أيها المدافعون عن الأحمد أرجوكم : افهمونا
د. ناصر بن غازي الرحيلي
أيها المدافعون عن الأحمد أرجوكم : افهمونا
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فلا زالت قضية محاكمة الدكتور يوسف الاحمد -وفقه الله- متداولة بين الناس ، في المجالس والمواقع والمنتديات ، وما زال الناس مختلفين فيها ، فمنهم المؤيد للحكم ، ومنهم المعارض والرافض له ، وليست كتابتي هذه في ترجيح أحد الرأيين على الآخر ، والاستدلال على ذلك ، فقد كتبت مقالا في بيان ما أراه حقا بعنوان: (وقفات مع محاكمة الدكتور يوسف الأحمد) وهو موجود على هذا الرابط لمن شاء الرجوع إليه :
http://www.islamancient.com/index.php?new=ok
وإنما أكتب لأني لاحظت أن المدافعين عن الدكتور يوسف الأحمد لم يفهموا مرادنا نحن المنتقدين ، فذهبوا يشتموننا، ويطعنون في نياتنا، وينبزوننا بألقاب كثيرة، تعرف منها وتنكر، فأقول :
أيها المدافعون : ليس خلافنا معكم ومع الدكتور في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فنحن نعتقد ذلك وندين الله به، ونعتقد أن من أنكر هذه الشعيرة أو انتقصها فهو كافر لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، لكن خلافنا في: هل ما قام به الدكتور من المعروف الذي يجب أن نقبله ، أو من المنكر الذي يجب أن نرفضه ؟
فنحن نستدل على أنه من المنكر بأدلة الكتاب والسنة وأقوال سلفنا الصالح ، ولا نراكم تستدلون على صحة فعل الدكتور بشيء معتبر من ذلك ، بل ولا تجيبون عن ما نورده من أدلة ، وتعرضون عنها .
أيها المدافعون : ليس خلافنا معكم ومع الدكتور في أن الولاة وفقهم الله تصدر منهم منكرات ، فإننا لا نعتقد عصمتهم ، ونعلم أنهم بشر يخطئون كما نخطئ ، وإنما الخلاف في طريقة إنكار المنكر ، فنحن نرى أن طريقة الانكار العلني على الوالي لا تجوز ، ونورد كذلك الأدلة على ذلك ، وأنتم تخالفون ولا تستدلون لأقوالكم .
أيها المدافعون : إنكم تذكرون أشياء تريدون بها بيان صحة دفاعكم وفعالكم ، ونحن في كثير منها نوافقكم على صحتها في نفسها ، لكن نخالفكم في استدلالكم بها على ما تريدون ، ومن هذه الأشياء :
١- تقولون: ما تكلم الدكتور يوسف إلا إرادة للخير ونصيحة وشفقة على المسلمين .
ونحن نقول : والله الذي لا إله غيره أن هذا هو ظننا بالدكتور ، لكن حسن النية لا يكفي ، بل لا بد أن تكون الطريقة صحيحة ، وتأمل في بيان ما قلتُ الحديثين التاليين :
أ- روى الشيخان عن أنس بن مالك قال : [[جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلَّم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلَّم ، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها وقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلَّم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إليهم فقال ” أنتم الذين قلتم كذا وكذا . أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوَّج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ]] . فهؤلاء الصحابة الثلاثة أرادوا فعل أعمال جليلة ، صوم في النهار وقيام في الليل وترك للزواج الذي قد يشغل عن العبادة ، وهم ما أرادوا إلا الخير ومغفرة الذنوب ، ومع ذلك لما علم صلى الله عليه وسلم بقولهم غضب وبيّن خطأ صنيعهم ، بل سمى فاعله بعد البيان راغبا عن سنته ثم تبرأ منه .
ب- أخرج الدارمي في سننه وابن وضاح في كتاب ما جاء في البدع وغيرهم عن عمرو بن سلمة : [[كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى ، فقال : أَخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا . فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد أمراً أنكرته ولم أرَ – والحمد لله – إلا خيراً. قال فما هو ؟ فقال إن عشت فستراه . قال : رأيت في المسجد قوماً جلوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقةٍ رجلٌ ، وفي أيديهم حصاً ، فيقول كبِّروا مائة ، فيكبِّرون مائة ، فيقول هللوا مائةً ، فيهللون مائةً ويقول سبِّحوا مائة ، فيسبِّحون مائةً ، قال فماذا قلتَ لهم ؟ قال ما قلتُ شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك . قال أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم ، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم ؟ ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقةً من تلك الحلق ، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصاً نعدُّ به التكبير ، والتهليل ، والتسبيح . قال فعدُّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ ألا يضيع من حسناتكم شيءٌ، وَيحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلَّم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تُكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملَّةٍ أهدى من ملَّة محمد أو مفتِّحوا باب ضلالةٍ . قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير . قال: وكم من مريدٍ للخير لن يُصيبه ]] .
ما أحسن نيتهم ، لكن لما لم تكن طريقتهم صحيحة أنكر عليهم الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وقال الكلمة الرائعة: وكم من مريدٍ للخير لن يُصيبه .
فيا أيها المدافعون : لا تحدثونا مرة أخرى في نية الدكتور يوسف ، ولا تظنوا أننا نطعن في نيته ، واللهَ يشهد أنّا بريئون من ذلك براءة الذئب من دم يوسف .
٢- تستدلون بجرأة وشجاعة الاحمد على الولاة ، وأن قوله أشد من غيره ممن تكلم . ونحن معكم، فالدكتور -وفقه الله- عنده جرأة وقوة في قول ما يراه حقا ، وقد لا ترى هذه الجرأة والقوة إلا عند قليل من الناس ، لكننا نقول : لا تنفع الجرأة والقوة ما لم تكن جرأة وقوة في الحق ، فقد يتجرأ رجل على آخر ويظهر قوة ويقول : إنك كافر وفاسق ومنافق ، ولا يكون فعله محمودا.
فيا أيها المدافعون : لا تذكروا لنا جرأة وقوة الدكتور ، فنحن لا نشك بها ، لكن بينوا دليل كون هذه الجرأة والقوة محمدة .
٣- تقولون: إن الدكتور ضحى بحريته لاجل قول كلمة حق .
ونحن كذلك نوافقكم أن الدكتور ضحى بحريته ، لكن ليس كل من ضحى بحريته يكون مصيبا ، فالخارجي والليبرالي واليهودي والنصراني يضحون بحرياتهم لأجل عقائدهم ومبادئهم .
انتبهوا : معاذ الله أن أشبه الدكتور بهؤلاء ، لكن فقط أردت أن مجرد التضيحة ليس دليلا على صحة الافعال .
إذن : لا تذكروا تضحية الدكتور ، ولكن اذكروا دليل صحة ما ضحى لأجله .
٤- تقولون: أقوال الدكتور أشد من أقوال غيره.
ونحن نقر بهذا، وأنها أشد من أقوال ابن باز وابن عثيمين وغيرهما ، لكن نقول : ليس الصواب في القول الأشد دائما ، فهذا عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم لما عقد صلحا مع كفار قريش، وكان في ظاهره ذلة للمسلمين ، قال رضي الله عنه : [[يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى. قال: فعلام نعطى الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟]] .
فموقفه -رضي الله عنه- أشد بكثير من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فموقف الرسول صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وهو الذي يريده الله .
فتكرما : لا تستدلوا بشدة القول وإنما استدلوا لصحة القول .
أيها المدافعون: إنكم تذكرون أشياء تريدون بها بيان بطلان أقوالنا ، وهي بغض النظر عن صحتها أو لا ، لا تدل على ما تريدون إبطاله ، ومن هذه الاشياء :
١- تقولون عنا :(مداهنون) – (علماء سلاطين) – (مرجئة مع الحكام)- (خبيثوا النية) – (تنكرون الانكار العلني ولا تنكرون سرا) …الخ .
أقول : لو سلّمنا أننا متصفون بهذه الألقاب وبأضعافها ، فلا يدل على بطلان ما نقول ضرورة .
أرأيتم لو جاءنا كافر يشرب الخمر ويصد عن دين الله، وقال لنا : السواك من سنة نبيكم ، هل نقول : هذا كذب لأنه جاء ممن صفته الكفر والفساد ؟ هل كان تعليم الشيطان لأبي هريرة رضي الله عنه آية يقولها حين يمسي فلا يقربه شيطان ، هل كان تعليمه وقوله خطأ لأنه شيطان رجيم ملعون ؟
فأرجوكم : تكلموا فينا بما شئتم ، وقولوا ما تشتهون ، لكن لا تجعلوه دليلا على بطلان قولنا.
٢- تقولون : ما تدعون إليه من الانكار في السر فقط متعذر ، وقد جرب فلم ينفع .
ونحن لو سلّمنا بهذا نقول : ألم تسمعوا قول الله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقوله عز وجل (إن عليك إلا البلاغ) فنحن علينا البلاغ بالطرق الشرعية ، فإن استطعنا فالحمد لله ، وإلا فالقاعدة : لا واجب مع العجز .
أرأيتم لو رأينا رجلا يسمع الأغاني ، ونصحناه فلم يستجب ، أيجوز أن نقتله لأن الطريقة الأولى لم تنفع ؟
فأرجوكم : لا تعودوا لمثلها أبدا إن كنتم مؤمنين .
٣- تقولون: إنكم وافقتم الليبراليين في الطعن على الدكتور يوسف الأحمد .
ونقول : يعلم الله كم تمتلئ قلوبنا بغضا وكرها لليبراليين ، لكن مجرد موافقتهم في ظاهر قول لا يدل على بطلانه ، فنحن نوافق اليهود على أصل نبوة موسى عليه السلام ، ولا تدل الموافقة على بطلان نبوته .
وقد يتوافق رجلان في عمل معين فيكون أحدهما مأجورا، والآخر آثما غير مأجور ، كرجلين جاهدا الكفار، أحدهما أراد وجه الله، والآخر أراد الرياء والسمعة .
والذي نرجوه من الله أن يكتب لنا أجرا بحسن نيتنا ، ويعاقب كل ليبرالي طعن في رجل وأراد بذلك عيب دين الاسلام .
فأرجوكم : افهموا هذا جيدا .
٤- وهذه ترمون بها الولاة وتقولون : حاكَموا الأحمد ولم يحاكموا من سب الدولة جهرة كالرافضي الخبيث نمر النمر
فيقال: هب أن الدولة لم تحاسب الرافضي، فهل هذا دليل على صحة فعل الأحمد ؟
فلو قُدِّر أن رجلا قتل مائة نفس بغير حق، ورجلا شرب الخمر مرة واحدة ، فتُرك الأول، وجُلد الثاني، هل هذا دليل على أن شرب الخمر من الرجل الثاني جائز ؟
ثم إن هذا الأمر يرجع إلى السياسة ، ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك قتل المنافقين لأجل المصلحة ؟
وفي قصة تبوك عبرة ؛ فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذر من تخلف عنه من المنافقين ، واستغفر لهم ، ولم يقبل توبة المؤمنين كعب وصاحبيه حتى جرى لهم ما جرى .
وأمور السياسة ليست بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس ، حتى يتحدثوا: ينبغي على الدولة فعل كذا ، ولا ينبغي فعل ذاك .
وخذ هذه الدرة من كلام الإمام ابن عثيمين رحمه الله فيما نحن فيه : http://www.youtube.com/watch_popup?v=zyLGvEoorks&feature=youtube_gdata_player
(( وأنبه مع ذلك أنه لا يوجد ما يثبت أن الرافضي الخبيث لم يزل في السعودية، بل ذكر بعض الثقات أنه هارب من زمن ))
أيها المدافعون : لنسلِّم لكم أن محاكمة الأحمد كانت ظلما كما تقولون، وكما يقول المحامي إبراهيم السكران ، فأجيبوا على تساؤلاتي :
– لو كان الحكم ظلما، ألا يجب على الدكتور-وفقه الله- الصبر؛ لقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم [[تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك واخذ مالك]] .
– لو كان الحكم ظلما ألا يكون القاضي مجتهدا، فظن الحق في حكمه، فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم [[إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد]] ؟ لماذا افترضتم سوء نيته وأنتم لا تعرفونه؟ مع أنه ذكر أدلة على ما ظنه صوابا .
-ألا ترون أن غضبتكم ومطالبة بعضكم بالاعتصامات يلزم منه وجوب أن يكون القاضي معصوما من الخطأ، وإلا أنكرنا على القضاة في كل قضية أخطأوا فيها ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم [[ إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله ، فإنما أقطع له قطعة من النار ، فلا يأخذها]] ؟
– ألا ترون أن فعلكم يؤدي إلى عدم جدوى تعيين القضاة ، لأن كل أحد يريد الحكم بما يراه هو لا بما يراه القاضي ؟
– لماذا لمّا شبهتم سجن الدكتور يوسف الأحمد بسجن الامام أحمد ، لماذا لم تكملوا الصورة ، فتذكروا أن الامام أحمد مع ذلك صبر وأمر بالانكار في القلوب، ونهى عن إثارة الناس ؟
– ألا تحمدون فعل المحكمة، وكيف أنها أعطت المتهم مهلة للدفاع عن نفسه ، وقبلت اعتراضه على الحكم ، ألا ينفي هذا تهمة المؤامرة التي تزعمونها ؟
وأنبه إلى أني هنا لا أقرر استحقاق الدكتور للسجن أو لا ، فإن هذا مرجعه إلى القضاء الشرعي ،فإنه يعرف ما لا نعرف ، ويجب القبول بحكمه ما دام أنه أراد موافقة شرع الله ، ثم التوفيق للصواب أو لا من الله وحده ، ولذا فإني لا أرى ضرورة رد ما ذكر المحامي إبراهيم السكران في تغريداته واعتراضه على الحكم ، مع أني في نفسي عجبت من كلامه غاية العجب .
وخلاصة المقال : احفظوا عنا أيها المدافعون أننا نقول :
لا تعبدوا الله كما تريدون ، ولكن اعبدوه كما يريد 0
فأرجوكم : افهمونا .
أسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين ، وأن يؤلف بينهم ، وأخص الدعاء بالتوفيق والسداد لولي أمرنا خادم الحرمين ، وكذلك أخص بالدعاء والتوفيق الدكتور يوسف الأحمد ، فاللهم يسر له الخير ، واجعله مباركا أينما كان ، واحفظ عليه أهله وأولاده، واجمعه بمن يحب على الطاعة عاجلا غير آجل إنك سميع الدعاء .
وكتبه : ناصر بن غازي الرحيلي .
المدرس في قسم العقيدة في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة .