَحوهما فلا يكفر بِها لعدم القصد، كما في قصة الذي قال: “اللهم أنت عبدي، وأنا ربك”. أخطأ من شدة الفرح .
والتسرُّع في التكفير يترتَّب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها مما يترتب على الردة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة؟!
وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشدّ، لِمَا يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدِّماء، وفساد العباد والبلاد؛ ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من منابذتهم، فقال: (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) رواه البخاري و مسلم .
فأفاد قوله: “إلا أن تروا” أنه لا يكفي مُجرد الظن والإشاعة .
وأفاد قوله: “كفراً” أنه لا يكفي الفسوق ولو كبُر، كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار، والاستئثار المُحرم .
وأفاد قوله:” بواحاً” أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح- أي: صريح ظاهر –
وأفاد قوله: “عندكم فيه من الله برهان” أنه لا بد من دليل صريح؛ بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدَّلالة لا غامضها، ولا يكفي الدليل إذا كان ضعيف السند .
وأفاد قوله: “من الله” أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه القيود تدلُّ على خطورة الأمر .
وجُملة القول: أنَّ التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقوله الله عز وجلَّ: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )
ثانياً: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصَّة والعامَّة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المُنشآت، فهذه الأعمال وأمثالُها مُحرمة شرعاً بإجماع المسلمين؛ لِمَا في ذلك من هتكٍ لحُرمة الأنفس المعصومة، وهتك لِحُرمة الأموال، وهتك لِحُرُمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم،وغدّوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامَّة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها .
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانَهم، وحرَّم انتهاكها، وشدَّد في ذلك، وكان من آخر ما بلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال في خطبة حجة الوداع: « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا » . فَأَعَادَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ » رواه البخاري و مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم :” كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ” رواه مسلم
وقال عليه الصلاة والسلام: “اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “رواه البخاري ومسلم و اللفظ له .
وقد توعد الله سبحانه من قتل نفساً معصومة بأشد الوعيد، فقال سبحانه في حق المؤمن: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )
وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ: ( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ )
فإذا كان الكافر الذي له أمانٌ إذا قُتِل خطأ فيه الدية والكفَّارة، فكيف إذا قُتِل عمداً، فإنَّ الجريمة تكون أعظم، والإثْمَ يكون أكبر، وقد صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:” مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ” رواه البخاري .
ثالثاً: إنَّ المَجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهانٍ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخطورة إطلاق ذلك؛ لِمَا يترتب عليه من شرور وآثام، فإنه يعلن للعالم أنَّ الإسلام بريءٌ من هذا المعتقد الخاطئ، وأنَّ ما يجري في بعض البُلدان من سفكٍ للدماء البريئة، وتفجير للمساكن هو عمل إجرامي والإسلام بريء منه، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه، وإنما هو تصرف من صاحب فكرٍ منحرفٍ، وعقيدة ضالَّة، فهو يحمل إثْمه وجرمه، فلا يُحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بِهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المتمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو مَحض إفسادٍ وإجرامٍ تأباه الشريعة والفطرة، ولهذا جاءت نصوص الشريعةقاطعةً بتحريمه، مُحذرةً من مصاحبة أهله، قال الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْيُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان: التواصي بالحق، والتناصح على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )
وقال سبحانه: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )
وقال عز وجل: ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » رواه مسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » رواه البخاري ومسلم و اللفظ له .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلا: أن يكف البأس عن جميع المسلمين، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين، إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويُعلي بهم كلمته، وأن يُصلحأحوال المسلمين جميعاً في كل مكان، وأن ينصر بهم الحق إنه ولي ذلك والقادرعليه .
وصلى الله وسلم على نبينا مُحمَّد وآله وصحبه .
أ.د. عاصم القريوتي