فتنة الدجال وسبل الوقاية منها


(فتنة الدجال،وسبل الوقاية منها)

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ,

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }

أما بعد…

فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

فإن من علامات الساعة الكبرى خروجَ الدجال، عن حذيفة بن أسِيد الغفاري، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنها لن تقوم-أي الساعة- حتى ترون قبلها عشر آيات – فذكر الدجال… ” أخرجه مسلم

وفتنة الدجال فتنة عظيمة؛ لذا تتابع الأنبياء في تحذير أممهم منها إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن عمران بن حصين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمرٌ أكبر من الدجال» رواه مسلم

وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بُعث نبيٌ إلا أنذر أمته الأعور الكذاب» أخرجه البخاري ومسلم

فإذا كان الأمر كذلك، فلابد من التذكير بما روى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحواله، وما ذكر لنا من أنبائه وأخباره، ومن ذلك ما روى النواس بن سمعان – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنه شابٌّ قَطَط، عينُه طافئة، و إِنه خَارِجٌ خَلَّةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً، وعاث شمالاً، يا عباد الله، فاثْبُتوا، قلنا: يا رسول الله، وما لَبْثُهُ في الأرض؟ قال: أربعون يوماً: يوم كسَنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، ، قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرَته الريحُ، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتُمْطِرُ، والأرضَ فَتُنْبِتُ، فتروح عليهم سارِحَتهم –أي ماشيتهم- أطولَ ما كانت دَرّاً ، وأسْبَغُه ضُروعاً، وأمَدَّه خَواصِر، ثم يأتي القومَ فيدعوهم، فيردُّون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون مُمْحِلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويَمُرُّ بالخَرِبة، فيقول لها: أخرِجي كنوزك فَتَتْبَعُه كنوزُها كيعاسيب النحل-أي فحل النحل ورئيسها-» رواه مسلم.

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يأتي الدجالُ وهو محرَّم عليه أن يدخل نِقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي بالمدينة، فيخرج إِليه يومئذ رجل هُوَ خَيْرُ الناس – أو مِنْ خَير الناس – فيقول: أشهَدُ أنَّكَ الدَّجال الذي حدَّثنا عنكَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- حديثَه، فيقول الدَّجال: أرأيتم إن قَتَلْتُ هذا، ثم أحْيَيْتَهُ، هَلْ تَشُكُّون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، فيقول حين يحييه: واللهِ ما كنتُ قط أشدَّ بصيرة مني اليوم، فيقول الدجال: اقتله، ولا يُسَلَّط عليه» . أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أنس – رضي الله عنه – أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدَّجالُ، إلا مكةَ والمدينةَ، وليس نَقْب من أنْقَابِها إلا عليه الملائكة صافّين، يحرسونها، فينزل السَّبخةَ، ثم تَرْجُف المدينةُ بأهلها ثَلاث رَجَفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق» رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم-: «وإنه يجيءِ بمثال الجنةِ والنار، فالتي يقول: إنها الجنةُ: هي النار » أخرجه البخاري ومسلم

وللدجال صفاتٌ منها أنه أعور، ومكتوب بين عينيه كافر يتهجاها كل مؤمن، عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليس بأعورَ، ألا إنَّ المسيح الدَّجَّال أعْوَرُ العين اليمنى، كأنَّ عينه عِنَبة طافئة» أخرجه البخاري ومسلم.

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم-: « الدجال ممسوح العين، مكتوب بين عينيه (كافر) ، ثم تهجَّاها (ك ف ر) يقرؤه كل مسلم» رواه مسلم

وعن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم-: «مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كلُّ مؤمن، كاتب وغير كاتب» رواه مسلم

ومع عظيم فتنة الدجال إلا أن هناك سبلًا وطرقًا للنجاة من فتنته منها:

أولًا/ الدعاء؛ فقد استحب الدعاء بالنجاة من فتنته العظيمة والاستعاذة منه، ومن ذلك الدعاء في آخر الصلاة فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» أخرجه البخاري ومسلم.

ثانيًا / حفظ أوائل سورة الكهف ، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال». أخرجه مسلم

قال أبو العباس القرطبي-رحمه الله- : ” فيكون معنى الحديث أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها ووقف على معناها حَذِره فأمن منه “

وقال النووي-رحمه الله- : ” قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال “

ثالثًا / التمسك بالكتاب والسنة والاستقامة على الدين الحق الذي هو الإخلاص لله وتوحيده، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع؛ لأجل هذا يخرج المنافقون من المدينة إلى الدجال عندما يمنع من دخولها ، ولما كان ذاك الشاب مستقيما نجا من فتنته، ولم يزدد بها إلا بصيرة، وكذا كل مؤمن يقرأ ما بين عينيه.

اللهم أعذنا من فتنة المسيح الدجال ، وأنجنا منها يا ربنا ومولانا .

اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن فتنة القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات .

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على سول الله أما بعد:

فإن في فتنة المسيح الدجال دروسًا وعبراً، وذلك أنه أعظم فتنة ، وتوارد الأنبياء والمرسلون على تحذير أممهم منه ومن تلك الدروس والعبر:

الدرس الأول/ أن الاستقامة على التوحيدِ بعيدًا عن الشرك الأكبر والأصغر ، والسنةِ بعيدًا عن البدع ولو باسم البدع الحسنة سببٌ عظيم للنجاة من الفتن ، فقد ذكر الله سبب نجاة يوسف عليه السلام فقال {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، وقال عن أصحاب الكهف {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [الكهف: 13]، وقال الله في الموحدين {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] الأمن في الدنيا والآخرة .

يا ترى ما حالُ مَنْ وقع في الشركيات أو البدع أو ترك الصلوات أو عقوق الوالدين أو قطيعة الأرحام أو التساهل في المحرمات من الدجال لو خرج ؟

الدرس الثاني/ عدم الاغترار بخوارق العادات، فقد تجري حتى على أيدي أهل الضلالة للفتنة والابتلاء، فالمعيار والميزان هو النظرُ في حال الرجل وسيرته وهديه لا بما يجري على يديه من خوارق العادات قال الإمام الشافعي-رحمه الله- : ” إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تصدقوه ولا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم “

فكم رأينا بعض السذج اغتر ببعض الإرهابيين الخوارج بحجة أنهم قتلوا مبتسمين إلى غير ذلك من الخزعبلات، وهذه لو سلم بها جدلًا لم يصح الاغترار به؛ فإنهم أهل ضلالة وزيغ وهم كلاب النار؛ لأنهم خوارج استحلوا دماء المسلمين والسيف .

الدرس الثالث/ عدم الاغترار بالكثرة فإن أتباع الدجال كثيرون ، وهم لا يزالون يتكاثرون لما معه من الخوارق التي تفتن قليلي الإيمان ، وضعيفي البصيرة، وقد بين الله عدم صحة الاغترار بالكثرة قال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] وقال {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 26]

ولا يزال كثير من الناس مغترين بالكثرة ، ويجعلونها علامة صحة طريقة رجل أو جماعة ، فإياكم ثم إياكم-أيها المسلمون- والاغترار بالكثرة واجعلوا الميزان الأدلة الشرعية .

الدرس الرابع/ بركة العلم الشرعي الذي به تعرف علامات الدجال ، وسبيل النجاة منه، ومع عظيم بركة العلم الشرعي في الدنيا والدين إلا أن أكثر المسلمين زهدوا في تعلمه وتحصيله ، وزهدوا في قراءة كتبه وسماع كلام العلماء الموثوقين ، كالعلامة ابن باز والعلامة ابن عثيمين والعلامة الألباني في شرحهم ودروسهم .

الدرس الخامس/ أن الله خلقنا للابتلاء والامتحان قال تعالى { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]، ومن صوره الابتلاء بالمسيح الدجال ليعلم الله الصادق من الكاذب، { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن

اللهم أعذنا من فتنة المسيح الدجال

اللهم أعذنا من فتنة المسيح الدجال

اللهم أعذنا من فتنة المسيح الدجال

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

د. عبد العزيز بن ريس الريس


شارك المحتوى: