نهي الصائمين والقائمين عما يسمى “دورات كرة القدم الرمضانية”!!
بندر بن محمد الميموني
نهي الصائمين والقائمين عما يسمى “دورات كرة القدم الرمضانية“!!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على نبينا المبعوث بالهدى المبين، وعلى آله وأصحابة والتابعين.
أما بعد،،،
فإن الله عز وجل قد جعل شهر رمضان أفضل الشهور وأعظمها قدراً، فشرع فيه الصيام والقيام والإعتكاف، وجعله موسماً لتكثير الحسنات والتنافس في الطاعات والإقبال على الخيرات، فهو شهر عبادة وطاعة لله عز وجل وقراءة للقرآن وصدقة وصلة رحم وغير ذلك من وجوه القربات، قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}
فينبغي للمسلم أن يغتنم هذا الشهر المبارك الذي بلغه الله إياه وهو في صحة وعافية، فيجعل كل أوقاته أو جلها في طاعة الله عز وجل، عسى أن يفوز بعفو ربه ورضاه.
وفي هذا الشهر المبارك لا يُمنع المسلم فيه من عمل ما أباحه الله له من سائر المباحات، ومن ذلك أن يمارس شيئاً من الرياضة التي تفيده في بدنه وصحته، إذ لا رهبانية في ديننا، بل في ديننا فسحة والحمد لله على فضله.
لكن الأمر في هذه الأزمان قد زاد واتسع، وأخذ الناس يتنافسون فيه بإقامة ما يسمى الدورات الرمضانية في كرة القدم وغيرها من الرياضات والألعاب التي شغلوا الصائمين والقائمين بها عن طاعة الله عز وجل، على أن بعض هذه الألعاب محرمة أصلا، كلعبة الورق التي أفتى أهل العلم بحرمتها سواء كان ذلك في رمضان أو غيره.
وأما الدورات الرمضانية التي تقام للعب كرة القدم فإن فيها محظورات لزم التنبيه عليها نصيحة للناس فمن ذلك:
١- أن هذه الدورات صارت مرتبطة بهذا الشهر المبارك الذي قد شرعه الله للعبادة والطاعة ولم يشرعه للهو واللعب، فأصبحت هذه الرياضة تصد كثيراً من الناس عما هو خير لهم في دينهم وعاقبة أمرهم، وصار كثير من الناس ينشغل بهذا الأمر ويترك قراءة القرآن والأعمال الصالحاً جرياً خلف هذا اللهو والعبث في هذا الشهر المبارك، فيفوت على نفسه اغتنام هذا الموسم العظيم!!
ولا يعني هذا أن يمنع الناس من ممارسة شيء من الرياضة النافعة، لكن المقصود ربط هذه الرياضة في هذا الشهر المبارك وجوداً وعدماً.
٢- أن هذه الدورات تكون بعوض بحيث يُعطى الفائز منها مبلغاً من المال، وهذا محرم؛ لأنه لا يجوز أخذ عوض على المسابقات إلا ما جاء النص به، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (لا سبَق إلا في نصل أو خف أو حافر). رواه أحمد وأهل السنن وصححه الألباني.
وقوله -صلى الله عليه وسلم- (لا سبَق) أي: لا عوض إلا في هذه الثلاثة، وهي الرمي أو المسابقة على الإبل أو الخيل؛ لما فيها من المصلحة المترتبة على الإعداد للجهاد في سبيل الله.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-:
المغالبات بالنسبة إلى أخذ العوض ثلاثة أقسام:
أحدها: يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض، وهذا هو الأصل والأغلب، فدخل في هذه المسابقة على الأقدام والسفن والمصارعة ومعرفة الأشد في غير ما تهلكة.
الثاني : لا يجوز بعوض ولا بغير عوض، وذلك كالشطرنج والنرد والقمار، وكل مغالبة ألهت عن واجب أو أدخلت في محرم، والحكمة في تحريمها ظاهرة.
الثالث: تجوز بعوض، وهي المسابقة والمغالبة بالسهام، وبين الإبل والخيل؛ لصريح الحديث المبيح لذلك. اهـ (نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب (٣٢٣٧)).
وقاس على ذلك بعض أهل العلم المسابقة في العلم وتحصيله، قال ابن القيم -رحمه الله-:
وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد ،فإذا جازت المراهنة على آلات الجهاد فهي في العلم أولى بالجواز. اهـ (الفروسية (ص٢٥٧))
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
مسألة: كرة القدم من هذا النوع، أي: أنها تجوز بغير عوض ولا تجوز بعوض؛ لأن فيها ترويحاً للنفس وتقوية للبدن وتعويداً على المغالبة، ولكن بشرط ألا يدخلها التحزب المشين، كما يحصل من بعض الناس يتحزبون لنادٍ معين حتى تحصل فتنة وتصل إلى حد الضرب بالأيدي والعصي والحجارة. اهـ (الممتع (١٠٩٤))
وبين الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في كلام سابق له أنواع العوض الذي لا يجوز أخذه على المسابقات، فقال: سواء كان هذا العوض نقداً أو عروضاً أو منفعةً. اهـ (الممتع (١٠٩٣))
٣- المفاخرة في عرض وإقامة هذه الدورات، والتباهي بالأكثر حضوراً ومتابعة ومن هم الداعمين لها وتحت رعاية فلان أو علان!!
والله عز وجل يحب العمل أن يكون خالصاً لوجهه موافقاً لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- خالياً من المفاخرة والعجب ودواعي الرياء والسمعة، قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}
لذلك أنصح جميع الإخوة بالإبتعاد عن هذه الدورات وما فيها من ملهيات ومنغصات تبعد عن الله عز وجل ولا تقرب إليه، والعبد في هذا الشهر المبارك أحوج ما يكون إلى ربه ومولاه عسى أن يتجاوز عنه ويقبل منه.
ولا يُلتفت إلى مَن سمته الصلاح وهو خال من العلم ولا يرفع به رأساً إذا شارك في مثل هذه الملهيات، فإن العبرة بموافقة الحق بدليله، والله الهادي إلى سواء السبيل.
أسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وجوده أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه، وأن يتقبل منا صالح الأعمال، وأن يغفر لنا وأن يرحمنا، إنه سميع مجيب
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه: بندر بن محمد الميموني