هناك كلام لابن عثيمين أن السلفية حزب، وأن الصحيح اجتناب هذه الأحزاب، فهل هذا صحيح؟


يقول السائل: يتناقل البعض في وسائل التواصل كلامًا للشيخ ابن عثيمين: أن السلفيين حزب، وأن الطريق الصحيح اجتناب هذه الأحزاب، ومن بين الحزب السلفيين وفرقتهم، ما صحة الكلام؟ وكيف يوجه؟

يُقال جوابًا عن هذا السؤال: هذا الكلام معروف عن شيخنا رحمه الله تعالى، وأظن – والله أعلم- أنه ذكره في “شرحه على الأربعين النووية”.

وقبل الإجابة عن هذا السؤال، وينبغي أن يُعلَم أن السلفية طريق الحق، وهي طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وأنه ليس للسلفيين رأس، ولا لأهل السنة رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في “مختصر الصواعق”.

وهذا بخلاف غيرهم، فترى رأس الجهمية الجعد بن درهم ثم الجهم بن صفوان، ورأس الأشاعرة أبا الحسن الأشعري، ورأس التبليغيين محمد إلياس الكاندهلوي، ورأس الإخوان المسلمين حسن البنا وهكذا.

أما السلفيون فليس لهم رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد يستشكل مستشكل هذا ويريد فهمه، ويقول: إنكم تعظمون شيخ الإسلام ابن تيمية، أو الإمام أحمد، أو الإمام محمد بن عبد الوهاب، أو من المعاصرين الشيخ ابن باز، والألباني، وابن عثيمين إلى آخره.

فيقال: نحن يا أهل السنة نعظم أئمة الإسلام من المعاصرين والسابقين، لكن نزنهم بميزان الكتاب والسنة، فلو قُدِّر أن الإمام أحمد خالف أهلَ السنة في شيء رُدَّ عليه، ولم يغيَّر منهج أهل السنة لمتابعة الإمام أحمد، أو شيخ الإسلام ابن تيمية، أو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، أو الشيخ العلامة ابن باز، أو الألباني، أو ابن عثيمين أو غيرهم.

وهذا فرق عظيم بين أهل السنة وغيرهم، أما الأشاعرة فأبو حسن الأشعري خالفَ أهل السنة في أشياء كثيرة وتابعوه، وأشد منهم الجهمية، ثم بعد هؤلاء الطوائف الكثيرة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فإن حسن البنا ابتدع أشياء كثيرة وتابعوه، ومثلهم التبليغيُّون.

فالمقصود: ليس لأهل السنة رأس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة يزنون الناس، هذا أمر.

الأمر الثاني: السلفيون حزب باعتبار دون اعتبار، فهم حزب باعتبار أنهم متحزبون على الحق، ومتعصبون للحق، ومجتمعون عليه، كما قال سبحانه: {أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة:22].

لكنهم ليسوا حزبًا متعصبين لشخص، ويوالون ويعادون عليه، أو على طريقته، وإنما على الحق أي: على الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة، بخلاف الجماعات الضالة، كجماعة الإخوان المسلمين، والتبليغيين، فإن لهم حزبًا يتعصبون لحزبهم، ويزنون الناس بحزبهم، هذان أمران ينبغي أن يعرفا.

بعد هذا: إن كلام شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في الثناء على السلفية، وأنها طريق الحق إلى غير ذلك كثير للغاية، ومن ذلك كلامه في أول “الواسطية” لما رد على السفاريني، لما قسم أهل الحق إلى طوائف ثلاثة، وذكر شيخنا أنهم فرقة واحدة، وذكر صفاتهم في “شرحه على الواسطية”.

فكلام شيخنا كثير في أن السلفية هم أهل الحق، وأن ما عداها هي الطوائف الضالة.

إذًا: إذا عُرف هذا، فعلى ماذا يحمل كلامه هذا؟

يحمل كلامه على أنه كان يحذِّر أن يتعصب أقوام من المنتسبين للسلفية إلى شخص، فيتحزبون عليه، فينتقل تحزبهم على الحق، أي: على الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة إلى تعصبهم على هذا الشيخ أو ذاك الشيخ.

هذا الذي كان يحذّر منه شيخنا رحمه الله تعالى، قد وقع من بعض السلفيين وخُطِّئُوا في ذلك من أكثر السلفيين، فإن الميزان هو الكتاب والسنة بفهم سلف هذه الأمة، لذا من فعل ذلك فهو مخطئ، ويخطئ أيًا كان كبيرًا أو صغيرًا.

فإذًا شيخنا كان يحذِّر ممن تقدم ذكرهم، وهؤلاء وُجِدوا، ووُجِد عندهم شيء من التعصب، وكثير منهم – الحمد لله- رجع، ومن استمر على تعصبه، فإنه يُخَطَّأ؛ والحق لابد أن يبين، وإلا فإن شيخنا يدعو إلى السلفية، وإلى طريق السلف الصالح على ما تقدم تقريره.

ومما يوضح لك ذلك جليًا: انظر إلى أصول السلفية وأهل السنة، وإلى حال شيخنا مع هذه الأصول.

فمن أصول أهل السنة: الاهتمام بالتوحيد، وهذا شيخنا إمام مبرز فيه.

ومن أصول أهل السنة: التحذير من البدع، وشيخنا مبرز في ذلك.

ومن أصول أهل السنة: الاجتماع على الولاة، والسمع والطاعة للحاكم في غير معصية الله، وشيخنا مبرز في ذلك.

ومن أصول أهل السنة: عدم الاجتماع على الباطل، وإنما الاجتماع على الحق، والقيام بإنكار المنكر، وشيخنا مبرز في ذلك.

ومن أصول أهل السنة: عدم الانشغال بأخطاء الحكام، وإنما السعي لإصلاح الشعوب، مع إنكار المنكر الذي يرد من الحاكم بالطريقة الشرعية بعدم التشهير به، وشيخنا سائر على هذا، إلى غير ذلك من الأصول الكثيرة.

لذا؛ من أضعف الحجج وأوهاها أن يحاول الحركيّون أن يتمسكوا بكلمة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين؛ ويتركوا طريقته ومنهجه لأن طريقته أبعد ما تكون عن طرقهم، وقد تقدم ذكر شيء من ذلك.

والجواب في مثل هذه الأجوبة العادة أن يكون مختصرًا بما يناسب الحال وبما يكفي.

فأؤكد أن شيخنا من أبعد الناس عن مثل هذا، ثم أهل السنة متواردون على وجوب إتباع طريقة السلف، حتى من كلمات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في “مجموع الفتاوى” أن إتباع السلف، وإتباع الطريقة السلفية، أنه لا يكون إلا حقًا، وأنه يجب إتباعه بالاتفاق، أو قال كلامًا نحو هذا.

فأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يغفر لشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين، ولجميع علمائنا، ولجميع المسلمين، وأن يحيينا جميعًا على التوحيد والسنة، وأن يميتنا على ذلك.

أسأله سبحانه أن يعلِّمَنا ما يَنْفَعَنَا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا، وجزاكم الله خيرًا.


شارك المحتوى: