قواعد أربع في التوحيد
د. عبدالعزيز بن ريس الريس
بسم الله الرحمن الرحيم
[ قواعد أربع في التوحيد ]
الخطبة الأولى:.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]، أما بعد:
فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
إن أعظم الواجبات، وأهم المهمات ما رُفعت السماوات السبع ، وبُسطت الأراضون السبع من أجله، وحُقّت الحاقة، وقُرعت القارعة، وزُلزلت الزلزلة، وانقسمت الخليقة إلى أصحاب النيران وأصحاب الجنان من أجله، إنه لأجل توحيد الله الذي لا إله إلا هو، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: 21]، روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عباس أنه قال: ” وحدوا ربكم”.
وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات: 56-58].
فأعظم الواجبات هو توحيد الله، لذا بدأ به في قوله: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23]، وأعظم المحرمات نقيضه وضده، وهو الشرك، لذا بدأ به في قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوابِهِشَيْئًا}[الأنعام: 151].
وإن من أعظم خدع الشيطان وحبائله أن يُوسوس للموحدين أنهم ليسوا في حاجة إلى دراسة التوحيد، وتذكّره، يريد أن يُؤمّمنهم من هذا الجانب، حتى يأتيهم من حيث لا يحتسبون.
كيف يأمن موحّد على نفسه الشرك؟ وخليل الله إبراهيم عليه السلام كان يدعو الله قائلًا: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}[إبراهيم: 35]؟
روى ابن جرير عن إبراهيم التيمي –رحمه الله- أنه قال: “ومن يأمن البلاء –أي الشرك- بعد إبراهيم –عليه السلام-؟”.
وقال الله لمحمد –صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[محمد: 19].
وثبت عند أحمد والبيهقي من حديث محمود بن لبيد –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال وهو يخاطب الصحابة، وما أدراك من الصحابة: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فسئل عنه، فقال: «الرياء».
إذا عُلم هذا، عُلم أننا في حاجة ماسة وملحّة إلى تعلم التوحيد ومدارسته، وتذكره ما بين حين وآخر، مهما بلغنا علمًا وإيمانًا وتقوى.
وإن مما يعين على معرفة التوحيد معرفة قواعد أربع، ذكرها الله في كتابه:
القاعدة الأولى:
أن كفار قريش كأبي جهل وأبي لهب، يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبّر، والله لو سألت أبا لهب: من الخالق؟ لقال الله، ولو سألته: من الرازق؟ لقال الله … ومع ذلك لم ينفعه إقراره بأن الله هو الخالق الرازق، لأنه كان مشركًا في عبادة الله.
قال سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه}[الزمر: 38].
إذا عرفنا هذه القاعدة العظيمة، عرفنا معنى كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”، وأن معناها ليس راجعًا إلى توحيد الربوبية من أنه لا قادر على الاختراع إلا الله، وأنه لا خالق ولا رازق إلا الله، فإنه لو كان هذا معناها لأقرّ بها كفار قريش ولما قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]، وإنما معناها راجع إلى توحيد الإلهية، فإذن معنى “لا إله إلا الله”: أي لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.
القاعدة الثانية:
الكفار الأولون من كفار قريش وغيرهم ما عبدوا من عبدوا إلا لأنهم أرادوا أن يكونوا وسائط وشفعاء لهم عند الله سبحانه .
فيقولون: نحن مذنبون ومقصرون، ولسنا أهلًا أن نلتجئ إلى الله، فنحتاج إلى أولئك الصالحين، لنجعلهم واسطة وشفعاء بيننا وبين الله، فذبحوا لهم، ونذروا لهم، ودعوا أولئك الصالحين من دون الله، وتقرّبوا إليهم بصرف العبادات من دون الله.
قال سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله}[يونس: 18]، وقال سبحانه: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ}[الزمر: 3].
هذا الذي فعله كفار قريش، وصاروا به كفارًا ومشركين، هو عين ما يفعله كثير من المسلمين اليوم، فإنه يقصدون الأولياء والأضرحة ويذبحون، وينذرون لها، ويطلبون منهم المدد، ويعتقدون فيهم ما يعتقدون بزعم أنهم صالحون، وأنهم لو التجأوا إلى الله مباشرة لم يقبل الله منهم، وهذا هو عين الشرك –عافاني الله وإياكم-.
القاعدة الثالثة:
أن كل من عبد غير الله ، بذبح أو نذر أو طلب مدد أو استغاثة أو التجاء … إلى غير ذلك، فقد وقع في الشرك، أيًا كان المعبود، قال سبحانه: {قُلْ} يا محمد للناس، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُوَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: 163].
وقال سبحانه مبينًا أن العبادة له وحده-: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23]، وقال سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}[آل عمران: 64].
فإذن من صرف عبادة لغير الله أيًا كانت العبادة، وأيًا كان المعبود، شجرًا أو حجرًا أو وليًا صالحًا أو ملكًا، فقد أشرك بالله، قال سبحانه: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 80].
القاعدة الرابعة:
أن الكفار الأولين كانوا يشركون في الرخاء، وإذا ضاقت بهم الأمور وادلهمت بهم الأقدار فزعوا إلى الله وحده، فوحّدوه سبحانه، بخلاف حال الرخاء، قال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
أما كثير ممن يزعمون أنهم مسلمون، ويذبحون ويدعون غير الله، إنما يشتدّ شركه ويعظم إذا اشتدت بهم الأمور وضاقت عليهم، حتى إن بعض من يقال إنهم مسلمون، لما كانوا في طائرة وقال قائد الطائرة إن الطائرة في حال حرجة، فزع من في هذه الطائرة إلى غير الله، فمنهم من يطلب من السيد البدوي، أو السيدة زينب، أو غيرهم من دون الله سبحانه.
والله لو كان معهم أبو لهب، وأبو جهل، لما وافقهم، ولقال: افزعوا إلى الله وحده، فإنه لا يُنجي من مثل هذا إلا الله، كما أخبر الله عنهم.
إذا عُلمت هذه القواعد الأربع، عُلم خير كثير، وشيء عظيم من توحيد الله.
اللهم يا من لا إله ألا أنت، اللهم علمنا التوحيد والسنة، وأحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك، واجعلنا نلقاك راضيًا عنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنه لا يمكن أن ننجو من الشرك وأن نتمسّك بالتوحيد، إلا بمعرفة الوحي، وهو معرفة العلم الشرعي من الكتاب والسنة، والرجوع إلى العلماء الراسخين المعروفين بالسنة والتمسك بها.
إن من رجع إلى كتاب الله وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- وإلى أهل العلم الموثوقين السائرين على ما عليه سلف هذه الأمة، كان على بصيرة وبيّنة.
إن تعلم التوحيد فرض عين على كل مسلم، لأن تارك التوحيد كافر، فالله الله أن نتعلم توحيد الله، كيف نتساهل في أمر التوحيد؟ والله يقول لمحمد –صلى الله عليه وسلم-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[محمد: 19]؟
إخوة الإيمان أنه لابد أن نتعلم دين الله كله، لاسيما فرض العين منه، ولاسيما أوجبه وهو توحيد الله سبحانه وتعالى.
أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين».
وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة».
إخوة الإيمان إن هناك كتبًا مختصرة مفيدةً في تعلم توحيد الله منها: الرسالة الأولى (القواعد الأربع)، والرسالة الثانية: (ثلاثة الأصول)، والرسالة الثالثة: (كتاب التوحيد)، وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى-.
أوصيكم وبقوة أن تقرأوا هذه الكتب الثلاثة، فإنها جمعت بين الاختصار وسهولة العبارة، وغزارة العلم، وهناك كتاب مفيد للغاية لشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- بعنوان: (العقيدة الصحيحة وما يضادها)، وكتاب آخر بعنوان: (قوادح التوحيد)، … إلى غير ذلك من الكتب الموثوقة للعلماء المأمونين الموثوقين، كشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى-، والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-، والشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، وفقه الله لهداه.
اللهم يا من لا إله إلا أنت، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم يا مجيب الدعوات، ومحقق الرغبات، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أحينا على التوحيد والسنة، وأمتنا على ذلك، واجمعنا ووالدينا وأحبابنا في الفردوس الأعلى يا رب العالمين، اللهم وفق ملكنا وولي عهده أن يعزوا دينك وأن يعلوا كلمتك، وأن يكونوا رحمة للشعوب يا أرحم الراحمين.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.