عاشوراء بين الاتباع والابتداع

د. حمد بن محمد الهاجري

عاشوراء بين الاتباع والابتداع

الحمدلله الذي من علينا بنعمة الإسلام والسنة، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة وهداية للأمة، وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الظلمة، أما بعد:

فهذا مقال بينت فيه مسائل عاشوراء بين الاتباع والابتداع، راجيا بذلك فضل الله وثوابه، ومستجيرا به من نقمته وعذابه.

– فضل صيام شهر محرم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”. رواه مسلم (1163).

– فضل صيام عاشوراء:

عن عبد اللَّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال:”ما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر – يعني رمضان -“.

وفي لفظ:”ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء..”. أخرجه البخاري(2006)، ومسلم (1132).

وعن أبي قتادة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله”. أخرجه مسلم (1162).

– حالات صوم عاشوراء:

عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :”لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع”.

وفي رواية قال:”حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل – إن شاء اللَّه – صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم”. أخرجه مسلم (1134).

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أيضاً، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:”صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً، أو بعده يوماً”.

أخرجه أحمد (1/241)، وابن خزيمة (2095)، والبيهقي (4/287)، وحسنه أحمد شاكر في مسند أحمد (21/4)، وقال الألباني في صحيح ابن خزيمة (2095):إسناده ضعيف، وروى موقوفاً وسنده صحيح.

وبناء عليه فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد (2/76)، وابن حجر في فتح الباري (4/246) أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أن يصوم ثلاثة أيام، التاسع والعاشر والحادي عشر.

المرتبة الثانية: أن يصوم يومين تاسوعاء وعاشوراء.

المرتبة الثالثة: أن يصوم عاشوراء وحده.

فأما المرتبة الأولى: وهي أن يصوم ثلاثة أيام التاسع والعاشر والحادي عشر؛ فلم يثبت بها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً عليه.

لكن ذكر العلماء أن له أن يفعل ذلك لأحد أمرين:

الأمر الأول: أن يشك في دخول الشهر، فيصوم ثلاثة أيام احتياطاً، ليتيقن صوم التاسع والعاشر.

الأمر الثاني: أن ينوي بصيامها مع صيام يوم عاشوراء، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لما ثبت عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:”صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله”. متفق عليه.

وأما المرتبة الثانية: أن يصوم يومين التاسع والعاشر، فهو الذي وردت به السنة كما تقدم.

وأما المرتبة الثالثة: أن يصوم عاشوراء وحده، وهو سنة، ولكن الأفضل أن يصوم معه يوما قبله أو بعده.

– لا علاقة بين مقتل الحسين وصوم عاشوراء:

لا علاقة بين مشروعية صوم عاشوراء الذي شرع لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، وبين مقتل الحسين رضي الله عنه الذي كان في عام 61ه، سوى أن صادف مقتله يوم عاشوراء.

فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت:”كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه”. أخرجه البخاري ( 2001)،(2002)، ومسلم (1125).

– أقسام الناس في عاشوراء في ميزان الشرع:

أولا: أهل السنة:

أهل السنة وسط بين بدعتين، فهم يتخذونه يوم شكر فيصومونه كما ورد في السنة سابقا، ولا يتخذونه يوم فرح وعيد وتوسعة على العيال كما يفعله اليهود والناصبة، ولا يوم حزن ومأتم ونياحة كما تفعله الرافضة.

ثانيا: اليهود وأهل البدع والأهواء:

أ‌- اليهود والناصبة:

وهذه بدعهم فيه:

1- اتخاذه يوم عيد وفرح.

2- التوسيع على الأهل والعيال.

3- الاكتحال والاختضاب.

عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال:”كان يوم عاشوراء يوماً تعظّمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “صوموه أنتم”.

وفي رواية لمسلم:”كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فصوموه أنتم”.

أخرجه البخاري (2005)، ومسلم (1131).

قال النووي في شرح مسلم (8/10):”الشارة بالشين المعجمة بلا همز، وهي الهيئة الحسنة والجمال، أي يلبسونهم لباسهم الحسن الجميل”.

ولم يصح في فضل التوسعة على العيال في هذا اليوم حديث، وقد أنكر شيخ الإسلام وغيره ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم:”من وسَّع على أهله في يوم عاشوراء وسع اللَّه عليه سائر سنته”.

ب- الروافض:

وهذه بدعهم فيه:

1- الشرك بدعائهم يا حسين، والاستغاثة به.

2- سب الصحابة وشتمهم.

3- اتخاذه يوم حزن ومأتم.

4- النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود.

5- إقامة الندوات والمسرحيات في الكذب وتزوير الحقائق.

– أدلة تحريم النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود:

قال عليه الصلاة والسلام:“ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية”. رواه البخاري (1249).

وقال عليه الصلاة والسلام:”أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت”. رواه مسلم (934).

– الواجب عند المصيبة:

قال الله تعالى(وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). البقرة:155-157.

وقال عليه الصلاة والسلام:”ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول:إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيرا منها”. رواه مسلم (918).

هذا ماأردت بيانه، والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه

حمد بن محمد الهاجري

الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة الكويت

5/محرم/1436ه الموافق 29/10/2014م


شارك المحتوى: