الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المغمى عليه

عبدالقادر بن محمد الجنيد

الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المغمى عليه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين، وعلى آله وأصحابه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها الإخوة الفضلاء النبهاء – سلمكم الله وسدد أقوالكم وأفعالكم -:

فهذه وريقات فقهية تتعلق بباب الصيام عنوانها:

“ الأحكام الفقهية الخاصة بصيام المغمى عليه “.

والله المسئول أن يجعلها لوجهه خالصة، ومن رضاه مُدنية، وينفع بها الكاتب والقارئ والناشر في الدنيا والآخرة، إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء.

وسوف يكون الكلام عن هذا الموضوع في سبع مسائل:

المسألة الأولى / عن حكم قضاء المغمى عليه في شهر رمضان ما فاته من صيام حال إغمائه.

أولاً: قال ابن جرير الطبري – رحمه الله – في “تفسيره”(2/ 154 – آية:185 من سورة البقرة(:

وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو بِرْسام، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر، أن عليه قضاء الشهر كله، ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة، وإذا كان إجماعاً، فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم، سبيل المغمى عليه.اهـ

ثانياً: قال علاء الدين الكاساني الحنفي – رحمه الله – في كتابه “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع”(2/ 88):

والذي دعا الأولين إلى القول بالوجوب في حق هؤلاء: ما انعقد الإجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه.اهـ

ثالثاً: قال ابن رشد الحفيد المالكي – رحمه الله – في كتابه “بداية المجتهد”(2/ 172):

وأما حكم المسافر إذا أفطر، فهو القضاء باتفاق، وكذلك المريض لقوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }، ما عدا المريض بإغماء أو جنون فإنهم اختلفوا في وجوب القضاء عليه، وفقهاء الامصار على وجوبه على المغمى عليه.اهـ

رابعاً: قال موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “المغني”(4/ 344(:

إذا ثبت هذا فزوال العقل يحصل بثلاثة أشياء:

أحدهما: الإغماء، وقد ذكرناه، ومتى فسد الصوم به فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه، لأن مدته لا تتطاول غالباً، ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يزل التكليف به، وقضاء العبادات، كالنوم.اهـ

خامساً: قال أبو الفرج شمس الدين المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الشرح الكبير على متن المقنع”(3/ 22) :

لا نعلم خلافاً في وجوب القضاء على المغمى عليه.اهـ

سادساً: قال شمس الدين الزركشي الحنبلي – رحمه الله – في شرحه على “مختصر الخِرَقي”(2/ 567) :

دلَّ كلامه على أن المغمى عليه يجب عليه الصوم، ولا نزاع في ذلك.اهـ

سابعاً: قال بدر الدين العيني الحنفي – رحمه الله- في كتابه “البناية شرح الهداية”(4/ 95) معلقاً على ما جاء في المتن “ومن أغمي عليه في رمضان كله قضاه”:

أي قضى كل رمضان، هذا بالإجماع، إلا ما رُوي عن الحسن البصري وابن سريج من أصحاب الشافعي فيما إذا استوعب لا قضاء عليه كما في المجنون.اهـ

قلت:

وما نسبه للحسن البصري – رحمه الله – قد ذكره شمس الدين السرخسي الحنفي – رحمه الله – في كتابه “المبسوط”(3/ 157) فقال:

قال: “المغمى عليه في جميع الشهر إذا أفاق بعد مضيه فعليه القضاء إلا على قول الحسن البصري، فإنه يقول: سبب وجود الأداء، وهو شهود الشهر لم يتحقق في حقه، لزوال عقله بالإغماء، ووجوب القضاء ينبني عليه”.

ولنا: أن الاغماء مرض، وهو عذر في تأخير الصوم إلى زواله، لا في إسقاطه، وهذا لأن الإغماء يضعف القوى، ولا يزيل الحِجا، ألا ترى أنه لا يصير مولِياً عليه؟ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتلي بالإغماء في مرضه، وكان معصوماً عما يُزيل العقل، قال الله تعالى: } فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ{ اهـ

ولم أجده لغيرهما، لا سيما من اشتهروا بنقل الخلاف، وقد ساقه العيني هنا بصيغة التمريض، وهو مُحدِّث، وقد نقل غير واحد – ممن عُرفوا بذكر الخلاف – الإجماع وعدم علمه باختلاف العلماء في ذلك، والله تعالى أعلم.

ووجدت ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – قد نقل عن الحسن وجوب القضاء.

فقال في كتابه “الإشراف”(3/ 139) تحت باب “ما يجب على من أغمي عليه في شهر رمضان”:

قال الحسن البصري: يقضي، إلا اليوم الذي أفاق فيه.اهـ

وأما ابن سريج الشافعي – رحمه الله – فمحجوج بالإجماع قبله.

ثامناً: قال عبد الرحمن بن قاسم النجدي – رحمه الله – في “حاشية الروض المربع”(2/ 382) :

على الأصح وفاقًا، وقال الشارح: لا نعلم فيه خلافاً، لأنه نوع مرض، وهو مُغَط على العقل.اهـ

ويعني بقوله “وفاقاً”: اتفاق المذاهب الأربعة على الحكم.

ومن حجة هذا القول أيضاً مع الإجماع المذكور:

قول الله – عز وجل – في آية وجوب الصيام من سورة البقرة:

} فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر{

وقالوا:

الإغماء مرض من الأمراض، فيجب في حق المصاب به القضاء كباقي الأمراض.

وقال أبو بكر الجصاص الحنفي – رحمه الله – في كتابه “أحكام القرآن”(1/ 229- 230) :

فإن قيل: لا يصح خطاب المغمى عليه كما لا يصح خطاب المجنون، والتكليف زائل عنهما جميعاً، فوجب أن لا يلزمه القضاء بالإغماء.

قيل له: الإغماء وإن منع الخطاب بالصوم في حال وجوده، فإن له أصلا آخر في إيجاب القضاء وهو قوله }وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ .

وإطلاق اسم المريض على المغمى عليه جائز سائغ، فوجب اعتبار عمومه في إيجاب القضاء عليه، وإن لم يكن مخاطباً به حال الإغماء، وأما المجنون فلا يتناوله اسم المريض على الإطلاق، فلم يدخل فيمن أوجب اللّه عليه القضاء.اهـ

وقال في كتابه “شرح مختصر الطحاوي”(2/ 449-450) :

ومن أغمي عليه شهر رمضان كله قضاه، لقول الله تعالى: } وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر {

والمغمى عليه مريض، فلزمه القضاء بالعموم.

وأيضاً: فإن الإغماء لا تُستحق به الولاية، ولا ينافي صحة الصوم، فصار فيه كالنائم، فلزمه القضاء، وفارق الجنون، لأن الجنون تُستحق به الولاية عليه، فصار كالصغير.

وأيضاً: فإن الإغماء لا يؤثر في العقل، بل العقل قائم، وإنما هناك عارض يمنع الإدراك والعلم، والجنون يؤثر في العقل، فيصير من هذا الوجه بمنزلة الصغير.اهـ

وقال أبو اسحاق الشيرازي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المهذب في فقه الإمام الشافعي”(1/ 32) أو (6/ 255 – مع المجموع شرح المهذب ) :

وإن زال عقله بالإغماء لم يجب عليه في الحال، لأنه لا يصح منه، فإن أفاق وجب عليه القضاء، لقوله تعالى: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

والإغماء مرض، ويخالف الجنون فإنه نقص، ولهذا لا يجوز الجنون على الأنبياء، ويجوز عليهم الإغماء.اهـ

وقال ابن حزم الظاهري – رحمه الله – في كتابه “المحلى”(4/ 365 – مسألة رقم:754) :

ووجدنا المصروع والمغمى عليه مريضين بلا شك، لأن المرض هي حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها، وهذه صفة المصروع والمغمى عليه بلا شك، ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الافاقة مدة، فإذ هما مريضان، فالقضاء عليهما بنص القرآن.اهـ

المسألة الثانية / عن من نوى الصيام من الليل فأغمي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس.

لأهل العلم – رحمهم الله تعالى – في هذه المسألة قولان:

القول الأول: أن صومه لا يصح.

وإليه ذهب أكثر العلماء – رحمهم الله تعالى -.

قال ابن عثيمين – رحمه الله – في كتابه “الشرح الممتع على زاد المستقنع”(6/ 352-353) :

فإذا أغمي عليه بحادث أو مرض ـ بعد أن تسحر ـ جميع النهار، فلا يصح صومه، لأنه ليس بعاقل، ولكن يلزمه القضاء، لأنه مكلف، وهذا قول جمهور العلماء.اهـ

ووجه هذا القول:

ما ذكره موفق الدين ابن قدامة المقدسي – رحمه الله – في كتابه “المغني”(4/ 343-344) حيث قال:

ولنا: أن الصوم هو: الإمساك مع النية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي (( متفق عليه.

فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم يجزئه.

ولأن النية أحد ركني الصوم فلا تجزئ وحدها، كالإمساك وحده.

أما النوم فإنه عادة، ولا يزيل الإحساس بالكلية، ومتى نبه انتبه، والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون.اهـ

وقال ابن تيمية الحراني – رحمه الله – في “شرح عمدة الفقه”(1/ 46-47 – قسم الصيام) :

وإنما اشترطنا أن يفيق جزء من النهار، لأن الصوم لا بد فيه من الإمساك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه في صفة الصائم : (( يدع طعامه شرابه وشهوته من أجلي ((

والإمساك لا يكون إلا مع حضور العقل، ولم نشترط وجود الإمساك في جميع النهار، بل اكتفينا بوجوده في بعضه، لأنه دخل في عموم قوله)) يدع طعامه شرابه وشهوته من أجلي ((اهـ

وقال شمس الدين الزركشي الحنبلي – رحمه لله – في “شرح مختصر الخرقي”(2/567) :

لأن الصوم الشرعي مركب من إمساك مع النية، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي )) متفق عليه.

فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، ومن أغمي عليه جميع النهار لم يضف إليه إمساك النية، فلم يصح صومه، إذ المركب ينتفي بانتفاء جزئه.

وقد فهم من كلام الخرقي أنه لو أفاق قبل غروب الشمس أجزأه، وهو صحيح، لوجود الإمساك في الجملة.اهـ

القول الثاني: أن صومه صحيح.

وهو قول أبي حنيفة وإسماعيل المزني من أصحاب الشافعي.

وذلك قياساً على النائم حيث لم يمنع زوال استشعاره من صحة صومه.

وقال عبد الرحمن بن قاسم النجدي – رحمه الله – في “حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع”(3/381) عقب ما جاء في المتن [ (لا إن نام جميع النهار) فلا يمنع صحة صومه ]:

وهو إجماع قبل الإصطخري من الشافعية، وإن استيقظ لحظة منه صح إجماعًا.اهـ

وقال أبو عبد الله بن مفلح الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الفروع”(3/ 26) :

وإن نام جميع النهار صح صومه (و) خلافاً للإصطخري الشافعي، لأنه إجماع قبله، ولأنه معتاد إذا نُبه انتبه، فهو كذاهل وساه.اهـ

وقال أبو الحسن الرجراجي المالكي – رحمه الله – في “مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة وحل مشكلاتها”(2/ 93):

لأن النائم متفق عليه أنه لو نام نهاره كله لجاز صيامه، ولا قضاء عليه.اهـ

وقال النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”(6/ 384):

وأجمعوا على أنه لو استيقظ لحظة من النهار ونام باقيه صح صومه.اهـ

وقال أيضاً (6/ 384):

لو نوى من الليل ولم ينم النهار ولكن كان غافلاً عن الصوم في جميعه صح صومه بالإجماع، لأن في تكليف ذكره حرجاً.اهـ

وأجيب عن قياسهم هذا:

بأن النائم يفارق المغمى عليه، إذ النائم يرجع إلى استشعاره وعقله وإدراكه بالتنبيه والإيقاظ، أما المغمى عليه فلا يرجع إذا فعل به ذلك.

المسألة الثالثة / عن من نوى الصيام من الليل ثم وجِدت منه إفاقة في النهار ثم أغمي عليه في باقيه.

قال الوزير ابن هبيرة الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الإفصاح عن معاني الصحاح”(1/421 – مسألة رقم:62):

واتفقوا على أن من وجدت منه إفاقة في بعض النهار، ثم أغمي عليه باقيه، فإن صومه صحيح.اهـ

وقال ابن تيمية الحراني – رحمه الله – في “شرح عمدة الفقه”(1/ 46-47 – قسم الصيام):

وإنما اشترطنا أن يفيق جزء من النهار، لأن الصوم لا بد فيه من الإمساك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه في صفة الصائم: (( يدع طعامه شرابه وشهوته من أجلي )).

والإمساك لا يكون إلا مع حضور العقل، ولم نشترط وجود الإمساك في جميع النهار، بل اكتفينا بوجوده في بعضه، لأنه دخل في عموم قوله: (( يدع طعامه شرابه وشهوته من أجلي ((اهـ

المسألة الرابعة / عن قليل الإغماء في نهار الصوم.

قال عبد الرحمن بن قاسم النجدي – رحمه الله – في “حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع”(1/381):

وقليل الإغماء لا يفسد الصوم وفاقاً.اهـ

يعني: باتفاق المذاهب الأربعة.

وقال البيهقي – رحمه الله – في “سننه”(4/235):

أخبرنا محمد بن أبي المعروف، أنبأ أبو سهل الإسفراييني، أنبأ أبو جعفر الحذَّاء، أنبأ علي بن المديني، ثنا المعتمر بن سليمان التيمي قال: سمعت عبيد الله بن عمر حدَّث عن نافع قال:

((كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصُومُ تَطَوُّعًا فَيُغْشَى عَلَيْهِ فَلَا يُفْطِرُ ))

وهذا إسناد جيد.

والغَشْيُ أو الغَشِيُّ: قليل الإغماء.

وهذا الأثر يدلّ على أَن يسير الإغماء خلال الصوم لا يفسده.

المسألة الخامسة / عن المغمى عليه في شهر رمضان يستمر إغماؤه حتى يموت.

من أغمي عليه في شهر رمضان، واستمر إغماؤه حتى مات، فلا شيء عليه، ولا على وليه، لا يُصام عنه، ولا يُطعم عنه من تركته، ولا من مال متبرع.

لأن الإغماء مرض من الأمراض، والمريض إذا مات قبل التمكن من القضاء، سقط عنه الصيام إلى غير بدل كالحج.

وقد قال الخطابي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “معالم السنن”(2 / 125 – حديث رقم:546):

واتفق عامة أهل العلم على أنه إذا أفطر في المرض أو السفر ثم لم يفرط في القضاء حتى مات فإنه لا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه، غير قتادة فإنه قال: يُطعم عنه، وقد حكي ذلك أيضاً عن طاوس.اهـ

وقال البغوي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “شرح السنة”(6/ 327):

واتفق عامة أهل العلم على أنه إذا أفطر بعذر سفر أو مرض ثم لم يفرط في القضاء، بأن دام عذره حتى مات، أنه لا شيء عليه غير قتادة، فإنه قال: يُطعم عنه، روي ذلك عن ابن عباس، ويحكى ذلك أيضاً عن طاوس.اهـ

وقال عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي – رحمه الله – في “حاشية الروض المربع”(3 / 439) في شأن المريض الذي مات ولم يفرط في القضاء:

لا شيء عليه، وذكر النووي اتفاق أهل العلم، ولو مضى عليه أحوال، لأنه حق لله تعالى، وجب بالشرع، ومات من وجب عليه، قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل، كالحج.اهـ

وأخرج عبد الرزاق – رحمه الله – في “مصنفه”(7630) بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه:

((قَالَ فِي الرَّجُلِ الْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا حَتَّى يَمُوتَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ((

المسألة السادسة / عن إلحاق المُبَنَّج والسكران ومن زال عقله بشرب دواء بالمغمى عليه في قضاء الصيام.

المبنج أو المخدَّر والسكران ومن زال عقله بدواء ونحوه يلحق بالمغمى عليه في وجوب القضاء.

بل هو أولى منه لأمرين:

الأول: أن زوال عقله إنما حصل بإرادته أو إذنه.

والثاني: أن زوال عقله لا تطول مدته.

وقد قال ابن جرير الطبري – رحمه الله – في “تفسيره”(2/ 154 – آية:185 من سورة البقرة):

وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو بِرْسام، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر، أن عليه قضاء الشهر كله، ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة، وإذا كان إجماعاً، فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم، سبيل المغمى عليه.اهـ

وقال النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”(6/ 256):

قال أصحابنا: ومن زال عقله بمرض أو بشرب دواء شربه لحاجة أو بعذر آخر لزمه قضاء الصوم دون الصلاة كالمغمي عليه، ولا يأثم بترك الصوم في زمن زوال عقله.

وأما من زال عقله بمحرم كخمر أو غيره مما سبق بيانه في أول كتاب الصلاة فيلزمه القضاء، ويكون آثماً بالترك.اهـ

وقال ابن تيمية الحراني الحنبلي – رحمه الله – في “شرح عمدة الفقه”(1/ 46):

فأما من زال عقله بغير جنون من إغماء أو غيره، فإنه يجب عليه الصوم بغير خلاف في المذهب.

ويصح صومه إذا نواه في وقت تصح النية فيه، وأفاق بعض النهار، سواء أفاق في أحد الطرفين أو في الوسط.

فإما إن أغمي عليه جميع النهار، لم يصح صومه.

ولو نام جميع النهار، صح صومه.

هذا هو المنصوص المشهور في المذهب، وإن كان سكراناً أو مبنجاً أو زال عقله بشرب دواء.اهـ

وقال ابن جزي المالكي – رحمه الله – في كتابه “القوانين الفقهية”(ص:132):

والسكر كالإغماء، إلا أنه يلزمه الإمساك في يومه.اهـ

وقال أبو البركات الشهير “بالدردير” المالكي – رحمه الله – في ” الشرح الكبير”(1/ 522):

والسكر كالإغماء، وظاهر النقل ولو بحلال، وهو ظاهر، لأنه لا يزول بالإيقاظ، فلا يلحق بالنوم، خلافاً لمن قيده بالحرام، وجعل الحلال كالنوم.اهـ

وقال ابن عثيمين – رحمه الله – في التعليق على كتاب الصيام من “الفروع” لابن مفلح (ص:147) :

من أغمي عليه بفعله كالبنج – التخدير – فهذا عليه قضاء الصلاة، وعليه قضاء الصوم، لأنه بفعله.اهـ

المسألة السابعة / عن المغمى عليه يُوجَر بغير اختياره بشيء يصل إلى جوفه أو يجد طعمه في حلقه.

وتحت هذه المسألة فرعان:

الفرع الأول: عن المراد بالْوَجُور.

قال أبو بكر العبادي الحنفي – رحمه الله – في كتابه “الجوهرة النيرة على مختصر القدوري”(1/ 141) :

الْوَجُور: صَبُّ الماء أو اللبن أو الدواء في الفم.اهـ

الفرع الثاني: عن تأثير الْوَجُور على صيام المغمى عليه.

إذا صُبَّ ماء أو وُضِع دواء في فم المغمى عليه الذي لا يفسد صومه في نهار رمضان فوصل إلى جوفه أو وجد طعمه في حلقه فلأهل العلم – رحمهم الله – في صيامه قولان:

القول الأول: أن صيامه لا يفسد.

وهو الصحيح من مذهب الشافعي، والمشهور في مذهب أحمد.

قال أبو حامد الغزالي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الوسيط في المذهب”(2/ 526):

أو أُوجِر وهو مكره أو نائم أو مغمى عليه فلا يفطر، إلا أن يُقصد معالجة المغمى عليه في إيجاره، ففيه وجهان، من حيث إنه روعي مصلحته، فنَزل منزلة تعاطيه، ويخرج عن رعاية القصد.اهـ

وقال النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”(6/ 353):

ولو كان مغمى عليه، وقد نوى من الليل، وأفاق في بعض النهار، وقلنا: يصح صومه، فأَوجَره غيره شيئاً في حال إغمائه لغير المعالجة، لم يبطل صومه إلا على وجه الحَنَّاطي.

وإن أَوجَره معالجة وإصلاحاً له، فهل يفطر؟ فيه وجهان مشهوران في كتب الخُراسانيين:

أصحهما: لا يفطر كغير المعالجة، لأنه لاصنع له.

والثاني: يفطر، لأن فعل المعالج لمصلحته، فصار كفعله.

قالوا:

ونظير المسألة إذا عُولج المحرم المغمى عليه بدواء فيه طيب، هل تجب الفدية؟ فيه خلاف سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى.اهـ

وقال أبو عبد الله بن مفلح الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الفروع”(3/ 53):

وإن أوجر المغمى عليه معالجة لم يفطر، وقيل: يفطر، لرضاه به ظاهراً، فكأنه قصده، وللشافعية وجهان.اهـ

وقال برهان الدين ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “المبدع شرح المقنع”(3/ 25-26):

ولو أُوجِر المغمى عليه معالجة لم يفطر، وقيل: بلى، لرضاه ظاهراً، فكأنه قصده، وكالجاهل بالتحريم، نَص عليه في الحجامة، وكالجهل بالوقت والنسيان يكثر.

وفي “الهداية” و “التبصرة”: لا فطر، لعدم تعمده المفسد كالناسي، وجمع بينهما في “الكافي” بعدم التأثيم.اهـ

وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف”(3/ 304):

لو أُوجِر المغمى عليه لأجل علاجه لم يفطر على الصحيح من المذهب.اهـ

القول الثاني: أن صيامه يفسد.

وهو مذهب الحنفية والمالكية.

قال أبو بكر العبادي الحنفي – رحمه الله – في كتابه “الجوهرة النيرة على مختصر القدوري”(1/ 141):

فإن أُوْجِرَ مُكرهاً أو نائماً أفطر، ولا كفارة عليه، وإن كان طائعاً فعليه الكفارة.اهـ

وقال برهان الدين ابن مَازَةَ الحنفي – رحمه الله – في كتابه “المحيط البرهاني في الفقه النعماني”(2/ 383):

وإذا أُوْجِر، فما دام في فمه لا يفسد صومه، وإذا أوصل إلى الجوف يفسد صومه، ولا تلزمه الكفارة في ظاهر الرواية من غير تفصيل بين حالة الاختيار، وبين حالة الاضطرار.اهـ

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي – رحمه الله – في كتابه ” الإشراف على نكت مسائل الخلاف”(1/ 436 – مسألة رقم:650)

مسألة:

إذا أكره على الإفطار بأن أُوجِر الماء في حلقه، أو بأن هدد بالقتل والضرب فأكل بنفسه فقد أفطر في الموضعين، وكذلك إذا جومعت مكرهة أو نائمة.

وقال الشافعي في كل ذلك: لا يفطر إلا الذي أكل بنفسه فله فيه قولان.

فدليلنا أن خَرم الإمساك قد حصل، فأشبه إذا كان بفعله وقصده.اهـ

وقال ابن عثيمين – رحمه الله – في التعليق على كتاب الصيام من “الفروع” لابن مفلح (ص:195):

ذكر المؤلف – رحمه الله – في الإنسان المغمى عليه إذا أُوجِر – يعني: صُب في فمه ماء – فهل يفطر أولا؟

ومعلوم أن المغمى عليه إذا صُب الماء في فمه أنه يجذبه، كالصبي يجذب اللبن، فهل نقول: إن هذا يفطر لرضاه به ظاهراً، لأن هذا المريض الصائم يرضى أن يَصب الناس في فمه ماءاً من أجل أن يصحو؟

فهل نقول: هذا ليس كالمكره، لرضاه به ظاهراً، أو نقول: إنه كالمكره، لأنه لا إرادة له؟ هنا فيه احتمال، والاحتياط عندي أن يقضي، لأن هذا وإن كان لا يشعر بذلك، لكنه راض به قطعاً.اهـ

وقال أيضاً كما في “مجموع الفتاوى والرسائل”(19/ 203):

من المعلوم أن الذي أغمي عليه وصب الماء في حلقه أنه لا يشعر، ولكن هل يفطر؟ أو لا يفطر؟.

المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله – أنه لا يفطر بذلك، لأنه حصل بغير اختياره، ومن شروط المفطرات أن يكون الصائم المتناول لها باختياره، وهذا لا اختيار له في ذلك.

وقال بعض العلماء: إنه يفطر.

وقال بعضهم: إنه إن كان يرضى بذلك عادة فإنه يفطر، وإن كان لا يرضى بذلك فإنه لا يفطر.

والظاهر القول الأول: أنه لا يفطر.

وعلى هذا فصيامه صحيح؛ لأن هذا الأمر حصل بغير اختياره، وإن قضى يوماً مكان هذا اليوم فهو خير، فإن كان يلزمه فقد أبرأ ذمته، وإن كان لا يلزمه فقد تطوع به.اهـ

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.


شارك المحتوى: