تنبيه الكيس لصحة ما قرره الشيخ الريس
عبدالله بن محمد القحطاني
تنبيه الكيس لصحة ما قرره الشيخ الريس
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..أما بعد:
فاعلم -رحمني الله واياك- أن أهل السنة والجماعة أهل ثبات على الحق، ونصرة له ولأهله، لا تحركهم العواطف، ولا تعصف بهم الأهواء.
لا يلتفتون لأهل الشقاق والنفاق، مهما علا صوتهم وكثر سوادهم.
فمرضاة الله هي غايتهم ،وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ،وطريقة السلف الصالح هي زادهم ،والله ناصرهم على عدوه، وعدوهم، وإن من سنن الله جل وعلا أن يمتحن أهل الحق قال تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، والصبر على طاعة الله من أعظم أنواع الصبر كما قرر ذلك أهل العلم.
وسبب هذه المقدمة القصيرة ما تعرض له فضيلة شيخنا الدكتور عبدالعزيز الريس بسبب ما قرره في مقطع قصير من وجوب السمع والطاعة، وجمع القلوب على ولي الأمر المسلم، الذي لايزال في دائرة الإسلام.
ومثَّل على ذلك بذِكر جريمة الزنا *لو انها وقعت من *ولي أمر فاسق أمام أعين الناس وفي التلفاز بل وفي كل يوم ….الخ.
فإن هذه الجريمة العظيمة لا تبيح الخروج عليه، بل لا تبيح غيبته، ولا الإنكار عليه في المنابر، والخطب؛ لأن هذا الإنكار العلني محرم في الشريعة، وطريق إلى الخروج المحرم.
ثم بين -وفقه الله -طريقة الإنكار الصحيحة وهي أن تكون أمامه ولو في حضرة غيره، وتخلل هذا الإنكار نوع من الشدة مع مراعاة المصالح والمفاسد.
ثم بين وجوب إنكار الفعل بدون التعرض للحاكم والتعريض به كما بين ذلك العلامة ابن باز وابن عثيمين-رحمهما الله- وهذا التقرير المنضبط المدعّم بالأدلة الشريعة، والمقتفي للطريقة السلفية أثار وأغضب أهل البدع من الإخوان المسلمين وأفراخهم من السرورية خوارج العصر وغيرهم.
فتنادوا من كل حدب وصوب بالتشنيع على فضيلته حتى في منبرهم قناة الفتنة ( الجزيرة). فمن باب نصرة الحق وأهله لا بد من الوقف مع هذا الحدث وقفتان
-لعل الله أن ينفع بها السلفي ويغيض بها الحزبي- :
الوقفة الأولى:
أن الخلاف مع أهل البدع من الإخوانيين السرويين ليس في تقرير مثال الزنا وشناعته امام الناس، بل هو في أصل المسألة التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة، وهو السمع والطاعة لولي الأمر المسلم.
وليس هذا المقام مقام بيان لعقيدتهم في السمع والطاعة، بل هو مقام تنبيه لئلا يغتر بكلامهم، ولا إنكارهم، فهم خوارج العصر الذين خالفوا أهل السنة في أصل السمع والطاعة لولي الأمر المسلم، بل لا أبالغ لو قلت: إنهم يرون الخروج على كل بر وفاجر مالم يكن إخوانياً منهم.
وإلا فإن خليفتهم الذي يتغزلون به يقرر العلمانية الكفرية في كل محفل، بل ويقرر المثلية ودور البغاء أمام أنظارهم ومع ذلك ….. لا تسمع لهم همساً … وهذا من الخذلان العظيم عياذا بالله .
الوقفة الثانية:
لا بد من بيان أمور فيما قرره فضيلة الشيخ -وفقه الله-:
أولها:
وهو أهمها أن هذا التقرير موافق للأدلة الشريعة التي تأمر بالسمع والطاعة لولي الأمر المسلم والأدلة في هذا الباب كثيرة وليس هذا مقام بسطها.
الأمر الثاني:
أن هذا التقرير، وبهذه الطريقة وبضرب الأمثلة طريقة سلفية فأهل العلم يفعلون ذلك لبيان السنة، والتشنيع على أهل البدع، روى عبد الله في السنة (1/ 302) أثراً من طريق عبد الله بن خليفة عن عمر – رضي الله عنه قال: ” إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي “.
فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال: ” أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها “.
وقال المروذي: سألت أبا عبد الله ( أحمد بن حنبل ) عن عبد الله التيمي فقال: ” صدوق، وقد كتبت عنه من الرقائق، ولكن حكي عنه أنه ذكر حديث الضحك فقال:
مثل الزرع الضحك وهذا كلام الجهمية، قلت: ما تقول في حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : ” فضحك حتى بدت ( يعني لهواته وأضراسه)
يعني (الله جل وعلا)”.
قال: “هذا يشنع به (أي على أهل البدع)” قلتُ: فقد حدثتَ به، قال: ما أعلم أنى حدثت به إلا محمد بن داود يعني المصيصي؛ (لأنه لا يصح ولو صح لحدث به)، وذلك أنه طلب إليّ فيه، قلت: أفليس العلماء تلقته بالقبول؟ قال: بلى ا.هـ
قال أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/ 141 ): قال الخلال:” إنما نروي هذا الحديث، وإن كان في إسناده شيء، تصحيحاً لغيره؛ ولأن الجهمية تنكره” ا.هـ.
فتأمل كيف أن أهل العلم يروون الآثار الضعيفة التي فيها ذكر اللهات والأضراس لله من غير نكير للتشنيع على البدع لإظهار قوة تقرير الإثبات عند أهل السنة الذي هو من أصولهم.
قال البربهاري رحمه الله في شرح السنة(1/54): رأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: “يا بني من أين خرجت ؟” قال: من عند عمرو بن عبيد قال: “يا بني لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك خرجت من بيت فلان وفلان ولأن تلقى الله زانيا سارقا خائنا أحب إلي من أن تلقاه بقول أهل الأهواء”.
وهذا ليس استهتاراً بالمعصية ولا تقليلاً من شأنها بل هو لبيان وتقرير خطر أهل البدع والضلال على المسلم.
الثالث:
أن مثل هذا التقرير يفعله أهل العلم من أئمة أهل السنة في هذا الزمان كما فعله السلف الصالح قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله قال في (شرح الواسطية/الشرح الثاني/الشريط18): “لو فرضنا أن الأمير فاجر وفاسق كل ليلة مع مومس -والعياذ بالله- فإن أهل السنة يرون الجهاد معه، ولا يعصون الله فيه”. انتهى بتصرف.
الرابع:
أن ما قرره الشيخ الريس إنما كان في درس علمي أمام طلاب علم أراد به تقوية تقرير مذهب أهل السنة في التعامل مع الإمام الفاجر، وطريقة الإنكار عليه مع أن هذا الأمر سائغ أمام العامة إذا اقتضت المصلحة ذلك وفي حديث أم الحصين أمر بالسمع والطاعة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أُمِّر عليكم عبد مجدع». رواه مسلم، وفي بعض الطرق: [ عبد حبشي أسود مجدع الأطراف ]، وفي بعض الطرق: «كان يخطب فيهم».
الخامس:
يا أهل السنة … لا يستخفنّكم الذين لا يوقنون، وتمسكوا بما أنتم عليه، ولا تغلبكم العواطف، وعليكم بالأثر ، وطريقة أهله. ولا تأمنوا أهل البدع، ولا يغركم كذبهم فلو كانوا أهل صدق لرايتهم ينكرون على بعضهم وأذكركم بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، والتبين في نقل أهل البدع من باب أولى.
وأخيرا اغتنموا فرصة استنكار الإخوان وأذنابهم لعقيدة السمع والطاعة للعامة، وكرسوا الجهود أكثر وأكثر لينقذ الله من شاء من خلقه.
اللهم وفقنا لمرضاتك وطاعتك يا أرحم الرحمين.
كتبه: أبو محمد عبدالله بن محمد القحطاني
١٤٣٩/١١/٢٤