خطبة عن صلاة الفجر
فايز بن مساعد الحربي
خطبة عن صلاة الفجر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
أما بعد : فإنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَىُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ..
ثم اعلموا رحمكم الله أنه جاء النص من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وسلم بالتأكيد على صلاة الفجر والتحذير من التهاون بها، قال تعالى{ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} وفي الحديث المتفق عليه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ)، وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }(رواه البخاري)، فيا خيبة وخسران من كان من المحرومين الذين لا تذكرهم الملائكة عند الغني الحميد.
أيها المسلم: احذر أن تتصف بصفة المنافقين وهي التثاقل عن صلاة الفجر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا)(البخاري)، وهذا الحديث فيهم وهم يصلونها وهي عليهم ثقيلة فكيف بمن لا يصليها والعياذ بالله، وخاصة من يتعمدون إخراجها عن وقتها فإن من اخرج الصلاة عن وقتها متعمدا ثم صلاها فإنها مردودة عليه بنص حديث من لا ينطق عن الهوى(من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد) وهذا صلاها على غير أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
يا من تعمدت أن تستيقظ للعمل والدراسة تاركا صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة أما اتخشى أن تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم(العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)، فاحذر يا عبد الله وسارع بالتوبة فالأمر خطير، والعاقبة وخيمة.
ومن الحرمان أن يلوم المرء أبنائه إذا تأخروا عن المدرسة أو غابوا عنها ولا يلومهم إذا غابوا عن صلاة الفجر مع الجماعة أو لم يصلوها إلا بعد طلوع الشمس.
أيها الأب إنك تخاف على أبناءك من الغياب عن دراستهم وأعمالهم ولا تخاف على نفسك من عذاب الله وأن الله عز وجل سيسألك عن هذه الرعية التي أنت مسؤول عنها فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)متفق عليه، وكذلك من تحت يدك من الخدم، فاتق الله وقم بواجبك.
يا من حافظت على صلاة الفجر مع الجماعة ابشر بخير عظيم ابشر بنجاة من النار فعن عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ قَالَ الرَّجُلُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي)رواه مسلم.
يا من صليت الفجر مع الجماعة ابشر فهي سبب لأعظم مطلوب وهو رؤية الرب جل جلاله فإن ألذ وأطيب نعيم عند أهل الجنة هو النظر إلى وجه الله تعالى فلا شيء يعدله فعن جرير بن عبدالله قال كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }متفق عليه
قال ابن عثيمين(وفي هذا دليل على أن المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر من أسباب النظر إلى وجه الله عز وجل ويا لها من قِيمةٍ عظيمةٍ حَافِظ على صلاة الفجر وصلاة العصر تنظر إلى وجه الله يوم القيامة في جنات النعيم) انتهى كلامه رحمه الله. يا من صليت الفجر مع الجماعة ابشر بحفظ الله لك فعن جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)رواه مسلم، قوله في ذمة الله يعني في عهده وأمانة وحفظه. فهل يرضى مسلم عاقل أن لا يكون في عهد الله وحفظه!
يا من صليت الفجر مع الجماعة ابشر بطيب النفس والنشاط في ذلك اليوم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ)متفق عليه
أيها المسلم
إن ركعتي الفجر وهما نافلة خير من الدنيا وما فيها فما بالك بصلاة الفجر مع الجماعة ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) ، وفي رواية أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا) اللَّهُمَّ أعِنِّا عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة ونفعنا بما فيهما من الذكر والحكمة واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الغني الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من اهتم بأمر وانشغل به حرِص وجد واجتهد في فعل الأسباب التي توصله إلى مطلوبه، ومن كان حريصا على صلاة الفجر فعل الأسباب المعينة على القيام لها، كالنوم مبكرا خاصة مع قصر الليل، ووضع المنبه أو التواصي مع الجيران والأقارب بإن يتصلوا عليه لإيقاظه، المهم أن يبذل المسلم الأسباب التي تعينه على أداءها مع الجماعة، ولا معين إلا الله فاستعينوا بالله واصبروا وصابروا وجاهدوا انفسكم{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
عباد الله{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض عنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، اللهم وآمنا في دورنا وأوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمرنا اللهم أصلحهم وأصلح بهم اللهم ارزقهم بطانة صالحة ناصحة وابعد عنهم بطانة الشر والسوء يارب العالمين، اللهم من أرادنا بشر وسوء وفتنة فأشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميره وسلط عليه يا قوي يا عزيز، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لنا، ولآبائنا وأمهاتنا، وأولادنا وأزواجنا، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّالْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)