تهارش السلفيين صد عن سبيل الله

العلامة سعد بن عبدالرحمن الحصين

تهارش السلفيين صد عن سبيل الله

السلفيون بفضل الله ومنته عليهم، وباصطفائه لهم، هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، لتمييز الله لهم باتباع الدليل من الكتاب والسنة بفهم أئمة السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم في القرون الخيرة، ولعضهم بالنواجذ على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة بخاصة وغيرهم بعامة)، لا يشدون وسطهم (بلفظ ابن تيمية رحمه الله) لحزب ولا لفرقة ولا لشيخ ولا لمرشد ولا لمعلم ولا لمؤسس، وإنما يلتزمون بقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21]، وبقول الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 14 – 16]، وبقول الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما أبدًا كتاب الله وسنتي”، وبقوله صلى الله عليه وسلم: “فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”، وبقوله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية: “من كان على ما مثل ما أنا عليه وأصحابي”وبقوله صلى الله عليه وسلم: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” على ما يصح من رواية هذه الأحاديث.

ولتميُّز السلفيين يتكالبُ عليهم أعداءُ الحق والعدل: النفس الأمارة بالسوء (من داخلهم) بتسويلها وهواها، وشياطين الجن والحزبية (من خارجهم) بالنزغ والوسوسة والهمز والنفخ والنفث والتحريش: {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة: 47].ورغم ظهور أوائل الحزبية والعصبية (للفكر والقول والعمل غير المعصوم) منذ القرون الأولى (الخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة)، بل قام ثلاثة من أمراء المؤمنين في القرن الثالث وشرهم المعتصم (وامعتصماه!) تجاوز الله عنهم يقتلون العلماء ويجلدونهم ويسجنونهم (ومنهم الإمام أحمد رحمة الله عليه) نصرًا لباطل المعتزلة: القول بخلق القرآن، وهي المرَّة الوحيدة (فيما أعلم) التي يجبر فيها أمراء المسلمين علماءهم فمن دونهم (حتى اليوم) على باطل الاعتقاد فما دونه من المعاصي، ورغم احتلال العثمانيين والعلويين ومن بينهما بلاد المسلمين بالشرك وما دونه من الابتداع في الدين (وشر مظاهره أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة، أوثان الجاهلية الأولى منذ قوم نوح صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري وتفسير ابن جرير رحمهما الله من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما قول الله تعالى:

{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]، سواء بسواء)، رغم كل ذلك صدق الله وعده وقول رسوله: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم” فحفظ الله دينه برجال صبروا وصابروا ورابطوا وتحملوا في سبيل ذلك السجن والجلد ومن أبرزهم الإمام أحمد رحمه الله في القرون الأولى، ثم ابن تيمية رحمه الله الذي نفي وسجن ولقي الله في سجن علماء الضلال في القرون الوسطى، ثم جدد الله دينه على منهاج السلف في القرون الثلاثة الأخيرة بأمراء وعلماء الدولة السعودية، ومات محمد بن سعود ثم محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله مجاهدين في سبيل الله، وقتل عبد العزيز بن محمد وهو يصلي انتقامًا لأوثان العراق، بعد أن دكَّها جيشه رحمه الله ورحمهم أكثر من مرة، ومات ابنه سعود رحمه الله على فراشه مجاهدًا (مثل أبيه وجده وشيخه)، لتكون كلمة الله هي العليا، وقتل عبد الله بن سعود صبرًا بيد سلطان الخرافة العثمانية انتقامًا لأوثان المزارات في مكة والمدينة وما حولهما، ثم جدَّد الله دينه بتركي بن عبد الله الذي أنجاه الله من النفي والقتل، وابنه فيصل الذي أنقذه الله من منفاه في مصر مرتين، ثم جدَّد الله دينه على منهاج السلف بعبد العزيز بن عبد الرحمن، وهدم الله بجيشه جميع الأوثان (التي أعادها حكم العثمانيين بعد هدمها بجيش الدولة السعودية الأولى)، جزاهم الله خير الجزاء وأجزل لهم الثواب، ولا تزال البلاد والدولة السعودية بفضل الله قاعدة للسلفية دينًا ودعوةً، مطهَّرة من أوثان المزارات وما دونها من البدع الاعتقادية والتعبدية، ومن زوايا التصوف وموالده وخرافاته رغم مكر وكيد الوافدين إليها من بلاد الشرك والبدع.

وقد نفع الله بالتجديد السعودي وبالدعوة السعودية فانتشرت السلفية خارج جزيرة العرب بعد استقرارها فيها حتى بلغت حدًّا لم تبلغه من قبل رغم كيد النفس والشيطان وكثرة من يأتمر بأمرهما من الأحزاب والجماعات والفرق والطوائف المبتدعة.

ولكن النفس والشيطان يجدان من السلفيين أنفسهم من يخرب بيت السلفية معينًا أعداءها من الحزبيين والحركيين والباطنيبن على تقويضها باسم الجهاد، ولا عجب فالجهاد العصري الوهمي مشاقٌّ للسلفية في إهماله الدعوة إلى صحيح المعتقد والعبادة (وهي أول مراحل الجهاد الشرعي الحقيقي لتكون كلمة الله هي العليا، وأهم الأسس السلفية الصحيحة) وفي وسائله الإجرامية المنكرة.

وليت الأمر توقف على الجهاديين المبتدعة فالسلفي الحق يعرف سنة الله وسنة رسوله في الدعوة إلى الله والقتال في سبيله فلا ينخدع بدعوى سلفيةِ وجهادِ المبتدعة، ولكن النفس والشيطان وجدَا مدخلاً على دعاة السلفية الحقيقية بالاختلاف والتهارش بينهم: يجد أحد طلاب العلم الشرعي الدعاة إلى الله خطأً حقيقيًّا أو وهمياً على أخيه طالب العلم الشرعي الداعي إلى الله على منهاج السلف فيكتب عليه ردًّا علميًّا يتداوله صغار طلبة العلم، ويتداولون به شدَّ الوسط للرادِّ أو المردود عليه الذي يدفعه الانتصارُ لنفسه للردِّ أكثر من دينه وخلقه؛ فينشغل الاثنان وفريقاهما عن العلم والتعليم والدعوة إلى الله بالتهارش بينهما (وفتنة الانترنت تقول: هل من مزيدٍ؟!) والمستفيد: الصوفي والقبوري (والباطني، إن كان غيرهما) والحزبي والحركي فقد كفاهم الشيطان والهوى كفاح السلفية والسلفيين.

لا شك عندي أن المبتلَيْن بهذه الفتنة المضلة (والمبتلِين بها غيرهم) يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وأنهم إنما ينتصرون للحق وليس لأنفسهم، ولا شك عندي أن هذا الظن خدعة من النفس والشيطان ولو كان حقًّا لوسعهم ما وسع علماء الأمة منذ عصر الصحابة إلى عصر ابن باز وابن عثيمين رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم، ولنصحوا ولم يفضحوا، ولحذَّروا من الخطأ وستروا المخطئ، وكلنا خطاؤون، ولو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا، وتكثر أخطاء الداعي إلى الله بكثرة دروسه ومؤلفاته، فلنُعِنْه بالدعاء والتعاون على البر والتقوى ولا نثبطه بالمشاكسات ونصد الناس عن الاستفادة من علمه ودعوته السلفية.

السلفيون هم الأقلون (الأكثرون يوم القيامة) فلنكن عونًا لهم لا عونًا للشيطان وأعوانه عليهم، ولنصرف جهدنا ووقتنا لجهاد المبتدعة في الدين أو الدعوة إليه من حزبيين وحركيين وبقية الفرق. ولا ينقضي العجب من انشغال طلاب العلم الشرعي الدعاة إلى الله على بصيرة (قلة منهم) بتفقد أخطاء كبار علماء الشريعة (الدعاة منهم بخاصة) وجعلها مضغة لأفواه العابثين القاعدين عن العلم والدعوة أو أحدهما، وهذا لا شكَّ صدٌّ عن السبيل. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح والدعوة على منهاج النبوة. كتبه: سعد الحصين، آخر عام 1431هـ.

 


شارك المحتوى: